ذهب أحد اليهود المتدينين إلى الحاخام وقال له: يا سيدي، لم أعد أستطيع أن أتحمل حياتي. رزقي قليل، وبيتي ضيق أنحشر فيه مع زوجتي وأربعة عيال.. هل أجد عند الله حلا لهذا البؤس؟! طلب منه الحاخام أن يمهله 24 ساعة، وفي اليوم التالي عاد اليهودي المتدين إلى الحاخام فرأى بجواره خنزيرا. وقبل أن يسأل بادره الحاخام قائلا: - إن الله يطلب منك أن تأخذ هذا الخنزير وتجعله يقيم معك في بيتك مع زوجتك وأولادك. كانت الفكرة غريبة، لكن اليهودي المتدين كان يثق في الحاخام، فأخذ الخنزير إلى بيته وعاد بعد أسبوع يشكو إلى الحاخام قائلا: - إن الخنزير رائحته لا تطاق، وهو يتحرك باستمرار في أنحاء البيت ويتبرز في كل مكان، أرجوك يا سيدي خلصني من الخنزير. ابتسم الحاخام وقال: - يجب أن تحتفظ بالخنزير حتى يأذن لك الله بالتخلص منه. في الأسبوع التالي، جاء اليهودي المتدين وقد بدا عليه الإرهاق الشديد، وما إن سأله الحاخام حتى أجهش بالبكاء وقال: - ارحمني أيها الحاخام.. إنني أكاد أجن من هذا الخنزير. لقد امتلأ بيتنا بالبراز وتحطم الأثاث وصرنا عاجزين عن النوم.. أرجوك أنقذني. نظر إليه الحاخام وابتسم وقال: - الآن.. اذهب وتخلص من الخنزير. في الأسبوع التالي، لما سأل الحاخام الرجل عن أحواله ضحك وقال: - الحمد لله يا سيدي.. صحيح أننا فقراء للغاية ونعيش محشورين في بيت ضيق، لكننا الآن في منتهى السعادة لأننا تخلصنا من الخنزير اللعين. هذه حكاية من التراث القديم تحمل فكرة مهمة.. إذا اعترض الإنسان على وضعه السيئ، فإن إجباره على الحياة في وضع أسوأ سوف يؤدي في النهاية إلى القضاء على مقاومته وإجباره على تحمل الظلم. هذا هو الأسلوب الذي اتبعه المجلس العسكري معنا.. بعد أن تم خلع «مبارك» عن الحكم، تسلم المجلس العسكري السلطة ووعد بإعداد البلاد للمرحلة الديمقراطية، لكننا نفهم الآن بوضوح ما الذي فعله المجلس العسكري بنا.. فقد حافظ على نظام «مبارك» وفي الوقت نفسه انهالت على المصريين أزمات رهيبة كلها مصطنعة: انفلات أمني، وفوضى شاملة، وأزمات في مواد الغذاء والوقود.. كل ذلك فعله المجلس العسكري عمدا من أجل إعداد المصريين لما يحدث الآن.. بعد أن تصل معاناة المصريين إلى ذروتها يعاد طرح نظام «مبارك» عليهم من جديد في صورة ترشيح عمر سليمان، رئيس مخابرات «مبارك» المسؤول معه عن كل الجرائم التي ارتكبها.. المجلس العسكرى يتوقع من المصريين أن يتصرفوا مثل اليهودي المتدين في الحكاية.. أن يفرحوا بعمر سليمان، لأنه الوحيد القادر على حل الأزمات التي صنعها المجلس العسكري نفسه.. عندئذ يستعيدون الأمن وينسون ثورتهم على نظام «مبارك» ويدخلون كالقطيع في طاعة عمر سليمان ولواءات المجلس العسكري.. إن المجلس العسكري يدفع بعمر سليمان إلى السلطة عبر انتخابات رئاسية غير ديمقراطية وغير عادلة، وهي انتخابات باطلة قبل أن تبدأ للأسباب التالية: أولا، انعدام الشفافية: في أي ديمقراطية حقيقية، لا بد أن يعلن المرشح للرئاسة عن مصدر تمويل حملته الانتخابية، لكن المجلس العسكري يتجاهل هذه القاعدة تماما.. هناك مرشحون ينفقون ملايين الجنيهات شهريا ولا يسألهم أحد من أين لهم هذه الثروات.. من الذي يدفع إيجار مئات الأتوبيسات المكيفة التي تنقل أنصار المرشحين إلى كل مكان؟! لقد عرفت أن اللافتة الانتخابية الثابتة الواحدة يتراوح إيجارها الشهري بين 10 آلاف جنيه للحجم الصغير و200 ألف جنيه للافتة الكبيرة في موقع مميز.. بعض المرشحين لديهم آلاف اللافتات الدعائية في كل المدن المصرية.. من حق المصريين أن يعرفوا من يمول هؤلاء المرشحين؟! وما صحة ما ينشر عن أن بعض الدول العربية تتولى دعم بعض المرشحين ماليا؟!. هل يجوز أن تحدد دولة أخرى (حتى لو كانت عربية) من يكون رئيس الجمهورية في مصر؟.. السيد عمر سليمان صديق حميم لإسرائيل، ولطالما تمنى المسؤولون الإسرائيليون، علنا، أن يحكم «سليمان» مصر خلفا لمبارك «صديق إسرائيل المخلص»، وفي الوقت نفسه فإن «سليمان» مدعوم أيضا من ملك السعودية، الذي أرسل إليه طائرته الخاصة واستضافه لإجراء مباحثات معه، بالرغم من أنه لم يعد يشغل أي منصب رسمي. ثانيا، تطبيق القانون بشكل انتقائي: القانون يتم تطبيقه على بعض المرشحين للرئاسة، بينما يتم إعفاء مرشحين آخرين من أي ملاحقة قانونية مهما فعلوا. وزارة الخارجية المصرية بذلت مجهودا مضنيا من أجل الحصول على جواز السفر الأمريكي الذي كانت تحمله والدة المرشح حازم أبوإسماعيل، وبالتالي سوف يتم حرمانه من الترشح طبقا للقانون.. في الوقت نفسه فإن أحدا في مصر لا يجرؤ، في ما يبدو، على الاقتراب من أحمد شفيق، «رئيس وزراء مبارك»، الذي تم تقديم 35 بلاغا ضده بتهمة التربح وإهدار المال العام.. ما حدث في البلاغات المقدمة ضد «شفيق» يعتبر سابقة قانونية لم تحدث في مصر من قبل.. فقد تم تقديم هذه البلاغات إلى النائب العام منذ عام كامل، ولم يتم التحقيق مع شفيق حتى الآن! الغريب أن مكتب النائب العام يؤكد أن البلاغات ضد «شفيق» قد تم تحويلها على القضاء العسكري، بينما يؤكد رئيس القضاء العسكري أنه لا توجد لديه أي بلاغات ضد «شفيق».. أي أن البلاغات ضد أحمد شفيق ربما ضاعت وهي في طريقها من مكتب النائب العام إلى مبنى القضاء العسكري. أما السيد عمر سليمان فهو مسؤول مع حسني مبارك عن كل الجرائم التي يحاكم بسببها، بالإضافة إلى مسؤوليته الكاملة عن تصدير الغاز إلى إسرائيل بأسعار منخفضة أضاعت على مصر حقها في مليارات الدولارات، وهو المسؤول الأول عن حصار غزة الذي استشهد بسببه عشرات الفلسطينيين، وهو المسؤول أيضا عن جرائم تعذيب معتقلين نشرت الصحف العالمية أنه تم إرسالهم من الولاياتالمتحدة إلى مصر بغرض تعذيبهم وانتزاع اعترافات منهم وإعادتهم إلى الولاياتالمتحدة.. عمر سليمان الذي حاول إجهاض الثورة المصرية وكاد يجهش بالبكاء وهو يعلن تنحي أستاذه «مبارك» عن الحكم، والذي أعلن أن المصريين في رأيه شعب متخلف لا يستحق الديمقراطية.. عمر سليمان كان يجب أن يحاكم، وفقا لقانون الغدر، ويعزل سياسيا، لكن المجلس العسكري ظل يحميه حتى يدفع به في اللحظة المناسبة إلى السلطة ليعيد نظام «مبارك» ويقضي على الثورة. ثالثا، تدخل جهاز الدولة لصالح مرشح المجلس العسكري: أثناء عمل توكيلات لمرشحي الرئاسة، تم حشد الموظفين في أكثر من هيئة حكومية من أجل توكيلات أحمد شفيق وعمر سليمان، بل إن موظفي الشهر العقاري، بناء على تعليمات، كانوا يسهلون كتابة التوكيلات لأحمد شفيق ويضعون العراقيل أمام توكيلات مرشحي الثورة.. إن جهاز الدولة المصرية الفاسد، الذي حافظ عليه المجلس العسكري، سيتدخل بكل ثقله من أجل إنجاح عمر سليمان بالطرق القديمة، مثل التصويت الجماعي للموظفين وشراء الأصوات في المناطق الريفية والفقيرة. يكفى أن نتأمل مشهد عمر سليمان وهو يتقدم بأوراق ترشحه بينما مجموعة من كبار ضباط الشرطة المدنية والعسكرية يحيطون به من كل جانب ليحرسوه.. ضباط الشرطة الذين تركوا مصر كلها فريسة لانفلات أمني رهيب على مدى أكثر من عام، وضباط الشرطة العسكرية الذين قتلوا المتظاهرين وسحلوا بنات مصر وهتكوا أعراضهن.. هؤلاء الضباط يجتمعون اليوم لتوفير الحراسة الكاملة للسيد عمر سليمان، نائب حسني مبارك، احتراما وتبجيلا منهم ل«مبارك» ونائبه. رابعا، استعمال دور العبادة فى الدعاية السياسية: بالمخالفة للقانون تحول معظم خطباء المساجد في كل أنحاء مصر إلى ممارسة الدعاية السياسية. حدث ذلك في الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، وحدث في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وسوف يحدث بالقطع في انتخابات الرئاسة.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن نظام «مبارك» لا يزال موجودا بتشكيله القديم نفسه الذي يجعل معظم الخطباء خاضعين لضباط أمن الدولة فإن المساجد لن تستعمل هذه المرة في صالح مرشحي الإسلام السياسي وإنما لصالح عمر سليمان، الذي سوف يستعمل المجلس العسكري كل الوسائل المتاحة من أجل إنجاحه. خامسا، لجنة عليا للانتخابات قراراتها محصنة: على طريقة حسني مبارك، تم تشكيل لجنة عليا للإشراف على الانتخابات، قراراتها محصنة ضد الطعن.. أي واقعة تزوير، مهما كانت واضحة وفجة وموثقة، إذا لم تعترف بها اللجنة العليا فسوف يتم التغاضي عنها.. المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن قرارات اللجنة العليا تتعارض مع المنطق والقانون، بل تتعارض مع الإعلان الدستوري ذاته الذي يؤكد في المادة 21 منه أنه لا يجوز تحصين أي قرار إداري ضد الطعن.. هذه المادة تم نقلها من الدستور القديم وفقا لرغبة المجلس العسكري وموافقة الإخوان، حتى يتمكن المجلس العسكري من وضع عمر سليمان في منصب الرئيس، فلا يجوز لنا الطعن على التزوير. كل هذه العيوب القانونية الفاحشة تضعنا وجها لوجه أمام حقيقة أن الانتخابات الرئاسية ليست عادلة ولا نزيهة، بل هي مسرحية تم إعدادها بين العسكر والإخوان للوصول إلى نتيجة محددة. وهي مثل أي مسرحية فيها ممثلون رئيسيون وممثلون ثانويون «كومبارس».. لواءات المجلس العسكري والإخوان المسلمون هم أبطال المسرحية لأنهم حلفاء عقدوا بينهم اتفاقا سريا وترتيبات لا نعرف عنها -نحن المتفرجين- شيئا.. أما الكومبارس فهم المرشحون المستقلون «سواء من التيار الإسلامي أو الليبرالي أو اليساري»، هؤلاء جميعا شخصيات وطنية عظيمة، ينتمون إلى الثورة ومعظمهم يصلح لمنصب الرئيس، لكنهم حتى الآن لم ينتبهوا إلى أنهم يؤدون أدوارا ثانوية في مسرحية نهايتها محددة سلفا. إنهم، للأسف، أشبه بالكومبارس الذي يظهر على المسرح ليشعل السيجارة للبطل أو يخبره بأن البطلة في انتظاره، ثم يختفي بعد ذلك إلى الأبد.. يجب أن يدرك مرشحو الثورة أنهم لا يخوضون انتخابات وإنما معركة شرسة يحاول فيها المجلس العسكري أن يعيد حسني مبارك إلى الحكم في صورة نائبه عمر سليمان. أتمنى أن يتوحد مرشحو الثورة خلف اسم واحد نصطف خلفه جميعا لنخوض معركة أثق في أنها سوف تطلق حتما -بإذن الله- الموجة الثانية من الثورة التي سوف تحرر مصر من نظام «مبارك» لتبدأ المستقبل. الديمقراطية هي الحل.