حقق ديربي الدارالبيضاء بين الوداد والرجاء أضعف نسبة استقطاب جماهيري منذ ميلاده سنة 1957، فالجمهور الذي تابع مباراة الغريمين التقليديين لم يتجاوز عشرة آلاف متفرج، والباقون فضلوا متابعة المواجهة عبر التلفاز أو مقاطعتها خوفا على أرواحهم من مداهمة شغب يسكن المدرجات. للأمانة، فليس ديربي الدارالبيضاء هو الأكثر تضررا من العزوف الجماهيري، بل هناك ديربيات أخرى لا تمكن المسؤولين من تسديد مصاريف الأمن، العام والخاص، وواجبات الدروع البشرية الواقفة في مداخل الملاعب؛ بل إن فريق الفتح الرباطي، أبرز المرشحين لنيل لقب البطولة، يعاني من إعاقة رهيبة، حين يخوض مبارياته المحلية في الرباط أمام فئة قليلة من المتفرجين لا تتعدى العشرة، وهو العدد الذي يتقلص حين يخوض الفريق، الذي يرأسه رئيس الجامعة علي الفاسي الفهري، مبارياته خارج الرباط، بل إن اللاعبين أصبحوا يحفظون عن ظهر قلب أسماء المتفرجين فيبادلونهم التحية ويسألون عن أحوالهم أثناء سير المباريات ويعرفون مسببات غيابهم، كما أن بعض المعلقين الإذاعيين اقترح إضافة أسماء المتفرجين إلى لائحة اللاعبين لملء الفراغات الأثيرية. ووصل العزوف الرياضي حدا لا يقاوم حين حضر ندوة صحفية للفريق الرباطي ثلاثة صحفيين فقط، مما يجعل العزوف أمرا مكتوبا، ليس في مباريات الديربي بل في كثير من مباريات الكرة، الشيء الذي جعل العديد من الأندية تسرح محصلي التذاكر وتقرر إغلاق أكشاك بيعها أو تزيد في سعرها كي ينوب الحاضر عن الغائب في دعم مالية الفريق. انتشرت عدوى العزوف فشملت الكثير من القطاعات، تجاوزت أسوار الملاعب إلى الساحات العمومية، فقد تقلص المشاركون في حركة 20 فبراير إلى الأدنى، وأصبحت السلطات تكلف المقدمين والشيوخ وفرقة من الصقور بضبط الوقفات الاحتجاجية لهذا الفصيل الذي لطالما أوقف الحركة في كثير من المدن المغربية وساهم في إرسال كثير من القيادات الأمنية إلى المناطق التأديبية. صحيح أن التيار الإسلامي المنفصل عن الحركة، المستقيل من الاحتجاجات العمومية، قد ساهم في إضعاف الفبرايريين وتحويلهم إلى خريفيين، لكن ثقافة العزوف والاختراق قد ساهمت في إضعاف واحد من أكبر الكيانات الاحتجاجية في المغرب المعاصر، وهو ما يهدد بعزوف انتخابي إذا تأخر موعد الاستحقاقات الانتخابية عن موعده ونزلت كوطا العدالة والتنمية. لكن العزوف له «سبعون وجها»، وأشده وقعا على النساء هو العزوف عن الزواج، الذي يساهم في رفع عدد العانسين والعانسات في هذا البلد، الذي يشتكي فيه المواطنون من مدونة ساهمت في العزوف عن الزواج والطلاق معا، لذا اختار الكثير من الشباب منزلة بين المنزلتين، وتحول البعض إلى مجرد عابر سرير. العزوف ضرب الحركة المسرحية، واضطرت كثير من الفرق المسرحية إلى إلغاء عروضها بعد أن أشعرهم المسؤول عن بيع التذاكر بأن عدد المتفرجين لا يتجاوز العشرين شخصا، نصفهم من أسر المكلفين بالتنظيم، لكن الفرق بين الكرة والمسرح هو أن مباريات الكرة لا يؤجلها العزوف ولا يوقفها، عكس المسرحيات التي قد تلغى بقرار من الأكشاك. ووصلت عدوى العزوف إلى القراءة، لذا بادرت كثير من جمعيات المجتمع المدني إلى تنظيم «قراءة جماعية في الهواء الطلق» لرد الاعتبار إلى الكتاب، قبل أن تتصدى لهم السلطات في كثير من مدن المملكة، وتمنعهم من التجمع ولو من أجل القراءة، فاللطيف هو الذي يقرأ جماعيا في هذا البلد. فإذا «عزفت» فتوكل على الله.