تطوان -كادم بوطيب بحضور جمهور غفير من عشاق الغناء الملتزم غصت بهم مدرجات «سينما إسبانيول» في تطوان، عاد الفنان اللبناني مارسيل خليفة، مساء السبت الماضي، الى ركح «الحمامة البيضاء»، من جديد، بعد غياب دام سنوات، ليغني للوطن والأرض والأم والحرية والشهداء والمساجين. وغنى خليفة، الذي منحته منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (يونسيو) لقب «فنان السلام»، في حفل الدورة الرابعة عشرة من مهرجان العود الدولي في تطوان، قرابة ساعتين ونصف، أغانيه الشهيرة عن الوطن وعن الحرية، بحضور روح رفيق دربه الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي غيبته المنية. وقد بدأ الحفل بمخاطبة خليفة جمهور الحمامة البيضاء قائلا: «أهل تطوان، مساء الخير عليكم.. غنيت هنا مند سنين».. وفي ذلك إشارة قوية إلى فرحه بلقاء ثانٍ مع هذا الجمهور العاشق الولهان لأغانيه... وبمجرد ما شرع الفنان اللبناني في النقر على عوده بمصاحبة باقي العازفين، حتى ألهب حماس الحضور، الذين راحوا يرددون «بالروح، بالدم نفديك يا مارسيل». وأدى خليفة أول أغاني حفله «ريتا»، التي غنتها أميمة الخليل، وبدا شديد التأثر طيلة مدة أداء الأغنية. ولم ينس خليفة أن يردد مع جمهوره أغانيه الثورية المعروفة مثل «منتصب القامة أمشي» و«يا بحرية» و«الثائر»، التي كان قد أهداها إلى الزعيم الدرزي كمال جنبلاط. ووسط تفاعل كبير من جماهير تعطشت إلى مارسيل خليفة، أهدى الأخير أغنية «تنظر بعيوني حبيبتي» إلى الشاعر محمود درويش، قبل أن ينتقل الى أغنية أخرى «عصفور طل من الشباك» قائلا: «أريد أن أهدي هذه الأغنية إلى كل المساجين في السجون الاسرائيلية... وأيضا الى كل المساجين في المعتقلات العربية»، ليقاطعه الجمهور بالتصفيق والهتاف. وبتأثر واضح، منح خليفة جمهوره فرصة ليغني وحده «بين ريتا وعيوني بندقية» و»في البال أغنية»، قبل أن تعود نقرات العود الحزينة من جديد لتدوّي في أرجاء «سينما إسبانيول» ويشرع مارسيل في الغناء، مع جمهور تطوان «وحيفا». وشدت أغنية «جواز سفر»، التي اختتم بها مارسيل خليفة سهرته، إعجاب الحضور، الذين لزموا في أماكنهم حتى نهاية الحفل. واشتهر خليفة بغنائه بصفة خاصة من أشعار الشاعر الفلسطيني محمود درويش منذ أول ألبوم له في نهاية السبعينيات ليلمع نجمه عندما بدأ يتغنى بقصائد فلسطينيين ولبنانيين تحضّ على القتال ضد الاحتلال الاسرائيلي وتحرّض الفقراء على الثورة. واحتفاء بالتنوع الثقافي والانفتاح على الآخر، وسعيا إلى تكريس سجايا التسامح وتشجيع التعابير الموسيقية الجميلة، وبهدف إبراز المؤهلات التراثية والفنية لمدينة تطوان وتموقعها الإستراتيجي في الموسيقى الأورو متوسطية، نظمت وزارة الثقافة بتعاون مع ولاية تطوان والجماعة الحضرية لتطوان أيام 17، 18و19 ماي 2012 «الدورة الرابعة عشرة للمهرجان الدولي للعود في تطوان». وقد شارك في هذه الدورة ثلة من العازفين المغاربة والدوليين التقوا لخلق فسحة جمالية وتبليغ رسالة إنسانية سامية، تسعى إلى الارتقاء بالأذواق وإلى التعبير عن مغرب منفتح على كل الثقافات والحضارات ومؤمن بمبادئ التسامح والحوار بين مختلف الشعوب. كما انفتحت هذه الدورة على أنماط موسيقية جديدة، فسلطان الآلات عُزِف منفردا ومصاحَبا بالقيثارة، بالكمان، بآلات الإيقاع، بالبيان، بالناي وبالقانون وبغيرها من الآلات الموسيقية، ليثمر مجموعة مختلفة من التوليفات الموسيقية الجميلة. واعترافا منها وتقديرا لقيمة المبدعين المغاربة الذين ساهموا بقسط وافر في إثراء المشهد الفني الوطني، كرّمت وزارة الثقافة في هذه الدورة الفنان الأصيل والمبدع الأستاذ محمد بلخياط، الذي ساهم بعطاءاته الإبداعية والبيداغوجية في إغناء وإثراء الخزانة الموسيقية المغربية. وتعميقا لأواصر الصداقة والتعاون القائمة بين المغرب ومجموعة من الدول الصديقة واعتبارا للمكانة المتميزة التي تحظى بها آلة العود في الوسط الفني التركي، احتفت وزارة الثقافة في الدورة الرابعة عشرة بتركيا كضيف شرف، بمشاركة ثلة من أمهر العازفين الأتراك. كما شارك، إلى جانب العازفين المغاربة، ثلة من الفنانين المتميزين من تركيا، لبنان، العراق، فرنسا وساحل العاج، تناوبوا خلال ثلاثة أيام على خشبة «مسرح إسبنيول» التاريخي في مدينة تطوان العريقة.