يكتب الأمريكيون غدا فصلا جديدا في تاريخهم عندما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع للتصويت على الرئيس الجديد الذي سيقود البلاد في السنوات الأربع القادمة. وبينما يضع الديمقراطيون اللمسات الأخيرة على حفلة فوزهم في هذه الانتخابات، يواصل الجمهوريين حملتهم الدعائية بهمة ونشاط ويصلون من أجل وقوع معجزة ما. مساء غد الثلاثاء ستحبس أمريكا أنفاسها عندما يتوجه أكثر من 130 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع من أجل اختيار رئيس جديد للبلاد. الديمقراطيون يستعدون فعلا للاحتفال بفوزهم في هذه الانتخابات التاريخية، حتى إن اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وضعت اللمسات الأخيرة على مراسيم الاحتفال الباذخ الذي ستحتضنه مدينة شيكاغو (ولاية إلينوي) وسيتكلف مليونا دولار. الديمقراطيون يشعرون بأن القدر هذه المرة لن يعاندهم كما فعل في انتخابات 2000 عندما سرق جورج بوش الابن فرحتهم بسبب حفنة من أصوات ولاية فلوريدا ونتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم باراك أوباما على غريمه الجمهوري جون ماكين بأكثر من ست نقاط على المستوى الوطني، إلا أن الديمقراطيين يقولون إن الأمريكيين متعطشون للتغيير هذه المرة بعدما تسبب الجمهوريون في انهيار وول ستريت وإضعاف الاقتصاد وشن حربين فاشلتين وتدمير صورة الولاياتالمتحدة في الخارج وتخويف الأمريكيين في الداخل بفزاعة الإرهاب... إلا أن هذه الثقة الكبيرة في الفوز بانتخابات الغد دفعت بعض كبار المؤيدين للحزب الديمقراطي إلى والتحذير من الثقة المبالغ فيها والتطيّر من نتائج استطلاعات الرأي. وفي هذا الصدد كتب المخرج السينمائي المشاكس مايكل مور قائلا: «الديمقراطيون خبراء مَهَرة في خسارة الانتخابات منذ عجزوا عن تلقف الفوز من يدي ريتشارد نيكسون الذي يعد أكثر الرؤساء المكروهين في التاريخ الأمريكي، وصولا إلى فشل الديمقراطيين المخجل في الفوز على بوش الابن الذي يعد أكثر الساسة مقتا وكرها في العالم»! ويبدو أن أوباما ليس واثقا كأنصاره من دخوله الأكيد إلى البيت الأبيض بعد انتخابات الغد، ولهذا ركز جهوده في الأنفاس الأخيرة من الحملة الانتخابية على خطب ود سكان الولايات الحمراء (الجمهورية)، ولجأ إلى خطاب عاطفي يدغدغ مشاعر المحافظين من الأمريكيين ويعزف على لحن الاستثناء الأمريكي، حيث قال في خطبة انتخابية بولاية أوهايو التي تعد حاسمة في هذا السباق الرئاسي: «أيها الأمريكيون، أنا أحتاجكم يوم الثلاثاء. أرجو ألا تشعروا بأننا قد فُزنا علينا أن نواصل العمل الاستثنائي الذي بدأناه في هذه الحملة، وأعدكم بأنني سأعمل كي يكون القرن الجديد قرنا أمريكيا بامتياز، وأن تبقى هذه الأمة استثنائية في كل شيء». أما الجمهوري جون ماكين والمرشحة لمنصب نائبته سارة بيلين، فقد ظهرا أكثر نشاطا من أي وقت سابق، ووزعا الأدوار في ما بينهما لإلقاء خطب حماسية في «الولايات المتأرجحة» التي منحت الفوز لجورج بوش الابن في انتخابات 2000 و2004. ويبدو أن جهودهما بدأت تؤتي أكلها في الساعات الأخيرة من عمر الحملة الانتخابية، حيث أشارت نتائج استطلاعات الرأي إلى نجاح ماكين في تقليص الفارق بينه وبين أوباما في بعض الولايات إلى 2 في المائة فقط. كما لجأت سارة بيلين إلى تحذير الأمريكيين من «انتخاب رجل مجهول ولا يملك الخبرة الكافية لقيادة البلاد، ويرغب في إعادة توزيع ثروات الأمريكيين، وكان صديقا لإرهابي شيوعي»، كما وعدت الأمريكيين بأنها ستعمل إلى جانب جون ماكين على «حماية قيم الأسرة الأمريكية وتحصين حدود البلاد وتعقب الإرهابيين وتصفيتهم حتى يتمكن الأمريكيون من قيادة العالم والاستمرار كأمة مباركة من قبل الرب». وغدا تنتهي الانتخابات التي سيتم عبرها التصويت على الرئيس ال44 للولايات المتحدة، وهي الانتخابات التي قد تسمح لأول مرة في تاريخ هذه البلاد لرجل أسود البشرة بدخول البيت الأبيض بعد عقود كان يُمنع فيها السود من ركوب الحافلات إلى جانب البيض أو الذهاب إلى مدارسهم أو حتى مشاركتهم الحي نفسه. كما قد تسمح هذه الانتخابات ولأول مرة أيضا لامرأة بالوقوف خطوة واحدة من كرسي الرئاسة بعد عقود من اعتبار المرأة مواطنة من الدرجة الثانية وهضم حقوقها، واستعبادها داخل معامل النسيج والحديد والصلب مقابل ربع الأجر الذي كان يتقاضاه الرجل.