في تجربة تؤذن بمرحلةجديدة من مسارها الفني الناجح، طرقت المطربة المغربية كريمة الصقلي باب العالم الشعري لأيقونة القصيدة العربية الحديثة، محمود درويش، بتزكية من وريثها الفني الشرعي الفنان اللبناني مارسيل خليفة. وصنعت الفنانة الصقلي المفاجأة السارة في الحفل التكريمي الذي أحياه مارسيل خليفة, تحية منموسم أصيلة الثقافي لذكرى الشاعر الراحل, وهي تتألق على ركح مكتبة بندر بن سلطان لتؤدي وصلة من غنائية بعنوان يطير الحمام، الرائعة الغنائية المطولة لمحمود درويش. وأضفت هذه الفنانة، التي انتزعت قبل سنوات شهادة اعتراف عربية بقيمتها كواحدة من سفيرات الفن العربي الراقي وحراس قوالبه ونصوصه التراثية التليدة، لمسة أنثوية حانية ورهافة حسية نادرة على قطعة تعد من عيون قصائد درويش وأنضج ما أبدعه في شعر الحب. وكانت الدهشة السعيدة عنوان تفاعل زوار أصيلة من نخبة المبدعين والمفكرين والفنانين مع صوت كريمة التي أخرجت مارسيل، وقد استغرق في التخوم البعيدة لأدائها مسندا جبينه إلى ظهر عوده، من تحفظه المعتاد، ليبعث إليها ببسمة تشع رضا وانبهارا، مبادرا إياها بقوله «شكرا كريمة». وكما أكدت ذلك الفنانة المغربية، لوكالة المغرب العربي للأنباء، فإن ظهورها إلى جانب مارسيل لن يكون بارقة عابرة، بل هو تكريس لمشروع ممتد يفتح آفاق واسعة لتعاون مثمر بين فنانين يرفعان راية الدفاع عن القيم الجمالية ضد موجة الاستسهال والسطحية. وهي لم تخف، في تصريح عقب الحفل، سعادتها بولوج عالم مارسيل خليفة المفتوح، واعدة جمهورها بصدور تسجيل «يطير الحمام» مجملا بمقاطع من أداء الصقلي، علما أن الأمر يتعلق بغنائية مطولة من عدة مقاطع. وأشارت كريمة، التي سبق أن خاضت تجربة الدويتو مع فنانين كبار كالتونسي لطفي بوشناق وجاب صيتها عواصم الموسيقى العربية الأصيلة، إلى أن تجربتها مع مارسيل لا تعني دخول منطقة مغلقة تحت شعار الالتزام، بل تنسجم مع سعيها الدائب إلى تقديم كل مذاهب الفن النقي والراقي، مهما تنوعت أغراضه. أما مارسيل خليفة، فقد اعترف بأنه تأخر ثلاثين عاما عن موعده مع أصيلة، «تأخرت، لكنها قد وصلت»، فكان أن انتقى نخبة من أشهر أغانيه المختارة من جنان قصيد درويش، ليوقد في المكان شموع الحنين والحب والقضية. وفضلا عن مقاطع من «يطير الحمام» أدى مارسيل خليفة، الذي كان مرفوقا بنجله الموهوب على البيانو رامي خليفة، وعازف الكونترباس ألبيرت إيربيت، أغاني عكست تنوعوخصوبة التجربة الشعرية لمحمود درويش مثل «الآن في المنفى»، «ريتا» «أحن إلى خبز أمي» و«جواز السفر». وجريا على عادته، حرص مارسيل، الذي داعب جمهوره بأسرار صغيرة عن ظروف اختيار قصائد درويش باتفاق مع الشاعر الراحل، على أداء بعض قطعه المعروفة بنفس تجريبي مجدد، يفسح المجال للارتجال الموسيقي الخلاق الذي يجعل تجربة مارسيل مشروعا منفتحا دائم الشباب.