عزيزي المواطن المصري، لا شك أنك تعيش الآن حالة لم تعرفها من قبل.. لأول مرة ستشارك في انتخابات رئاسية بغير أن تعرف مسبقا من هو الرئيس القادم.. هذه الخطوة العظيمة في تاريخ مصر يرجع الفضل فيها -بعد الله- إلى الثورة وحدها.. أصحاب الفضل علينا هم 20 مليون مصري خرجوا إلى الشوارع وواجهوا الرصاص بصدورهم وقدموا آلاف الشهداء والمصابين حتى يتحول المصريون من رعايا أذلاء إلى مواطنين أصحاب سيادة يقررون مصير بلادهم. نحن نعيش لحظة تاريخية عظيمة بلا شك، لكن السؤال هو: هل هذه الانتخابات عادلة فعلا..؟ لقد ظهرت، للأسف، بوادر لتزوير الانتخابات أثناء تصويت المصريين في الخارج. فقد نشرت جريدة «الوطن» صورتين لبعض الناخبين المصريين في السعودية وهم يعبثون في صناديق الاقتراع، بل إن المستشار بجاتو، عضو اللجنة العليا للانتخابات، قد أعلن بنفسه أن أكثر من ستين مواطنا مصريا يقيمون في الخارج ذهبوا للإدلاء بأصواتهم فوجدوا أنه تم التصويت باستعمال أسمائهم. وقد اكتشف مواطنون عديدون داخل مصر أن أسماء أقاربهم المتوفين لازالت مدرجة في كشوف الانتخاب، ولعل أشهرهم السيدة زهرة سعيد التي اكتشفت أن اسم أخيها خالد سعيد (شهيد الإسكندرية الشهير ورمز الثورة) لازال مقيدا في كشوف الانتخاب. الغريب أن أحدا لم يفتح تحقيقا في كل هذه الوقائع.. على أننا سنسقط من حسابنا كل هذه الدلائل المزعجة وسنفترض أن الانتخابات ستتم بدون تزوير. السؤال: هل هذه الانتخابات عادلة..؟! إن التصويت ليس إلا خطوة واحدة في مسار العملية الانتخابية. وبالتالي، قد تكون الانتخابات غير مزورة، لكنها في نفس الوقت غير عادلة وغير ديمقراطية . ثمة قواعد مستقرة في العالم كله تجعل من الانتخابات ديمقراطية، وقد قام المجلس العسكري واللجنة العليا للانتخابات بمخالفات جسيمة للقواعد الديمقراطية، تتلخص في ما يلي : أولا، انعدام الشفافية: من أبسط قواعد الديمقراطية أن يعرف الناخبون كل شيء عن ثروات المرشحين للرئاسة وعن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية.. على أن المرشحين الاثنين اللذين ينتميان إلى نظام مبارك (أحمد شفيق وعمرو موسى) قد رفضا بوضوح أن يعلنا عن حجم ثروتيهما ..هذا الرفض كان كفيلا باستبعادهما من الترشح في أي نظام ديمقراطي. وبالنسبة إلى مصادر التمويل، فقد وضع القانون حدا أقصى للإنفاق على الحملات الانتخابية وألزم المرشح الرئاسي بالكشف عن مصادر تمويله. لكن هذا القانون لم تنفذه اللجنة العليا للانتخابات، وأصبحت شوارع مصر مليئة بدعايات انتخابية تكلف عشرات الملايين من الجنيهات بغير أن يعرف المواطنون مصدر هذه الأموال.. يكفي أن نعرف أن اللافتات الكبيرة التي تحمل صورة أحمد شفيق وتنتشر فوق الكباري وفي ميادين مصر كلها يبلغ إيجار اللافتة الواحدة منها 100 ألف جنيه شهريا.. من أعطى شفيق هذه الملايين لينفقها في دعايته الانتخابية وإذا كان شفيق ينفق من ماله، فكيف امتلك هذه الثروة وقد كان (سواء أثناء خدمته العسكرية أو المدنية) موظفا حكوميا له مرتب محدد معروف؟ نفس السؤال يوجه إلى مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي الذي ينفق ملايين الجنيهات في الدعاية بغير أن يعرف أحد مصدرها بل إننا لا نعرف شيئا عن مصادر تمويل جماعة الإخوان المسلمين نفسها ولا تخضع ميزانيتها حتى الآن إلى أية رقابة من أي نوع. هذا التعتيم المريب على مصادر تمويل المرشحين وثرواتهم الشخصية يخالف أبسط القواعد الديمقراطية ويجعل هذه الانتخابات غير شفافة وغير عادلة. ثانيا، انعدام سيادة القانون: بعد أن تم خلع مبارك، شكل المجلس العسكري لجنة لإجراء تعديلات على دستور 71 برئاسة طارق البشري (المنتمى إلى الإخوان المسلمين)، وقد صنعت اللجنة ما طلب إليها فأوقعت مصر كلها في ورطة كبرى، إذ نصت في التعديلات على المادة 28 التي تمنع الطعن على قرارات اللجنة العليا الانتخابات والتي وصفتها محكمة القضاء الإداري بكونها معيبة ومن تراث الاستبداد. أثناء الاستفتاء على التعديلات، قام الإخوان والسلفيون بحشد البسطاء للموافقة على التعديلات (إرضاء للمجلس العسكري) وحولوا التصويت إلى معركة دينية بين المسلمين والكفار انتهت بإقرار المادة 28، هذه الحصانة الغريبة التي تتمتع بها اللجنة العليا للانتخابات مخالفة للعرف والقانون، بل وللإعلان الدستوري نفسه الذي يمنع تحصين القرارات الإدارية.. ولقد رأينا كيف تجاهلت اللجنة العليا عدد 35 بلاغا بإهدار المال العام تم تقديمها منذ عام كامل ضد أحمد شفيق، لكن النائب العام أرسلها إلى القضاء العسكري الذي أعلن بعد ذلك أنه لم يتلق أية بلاغات ضد شفيق، وعندما أعلن الأستاذ عصام سلطان في مجلس الشعب عن أحد هذه البلاغات تم إرسال البلاغ إلى إدارة الكسب غير المشروع ليضيع في دهاليزها.. هل يمكن في أي بلد ديمقراطي أن تقدم بلاغات موثقة بالفساد وإهدار المال العام ضد مرشح للرئاسة فلا يؤثر ذلك على موقفه القانوني؟! والأعجب من ذلك ما فعلته اللجنة عندما أجاز مجلس الشعب (السلطة التشريعية) قانون العزل السياسي، وبدلا من أن تطبق اللجنة العليا القانون كما يقضى بذلك واجبها وتستبعد أحمد شفيق من الترشح، فوجئنا بها تتحول من لجنة إدارية إلى لجنة قضائية وترفض تطبيق القانون وتحيله على المحكمة الدستورية العليا... وهكذا، بينما يتم تحويل آلاف المدنيين إلى المحاكم العسكرية ويتم تلفيق القضايا لشباب الثورة ويحكم عليهم بالسجن يتم التغاضي عن عشرات البلاغات المقدمة ضد شفيق لأنه يتمتع بدعم المجلس العسكري. أضف إلى ذلك القانون الذي يمنع استعمال دور العبادة في الدعاية السياسية بينما عدد كبير من خطباء المساجد يحثون في خطبهم المصلين على انتخاب مرشح الإخوان والقانون الذي يمنع شراء الأصوات بينما الإخوان ينتشرون في الشوارع ليوزعوا الزيت والسكر مجانا على الفقراء مقابل الحصول على أصواتهم، فلا يطبق أحد القانون عليهم أبدا. إن غياب سيادة القانون يجعل الانتخابات غير عادلة قبل أن تبدأ. ثالثا، انعدام تكافؤ الفرص: تم إهدار مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين بالكامل. إن علاقة المرشح بالمجلس العسكري سوف تحدد موقف الدولة منه، فالنظام القائم لا يعامل أحمد شفيق مثلما يعامل مرشحي الثورة، بل إنه لا يعامل مؤيدي شفيق مثلما يعامل معارضيه، وسوف أذكر واقعة واحدة كمثال: لقد قام أحمد شفيق بحملات انتخابية في الصعيد، فتم حصاره أكثر من مرة من طرف شباب الثورة لأنه رجلُ مبارك، وهم يعتبرون مجرد ترشيحه مخالفة للقانون وخيانة لدماء الشهداء. في كل مرة حاصر فيها المتظاهرون شفيق في الصعيد، انقض عليهم أفراد الأمن والشرطة العسكرية فورا من أجل تأمين خروج شفيق لأنه تلميذ مبارك وصديق لواءات المجلس العسكري. بالمقابل، عندما عقد العاملون في الطيران المدني مؤتمرا صحفيا في نقابة الصحفيين من أجل كشف التجاوزات المالية الخطيرة التي ارتكبها أحمد شفيق أثناء توليه الوزارة.. ظهرت فجأة مجموعات من البلطجية التابعين لشفيق فاقتحموا النقابة وضربوا الحاضرين جميعا ومنعوا عقد المؤتمر بالقوة.. هذا الاعتداء الهمجي على نقابة الصحفيين حدث أمام أعين أفراد الشرطة المدنية والعسكرية ولم يتدخلوا لمنع الاعتداء لأنه يصب في مصلحة شفيق ويمنع فضح تجاوزاته أمام الرأي العام. بالرغم من العبارات الطنانة التي يطلقها المجلس العسكري عن العدالة والديمقراطية، فإن المعاملة القانونية والأمنية لمرشحي الرئاسة تتغير وفقا لعلاقتهم بالمجلس العسكري، مما يبدد مبدأ تكافؤ الفرص ويجعل الانتخابات غير ديمقراطية. رابعا، منع المصريين في الخارج من التصويت: يقدر عدد المصريين بالخارج بنحو 9 ملايين مصري، وقد خاض هؤلاء نضالا مريرا من أجل الحصول على حقهم الدستوري في التصويت في انتخابات بلادهم. لم يكن نظام مبارك يريد إعطاءهم حق التصويت لأن عددهم كبير وهم يعيشون خارج سيطرة النظام، مما يجعلهم عاملا مؤثرا في نتيجة الانتخابات. بعد خلع مبارك، استمر المجلس العسكري في منع المصريين في الخارج من التصويت حتى صدر حكم نهائي بإعطائهم حق التصويتّ.. هنا لجأ مستشارو المجلس العسكري (الذين كانوا أنفسهم مستشارين لمبارك) إلى حيلة بيروقراطية لتفريغ الحكم القضائي من مضمونه، فقصروا حق التصويت على المصريين الذين يحملون الرقم القومي، مع أن جواز السفر يكفي لإثبات شخصية الناخب كما يحدث في العالم كله.. هذا الشرط منع معظم المصريين في الخارج من ممارسة حقهم، فلم يتم تسجيل سوى 600 ألف ناخب فقط من المقيمين في الخارج.. لا يمكن أن تكون الانتخابات معبرة عن إرادة الشعب بعد أن تم حرمان أكثر من 8 ملايين مواطن من حقهم في التصويت لأن هذه الكتلة التصويتية الهائلة كفيلة بتغيير النتيجة في أية انتخابات.. إن انتخابات الرئاسة التي تبدأ غدا أبعد ما تكون عن الانتخابات العادلة، فقد وضع قواعدها المجلس العسكري ليصل بها إلى النتائج التي يريدها. إنها ليست انتخابات ديمقراطية وإنما هي معركة فاصلة بين الثورة المصرية ونظام مبارك .. إن نظام مبارك (الذي حماه المجلس العسكري وحافظ عليه) اصطنع أزمات عديدة من انفلات أمني وحرائق ونقص للوقود والمواد الغذائية.. كل ذلك من أجل إنهاك المصريين وترويعهم استعدادا للحظة معينة يتم الدفع فيها بمرشح مبارك باعتباره المنقذ الذي سيعيد الأمن ويضع الحلول للأزمات جميعا... إن نظام مبارك يحارب باستماتة ليضع أحمد شفيق في منصب الرئاسة لتعود مصالح الطفيليين واللصوص ويجهض شفيق الثورة وينكل بالثوار كما أعلن ذلك بنفسه.. بالمقابل، فإن الثورة تريد أن تدفع برئيس ثوري يحقق التغيير الحقيقي الذي عطله المجلس العسكري على مدى أكثر من عام.. هذه معركة بين المستقبل والماضي. يجب أن تخوض الثورة هذه المعركة بكل قوتها من أجل منع التزوير وإنجاح مرشح ينتمي إلى الثورة.. أنا أدعم المناضل حمدين صباحي وأعتبره أقدر المرشحين على تنفيذ أهداف الثورة، لكن المعركة لا يجب أبدا أن تكون بين مرشح ثوري وآخر وإنما بين مرشحي الثورة ومرشحي مبارك.. بين الثورة، التي تريد أن تبني مصر الديمقراطية وتعيد إلى الإنسان المصري حقوقه وكرامته، ونظام مبارك، الذي يريد أن يعيد مصر إلى الوراء ويعيد إنتاج الفساد والاستبداد والقمع. الثورة مستمرة وسوف تنتصر بإذن الله وتحقق لمصر المستقبل الذي تستحقه... الديمقراطية هي الحل.