في إطار موسمه الثقافي لهذا العام وبمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة، نظم «مركز خديجة رضي الله عنها لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم» بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، السبت الماضي، يوما دراسيا تحت عنوان «الهجرة عنوان للمحبة»، شارك فيه ثلة من الباحثين الذين أسهموا في تبيان المظاهر الدينية والروحية والجمالية للهجرة، وأبرزوا القيم والدلالات التي ترمز إليها. وبعد افتتاح الدكتور محمد الروكي، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بالكلية، لهذا اليوم الدراسي أكدت الدكتورة كريمة بوعمري، رئيسة المركز، أهمية الاحتفال بالهجرة النبوية بالنسبة للمجتمع الإسلامي بحيث تبعث فيه قيم الولاء للإسلام وتجديد القيم والتركيز على العطاء المادي والروحي، بما يعكس التجاوب الذي ينبغي للمسلم أن يتحلى به مع نداء الهجرة النبوية الزاخر بالدروس والعبر الحضارية والدينية. ترأس الجلسة الأولى التي جاءت تحت عنوان «الهجرة النبوية إشارات وقائع ومحبون لوامع» الدكتور محمد بوطربوش وساهم فيها الباحث محمد الخيراوي بمحاضرة تحدث فيها عن الشروط التاريخية والسياق العام للهجرة النبوية الكريمة، مثيرا بعض ما تحتاجه هذه المحطة الأساسية في السيرة النبوية من قراءة استلهامية إيمانية تتجاوز السرد التاريخي ولا تقف عند المقاربة المنحصرة في رصد الوقائع والأحداث. بعد ذلك، ولأول مرة في أنشطة المركز وطلبا لتشجيع الشباب الباحث على الانخراط العملي في المشروع العلمي والحضاري الذي ينهض به، منح المركز فرصة المشاركة لمجموعة من الطلبة الباحثين الذين تناوبوا على التعريف بالمهاجرين والمهاجرات في زمن النبوة مستحضرين مواقفهم وتضحياتهم خلال هذه المحطة المفصلية من تاريخ الدعوة الإسلامية، وما يمثله الصحابة من نماذج باهرة في محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونصرة دعوته ورسالته، لتختتم هذه الجلسة بإلقاء الشاعر الواعد محمد بيجو قصيدة في مدح النبي عليه الصلاة والسلام. أما الجلسة الثانية، والتي ترأسها الدكتور الناجي الأمجد، فقد تدخل فيها كل من محمد براه وعدنان زهار، حيث تناول كل من زاويته محور «نفحات الإحسان من هجرة النبي العدنان». وتعرض الأستاذ محمد براه إلى بعض الإشارات التي ترمز إليها الهجرة النبوية على المستوى الروحي، وما تدل عليه من معاني السماحة والمحبة والفداء والصحبة الصادقة في الله وغيرها من القيم، بينما تناول الأستاذ عدنان زهار دلالات الاحتفال بالهجرة، وقال إن هذه الأخيرة رغم ما يظهر من كونها إخراجا للنبي صلى الله عليه وسلم من أرضه ووطنه، فإن من دلالاتها الحكمية أن البلاء مقدمة للفرج والفتح، وأن العطاء قد يتخذ صورة المنع، مما يجعل في طي البلية فضلا ورحمة يقتضيان الصبر والشكر والثناء، وتلك عادة الله في صفوة خلقه من أنبيائه وأوليائه، وقد تلت هذه الجلسة مناقشة غنية للعروض والمداخلات الصباحية. وبعد الظهيرة استأنف اليوم الدراسي أشغاله بجلسة شارك فيها الشيخ الدكتور محمد أمين السماعيلي، رئيس شعبة ماستر المذاهب العقدية في الديانات بالكلية وصاحب كرسي الإمام الأشعري، والدكتور عبد الرزاق الجاي والدكتور عبد الإله بن عرفة والأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل، فيما تولى رئاستها الدكتور عبد الله الشريف الوزاني، من أجل تقديم إصدار يعد أول عمل أكاديمي في بابه، وهو دراسة وتحقيق الدكتور محمد التهامي الحراق لكتاب «فتح الأنوار في بيان ما يعين على مدح النبي المختار» لمؤلفه الشيخ محمد بن العربي الدلائي الرباطي (ت 1285ه/1269م)، وخلال هذا التقديم نوه كل المتدخلين بهذا العمل وبصاحبه، مبرزين ألمع ما يتميز به هذا الكتاب على المستوى المنهجي، ومجلين أبرز ما انتهى إليه من نتائج وفتحه من آفاق. وقد تخللت هذه الجلسة نماذج إنشادية سماعية قدمتها «مجموعة الذاكرين» مثلت بها لما أسهم به الشيخ الدلائي- مؤلف الرسالة- من أعمال فنية وروحية خالدة في باب السماع المغربي الأصيل.