احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، يوم السبت الماضي بالرباط، ندوة علمية تحت عنوان «سؤال الحوار في الراهن الإسلامي نحو معالجة نبوية ترشيدية»، من تنظيم «مركز خديجة رضي الله عنها»، شارك فيها عدد من الباحثين. واعتبرت مديرة المركز، الدكتورة خديجة بوعمري، خلال كلمة الافتتاح، أن قيمة التواصل تعد بمثابة بعد حضاري وإنساني، كان النموذج النبوي مثالا كاملا في تمثيله وتفعيل قيمه، مضيفة أن استحضاره اليوم ضرورة ملحة في عالم أصبح الاختلاف وكيفية تدبيره من قضاياه الكبرى. وفي مداخلته التي جاءت تحت عنوان «مفهوم الحوار وأبعاده في الإسلام»، تطرق الباحث حمزة الكتاني إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفهومي «الحوار» و»الجدال»، مستدلا من خلال الشاهد التاريخي، على أساليب تواصل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أولا مع أهل بيته، ومع الصحابة والتابعين، ثم مع باقي أهل الملل والنحل، مبدأه المعتمد: لين الجانب والاستماع للحجة قبل إبداء الحجة. أما الباحث والإعلامي عبد المجيد الوكيلي، فجاءت مداخلته تحت عنوان «سنة الحوار: من التأصيل إلى التنزيل»، واعتبر فيها أن طرح إشكالية الحوار في بعدها الديني والنبوي، هو في حد ذاته إحياء لقيمه، التي ارتكزت بالأساس على قبول الآخر في اختلافه، وهي مسألة من الأهمية بمكان بالنسبة للواقع الراهن. إذ يعج العالم بتحولات عديدة ومتنوعة ، وهو مدعو إلى التقارب والتعايش، سواء كأفراد أو جماعات. ولعل أرقى وسائل تدبير «الاختلاف»، تلك التي تكون مسددة بالهدي النبوي، النموذج الكامل المقتدى به على جميع المستويات، فيبدأ التواصل بفهم الذات أولا، ثم داخل المحيط الأسري، ويعمم في المؤسسات التعليمية والتربوية ليصبح سلوكا وثقافة جماعية. وكان تدخل الباحث والإعلامي عبد المجيد الطريبق تحت عنوان «أسس الحوار في الهدي النبوي»، حيث اعتبر «الحوار» مبدأ كونيا عاشه آدم قبل نزوله الأرض وبعد أن نزل إليها، فهو مقتضى إنساني قائم، لذا عرفه بكونه: عملية تقديرية «للتعّرف» بشد الراء (على الآخر)، والتعريف (بالذات)، من خلال الفهم والإنصات أو السير المشترك كليا أو جزئيا نحو الأهداف. ولكي يتحقق هذا السير ويكون «الحوار» مثمرا لابد من تحديد الغايات والوسائل والابتعاد عن آفة التعميم. فالهدي النبوي في مسألة «الحوار» قام على أعلى مقام في الإسلام، وهو مقام «الإحسان»، الذي هو إحسان جامع للذات وللآخر، مهما كانت طبيعة جنسه أو عرقه، وللوجود كذلك، أي لكل الموجودات، فالغاية هي الإحسان ابتغاء مرضاة الله. وجاءت مداخلة سعدى ماء العينين تحت عنوان «شروط الحوار وتذليل عوائقه»، حيث ذكرت أن الرسالة المحمدية هي رسالة إلهية، تقوم بالتأكيد على قيم إنسانية سامية. لذا تمكنت من أن تتعايش مع كل الشعوب والحضارات التي احتضنتها، لمبدئها المحوري الذي ارتكزت عليه، وهو الخروج من محيط الأنا الضيق، إلى مجال يكون الآخر فيه في مرتبة الندية، بالإنصات إليه وتقبله. وذكرت أن نموذج «الحوار» في إطار العبودية، كما تجلى في القرآن الكريم نفسه، خير دليل، والذي قام على علاقة أفقية من الإله إلى العبد، ومن العبد إلى الإله. (حوار موسى نبي الله مع الخالق مثلا) ونموذج «الشورى» كما مثله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يظهر ذلك. أما الجلسة الثانية والتي تمحورت حول «معالم الشخصية المحمدية في الحوار»، فقد ترأسها الدكتور عبد الله الشريف الوزاني، وتضمنت ثلاث مداخلات. المداخلة الأولى للباحث محمد الروكي تحدث فيها عن «نباهة النبي صلى الله عليه وسلم وأثرها في الحوار» وعن اليقظة والفطنة التي كانت من شروط التبليغ، والتي كانت تستلزم: استيعاب مضمون الرسالة؛ القدرة على بيان محتوياتها، القدرة على مواجهة ومناقشة المخاطبين، والقدرة على تخليص الدعوة من العراقيل والمشاكل التي تواجهها. وتكلم عن الأركان التي قام عليها الحوار النبوي الراشد، حيث كان يتسم بالدليل والحجة والبرهان الملزم، والحوار بالتي هي أحسن، واستيعاب فكرة المحاوَر، واختيار الزمان والمكان المناسبين، والثقة بالنفس والإيمان بالفكرة، والدعوة إلى الحوار بغية الوصول إلى الحق، وأتى على كل ذلك بأمثلة من السنة النبوية الفعلية والقولية والتقريرية. أما المداخلة الثانية للباحث أنس لغبيسي، فجاءت تحت عنوان: «الرسول صلى الله عليه وسلم مجادلا ومحاورا»، حيث أعطى تعريفا للحوار والجدال ومدى التقريب بينهما، وأن اشتقاقات الجدل جاءت في القرآن في ست وعشرين مرة في موضع الذم، إلا ثلاثة مواطن، ثم بين بعد ذلك أن فن الحوار والتواصل النبوي مستلهم من وحي رباني، وأن التواضع هو الصفة التي كانت تجمع حوار وجدل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هديه صلى الله عليه وسلم في الحوار كان يقوم على: العلم، و تنويع أساليب الحوار، و حسن الاستفتاء في الحوار، و التكرار لتأكيد المعاني، ومخاطبة الوجدان، والتثبت أثناء الحوار. أما المداخلة الثالثة، والتي كانت للباحث عدنان زهار، فكانت بعنوان: «مظاهر الرفق في حوار النبي صلى الله عليه وسلم»، حيث تكلم عن الرفق وكونه مظهرا من مظاهر الدعوة إلى الخير، والرفق هو روح حياة الحوار، وأن كل حوار لا يتجمل بالرفق فهو حوار خَديج. والرفق هو الصفة التي كان يكتسي بها حوار النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي التأسي به. ثم عرض بعض مظاهر الرفق في حواره عليه الصلاة والسلام وهي: الاستماع، ومخاطبة الناس على قدر أحوالهم وعلى قدر ما يفهمون، ومعاملة المخاطَب على أنه جزء من الحق، والحكمة وهي ما يسمى بالسياسة والرزانة والكياسة، ثم المحاورة بالإكرام والإحسان. أما الجلسة الثالثة، فقد عقدت تحت رئاسة الدكتور محمد أمين الإسماعيلي، الذي أبرز في مداخلته مركزية أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها في الدعوة إلى الله إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، ماديا ومعنويا، بعد محنة نزول الوحي في غار حراء وتثبيت فؤاده وإشارتها عليه صلى الله عليه وسلم، بسؤال ورقة بن نوفل سؤال المعرفة وسؤال الحوار بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم، الذي كانت سمته الهدوء والإيجابية والاستماع للآخر والاستفادة منه ما أمكن. وكانت المداخلة الثانية للباحث عبد الرزاق الجاي تحت عنوان «خصائص الحوار النبوي مع أهل الكتاب»، حيث ركز على نقاط محددة: اللين والحلم، والرحمة في الحوار، وعدم الانتصار للنفس، مبرزا أوجه تناول هذا الموضوع من خلال: كون الحوار النبوي مطبوع بالأخلاق العالية، والاعتراف بالمخالف مع ثبوت التميز في الرؤية والطرح، ذاكرا جملة من نماذج حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب. وكانت المداخلة الأخيرة للباحث مولاي مصطفى الهند تحت عنوان «مجالات الحوار في الفكر الإسلامي»، وقد ركز على أن الحوار يستمد شرعيته من النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يعتبر أفضل المحاورين، من خلال تجليات الحوار الحضاري، مجسدا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد خرج المؤتمر بعدة توصيات دعا فيها إلى عقد المؤتمر الرابع للنصرة في السنة القادمة، وطبع المداخلات العلمية خلال الملتقى الثالث للنصرة، وخلق لجان ثقافية داخل المركز تعمل على تنزيل التوجيهات الصادرة عن الملتقى الثالث، ومد جسور التعاون مع مختلف المؤسسات العلمية والتربوية، التي تسعى إلى تحقيق غايات وأهداف المركز نفسها.