سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ياسين حمود: المغرب أول الداعمين للقضية الفلسطينية والكيان الصهيوني استغل الربيع الديمقراطي لتهويد القدس رئيس مؤسسة القدس الدولية ل« المساء »: الصهاينة يروجون المخدرات بشكل واسع بين المقدسيين لطمس هويتهم
لم تفوت «المساء» فرصة زيارة رئيس مؤسسة القدس الدولية، ياسين حمود، للمغرب، فأجرت معه حوارا استعرض فيه مسلسل تهويد القدس من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلية والأساليب التي تنهجها إسرائيل لطمس الهوية الفلسطينية في القدس. وكشف حمود، في هذا الحوار الحصري مع «المساء»، عن أشكال خطيرة يلجأ إليها الكيان الصهيوني لتشويه معالم الشخصية الفلسطينية. ولم يتوان حمود في الإشادة بالدور الذي يلعبه المغرب على المستوى المادي لتثبيت الفلسطينيين في القدس عبر دعم وكالة بيت مال القدس. وانتقد حمود، في آخر هذا الحوار، الدول العربية والإسلامية بسبب عدم إيفائها بالتزاماتها في ما يرتبط بتقديم الدعم المالي لسكان القدس. - بداية، نود أن نعرف إلى أين وصل مسلسل تهويد القدسالمحتلة من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلية؟ تجري عملية تهويد القدس على قدم وساق، وهو مشروع قديم عند الكيان الصهيوني، لكنه اليوم –للأسف- تطور بشكل كبير جدا، فلم يتركوا مكانا في القدس إلا وسعوْا إلى تهويده. فالنسبة إلى القدسالغربية، التي تشكل 85 في المائة من مساحة القدس، لم يعد فيها أي فلسطيني، إذ صارت مهودة بشكل كامل؛ أما القدسالشرقية، فمنذ اليوم الأول لاحتلالها، ربطها المحتل بالقدسالغربية وأعلنها عاصمة للكيان الصهيوني، وهو منذ ذلك اليوم يبتغي تغيير وجه المدينة؛ ولذلك أطلق كيان الاحتلال مشروعا لتخفيض عدد الفلسطينيين في القدس، متوسلا بعدة أساليب عنصرية، في مقدمتها عدم منح تراخيص للبناء للفلسطينيين، علاوة على هدم البيوت المقدسية وسحب هويات المقدسيين، بمعنى أن الكيان الصهيوني يريد أن يجعل من حياة الفلسطينيين داخل القدس جحيما لا يطاق. وهي سياسة مقصودة لدفع الفلسطينيين إلى الاستسلام والابتعاد عن الدفاع عن قضيتهم. - هل يمكن القول إننا إزاء عملية اجتثاث كلية للفلسطينيين من القدس؟ بطبيعة الحال، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهناك محاولة لاجتثاث المقدسيين وتخفيض عدد الفلسطينيين في القدس بكل الوسائل، بل حتى جدار الفصل العنصري الذي أقامه هذا الكيان يخرج الأحياء ذات الكثافة السكانية الفلسطينية من القدس، وهذا الجدار يقصي من القدس 154 ألف مقدسي؛ ثم هناك تضييق كبير على المقدسيين من خلال سن ضرائب عالية مقابل الاستفادة من خدمات بسيطة تقدمها بلدية القدس، الوجه البشع لسياسة التهويد؛ فالمقدسي يعجز عن دفع عن هذه الضرائب. لكن الأخطر من كل ذلك هو تهويد المناهج الدراسية في محاولة لتشويه الجيل المقدسي الجديد. ولقد نبهنا إلى هذا الطمس الثقافي أكثر من مرة لأنه يمثل المظهر الأخطر لتهويد القدس. وفي السياق نفسه، ابتدع الكيان الصهيوني آلية خطيرة لتدمير الشخصية الفلسطينية المقدسية، حيث تروج قوات الاحتلال على نطاق واسع مختلف أنواع المخدرات في الأحياء ذات الكثافة الفلسطينية، ولذلك ليس غريبا أن تسجل نسبة مخيفة من الإدمان على المخدرات في القدس، إذ تجاوز عدد المستهلكين ستة آلاف شخص، ناهيك عن تدمير البنى التحتية الفلسطينية في القدس. أما في ما يرتبط بالمسجد الأقصى، فقد حفر الكيان الصهيوني أنفاقا كبيرة تحته لبناء الهيكل، وبلغ عدد الحفريات التي قام بها في محيط الأقصى أكثر من 38 حفرية. وهذه كلها ممارسات تؤثر سلبا على حياة المسلمين في القدس؛ بل حتى المسيحيون لم يسلموا من مسلسل تهويد القدس، حيث تم حرق كنيسة قبل فترة من الآن. وعلى هذا الأساس، نؤكد أن إسرائيل تمارس سياسة عنصرية إزاء كل الديانات الموجودة في القدس. - لنتوقف عند هذه النقطة بالذات، هل نفهم من كلامكم أن الإسرائيليين لا يقيمون فرقا بين الديانات في ما يتصل بمشروعها حول تهويد القدس؟ لا، إسرائيل لا يهمها سوى تهويد القدس، وهي ستطمس كل الديانات الأخرى إذا اقتضت مصلحتها ذلك. ومع كامل الأسف، لم يبق في القدس سوى 6 آلاف مسيحي بسبب هذه التضييقات. وإسرائيل تبتغي أن تنزع من الفلسطيني كل مقومات هويته الأصيلة وتسلبه جذوره، وهي تصرف سنويا ملايين الدولارات لتنفيذ مخططها العنصري. - على هذا المستوى، هل هناك من تحركات على المستوى العربي لحشد الدعم لتوقيف مسلسل تهويد القدس؟ هذا الأمر يتطلب، في تقديري، تضافر الجهود بين الجميع، سواء الجهات الرسمية أو الجهات غير الرسمية. بالنسبة إلى مؤسسة القدس الدولية، فهي مؤسسة شعبية تضم كل تيارات وأطراف الأمة، ونحن مؤسسة نعمل مع كل الشعوب من أجل كسب الدعم لقضيتنا. ويمكن لهذا الدعم أن يتخذ عدة أشكال، فما شهدناه خلال الأيام الماضية من مسيرات شعبية في المغرب وفي باقي الأقطار هو نوع من الدعم الشعبي لقضيتنا، وهو دعم له أهميته القصوى مادامت الدورة التاريخية أكدت أن الشعوب هي التي تصنع مصيرها مهما وقع. - لكن الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية ليس كفيلا بمفرده بأن يوقف الاعتداءات التي يقوم بها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين.. لقد حضرنا مؤتمر قطر، الذي دعت إليه الجامعة العربية، وقلت حينها إن المستوى الذي لازالت عنده الجامعة العربية هو أقل بكثير من المستوى الذي يطلبه أهلنا في مدينة القدس خاصة في ما يتعلق بالدعم المادي. فمثلا، لجنة القدس التي يرأسها جلالة الملك محمد السادس أو وكالة بيت مال القدس لا تتلقى الدعم الكافي من لدن الدول الإسلامية، وقد علمنا بأن 80 في المائة من الدعم الذي تتوصل به وكالة بيت مال القدس مصدره المغرب، وغالبه من تبرعات جلالة الملك. ومن هنا، يطرح السؤال حول دور باقي الدول الإسلامية. أما الدول العربية، التي كانت قد تعهدت بدعم القدس بنصف مليار دولار في قمة سرت الليبية، فلم تف بوعودها، فما وصل إلى القدس -حسب ما صرحت به السلطة الفلسطينية- لم يتجاوز 38 مليون دولار. ولك أن تقارن مثل هذا الدعم بحجم الأموال التي تصرف على تهويد القدس والتي تناهز مليارا ومائة مليون دولار سنويا؛ وما يدخل إلى القدس، سنويا، لتثبيت أهلنا فيها لا يتجاوز 60 مليون دولار، منها 54 في المائة من المساعدات الأوربية، الأمر الذي يبعث على القلق من سرعة تنفيذ مشروع تهويد القدس. - على ضوء ما قلته، يمكن اعتبار المغرب من أول الداعمين للقضية الفلسطينية.. أنا أقول دائما إن لجنة القدس هي لجنة رسمية انبثقت من قمة منظمة التعاون الإسلامي، ومن المعلوم أن هذه المنظمة تأسست بسبب إحراق المسجد الأقصى في 29 غشت 1969، وهذه المنظمة أسندت رئاسة لجنة القدس إلى الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله. وما يأتي إلى وكالة بيت مال القدس، أغلبه من المغرب. والحقيقة أنه أثناء زيارتنا للمغرب، اكتشفنا شيئا كنا نجهله، وهو أنه جلالة الملك محمد السادس أرسل مجموعة من الرسائل إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن يحذر فيها من تهويد القدس؛ ثم حين سرنا في المسيرة المليونية وبعد زيارتنا لمختلف أطياف الأحزاب السياسية المغربية، وجدنا أن الشعب المغربي بكل تياراته وأحزابه، رغم كل الاختلافات القائمة بينها، يدعم قضية فلسطين، وهذا الدعم المغربي مقدر، وهو من الأشياء القليلة التي يقوم بها العرب تجاه قضية فلسطين. - بيد أن الأمر لا يتعلق فقط بدعم مالي، فالقضية الفلسطينية في حاجة إلى موقف عربي وإسلامي حازم تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، لماذا تحصرون مساندتكم في الدعم المالي؟ أقول إن قضية القدس تحتاج إلى كل المواقف الرسمية والشعبية العربية والإسلامية حتى يرتدع هذا الكيان الصهيوني ويعود عن غيه. ولكن إلى حين تحقيق هدف تحرير القدس لا بد من تثبيت أهلنا في أماكنهم في مواجهة مشروع التهويد، فالدعم الشعبي يبعث برسائل إلى المقدسيين مفادها أنكم لستم وحدكم من يواجه هذا الكيان المحتل، أما الدعم المادي فهو الذي يعينهم على البقاء في منازلهم؛ بيد أن الدعم السياسي يأتي على رأس كل أشكال الدعم من خلال بلورة موقف سياسي موحد وصارم بخصوص الاعتداءات التي يقوم بها الاحتلال بشكل ممنهج والضغط على الداعمين لهذا الكيان. - لكن هناك من يقول إن عدم بلورة موقف إسلامي موحد يرجع بالأساس إلى تشتت البيت الفلسطيني الداخلي، ألم يحن الوقت بعد لإجراء مصالحة فلسطينية بين مكونات المشهد السياسي الفلسطيني؟ أؤكد أن قضية القدس ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، أما أسطوانة الانقسام الداخلي فهي لا تعدو كونها شماعة نعلق عليها فشلنا، فلو كانت هناك إرادة حقيقية لدى العرب والمسلمين لمعالجة مشكل القدس لانتهى الانقسام الفلسطيني منذ مدة. مع ذلك، فقد رأينا أن مسلسل الوحدة بين فتح وحماس بدأ يأخذ مساره الصحيح في الآونة الأخيرة. أكرر أن التذرع بتشتت البيت الداخلي لفلسطين لعدم مساندتها أمر غير مقبول تماما. ونحن في مؤسسة القدس الدولية نثمن خطوات المصالحة الوطنية ونعتبرها خطوة أساسية لمواجهة الكيان الصهيوني. - ننتقل إلى موضوع آخر، عرفت بعض الدول العربية حراكا كبيرا، نريد أن نعرف ما إذا كان الفلسطينيون قد استفادوا من هذا الحراك، ولاسيما في ما يخص تغيير بعض المواقف من القضية الفلسطينية؟ لقد سجلنا خلال السنة الماضية أن بريق القدس قد خفت خلال فترة الحراك، إذ انشغلت الشعوب العربية بهمومها وبتداعيات ثوراتها، ولذلك فإن المحتل الصهيوني يستثمر هذا الانشغال لتنفيذ مخططه لتهويد القدس، ولكننا لاحظنا على المدى البعيد والاستراتيجي أن كل المظاهرات التي خرجت في الشوارع العربية حملت الأعلام الفلسطينية، الشيء الذي يمنح الانطباع بأن القضية الفلسطينية ما تزال حاضرة في وجدان الإنسان العربي. وأعتقد أن الربيع الديمقراطي لن يكتمل إلا إذا وصلت رياحه إلى مدينة القدس. - لكن حتى قبل الربيع الديمقراطي، لوحظ أن القضية الفلسطينية لم تعد حاضرة في قائمة هموم الشعوب الإسلامية كما كانت من قبل، كيف تفسر ذلك؟ الشيء الثابت هو أن القضية الفلسطينية هي قضية أمة، ولن نختلف في هذا الأمر، وهي قضية كل مسلم وكل حر؛ فأنا أربط مصير القدس بمصير الأمة الإسلامية، فحين كانت القدس محررة وعزيزة كان المسلمون في أوج عطائهم، وبذلك فهي ترمومتر يقيس عزة الأمة. والانشغال عن هذه القضية هو أمر طبيعي، لأن التطورات الأخيرة فرضت ذلك. لكن الكيان الصهيوني نجح في القيام بخطوات بغاية تهويد القدس. وينبغي التذكير بآخر فصول عملية تهويد القدس، وهو المتمثل في أن بلدية القدس أعلنت أنها خلال العشرين سنة المقبلة ستبني 50 ألف وحدة استيطانية داخل القدس، وخلال الخمس سنوات الآتية ستبني 28 ألف وحدة استيطانية. وحين نسمع عن هذه الأرقام لا نلتفت إليها، لكنها ذات دلالة عميقة إذا وضعناها في سياق ما تقوم به قوات الاحتلال لتهويد القدس بشكل كامل. وبلدية القدس تنهج سياسة خطيرة ترتكز على بناء وحدات استيطانية صغيرة، لكن حين يتم تجميعها يصبح عددها مقدرا بآلاف الوحدات الاستيطانية على حساب الفلسطينيين. ومن هنا، من جريدتكم الغراء، أناشد المغاربة وجلالة الملك أن يبقوا على موقفهم الثابت من القضية الفلسطينية، وأدعو الشعوب العربية إلى العناية بهذه القضية الجوهرية لأنها ترتبط بمصير جمعي في المقام الأول. - ستلتقون، بعد إنهاء هذا الحوار، بعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية؛ نود أن نعرف أجندة هذا اللقاء، وكيف تتعامل الحكومة الجديدة مع القضية الفلسطينية؟ أولا، يجب أن نشكر جلالة الملك محمد السادس ورئيس الحكومة على حسن ضيافتنا في المغرب بمبادراتهما تجاه القدس، ونحن هنا لننقل إليهما تحايا الشعب الفلسطيني وأعضاء مؤسسة القدس الدولية، وعلى رأسهم الشيخ العلامة يوسف القرضاوي. أما عن لقائنا برئيس الحكومة، فقد فسنحاول فيه نقل معاناة الشعب الفلسطيني وممارسات الكيان الصهيوني.