بعد كل الضجيج الذي رافق الحملة الانتخابية التي انخرط في ديناميتها بعض المرشحين منذ ما يقرب من عام، يبدو أن الوعود التي قطعت لتغيير حياة الفرنسيين إما بقيت بلا صدى وإما وجدت آذانا نصف صاغية، الشيء الذي لا يعني قطيعة الفرنسيين مع السياسة، بل فقدانهم للقدرة على الحلم، وذلك في أفق الأزمة الكامنة التي يخيم شبحها على معاشهم اليومي. فأمثلة اليونان وإسبانيا، وهي أمثلة صادمة ماثلة في جميع الأذهان. «حملة تافهة»، «حملة باهتة»، «اقتراع بلا نكهة ولا طعم». «تنابي صبياني» إلخ... إنها بعض التعاليق وردود الفعل التي أعرب عنها بعض الخبراء والمحللين السياسيين بصدد الحملة الانتخابية الفرنسية في شأن الاقتراع الرئاسي، الذي دخل أشواطه الأخيرة مع إجراء الدور الأول من الاقتراع المزمع تنظيمه في 22 أبريل القادم، على أن ينظم الدور الثاني في السادس من ماي. فبعد التجمعات الخطابية الصاخبة والحماسية، والتنقلات داخل وخارج فرنسا، وبعد كل الضجيج الذي رافق الحملة الانتخابية التي انخرط في ديناميتها بعض المرشحين منذ ما يقرب من عام، يبدو أن الوعود التي قطعت لتغيير حياة الفرنسيين إما بقيت بلا صدى وإما وجدت آذانا نصف صاغية، الشيء الذي لا يعني قطيعة الفرنسيين مع السياسة، بل فقدانهم للقدرة على الحلم، وذلك في أفق الأزمة الكامنة التي يخيم شبحها على معاشهم اليومي. فأمثلة اليونان وإسبانيا، وهي أمثلة صادمة ماثلة في جميع الأذهان. إجماع المرشحين بل وحتى المرشحين أنفسهم أجمعوا على أن الحملة لم تف بجميع وعودها. فقد أشار فرانسوا بايرو، المرشح باسم حزب حركة من أجل الديمقراطية، الذي ترشحه الاستفتاءات للحصول على نسبة تتراوح بين 12 و13 في المائة، إلى أن هذه الحملة «فرجة عبثية. حملة بلا رأس لها ولا قفى». أما ساركوزي فتتأرجح مواقفه بين التشاؤم والثقة. إيفا جولي، التي تمثل البيئيين، تعتبر أن النرجسية الحزبية هي ما طغى على الحملة، بل وحتى مارين لوبين، المرشحة باسم الجبهة الوطنية المتطرفة اعتبرت الحملة أنها لا تعدو كونها «مناقرة ديكة». الوحيد الذي وجد ضالته في فعالياتها هو جان ليك مينلشون، المرشح باسم جبهة اليسار. إذ خلق بحق المفاجأة، وذلك بتنظيم تجمعات فاقت أحيانا مائة ألف مناصر مثل التجمع الذي عقده بساحة لاباستي بباريس أو تجمعات مدن ليل (بشمال فرنسا) أو تولوز أو التجمع الذي يعتزم تنظيمه بمارسيليا بجنوب فرنسا. لم يخلق المفاجأة على المستوى الوطني الفرنسي، بل بدأ في التحول إلى ظاهرة أوروبية. فواصل درامية داخل الحملة بين الفينة والأخرى، تتدخل فواصل إما استفزازية وإما درامية، وإما فضائح تخص هذا المرشح أو ذاك لإنعاش تعليقها أو إدخال بعض التوابل عليها. هكذا كانت العمليات الإجرامية التي أقدم عليها الشاب محمد مراح محطة علقت الحملة الانتخابية لبضعة أيام لاعتبارات أخلاقية وإنسانية. الوحيد الذي أبقى على تجمعه المقرر والمبرمج هو فرانسوا بايرو. لكن اتضح أن حزب اليمين، بزعامة نيكولا ساركوزي، حاول استغلال هذه الدراما لتبيان أنه يمسك ويتحكم في زمام الأمور الأمنية. غير أن معاهد الاستفتاء أظهرت أن «قضية محمد مراح» لم تؤثر على توجهات الناخبين، وبالتالي لم يستفد من تسخيرها المرشح ساركوزي. ثم جاءت فضيحة ليليان بيتنكور، نسبة إلى رئيسة مستحضرات التجميل لوريال، لتلقي بظلالها على المشهد الانتخابي، وذلك على خلفية كشف بعض وسائل الإعلام، وخاصة موقع ميديابارت الإلكتروني، عن احتمال تسلم نيكولا ساركوزي مبالغ مالية لتمويل حملته الانتخابية لعام 2007 . فكرة كل يوم الفاصل الثالث يتمثل في قضية اللحم الحلال وما رافقها من مزايدات بين اليمين واليمين المتطرف، وذلك على حساب المسلمين. الفاصل الرابع تمثله حملات السب والقذف والتوصيفات القادحة ما بين المرشحين. فقد استعمل ساركوزي نعت «سخيف» في حق فرانسوا هولاند. ورد عليه هذا الأخير بأن التعبير ينطبق عليه أكثر من غيره. المهم أن الحملة في مجملها تميزت بعدم التحاور بين مختلف المرشحين وبالسرعة في معالجة المواضيع قبل نسيانها والانتقال إلى مواضيع أخرى. كما طرح أغلب المرشحين، وبالأخص ساركوزي، فرانسوا هولاند، مارين لوبين، فكرة جديدة كل يوم، وذلك لإعطاء الانطباع بأنهم على إلمام بجميع الملفات وبأنهم يتوفرون على الحلول الناجعة. تغييب البعد الاقتصادي يبقى أن الصراع بين مختلف المرشحين لم يتم من حول أفكار واضحة وكفيلة بالتأثير على اختياراتهم. فالقضايا المصيرية من قبيل الأزمة المالية، البطالة، العجز المالي، تحسين سبل التعليم والتربية، لم تشغل حيزا يذكر في اهتمامات المرشحين. إن سطرت البرامج الانتخابية بعضا من الحلول، فإن الإجابة الدقيقة وبالأرقام، تبقى معلقة إلى إشعار آخر، وذلك بحكم الغموض الذي يكتنف المستقبل الذي ترهنه وبشكل أساسي تطورات الأزمة. لذا يعطي بعض المرشحين انطباعا بأنهم يرغبون في تحسين الأوضاع، لكن الحل ليس بين يديهم. يعرف الناخبون هذا الوضع وهو ما يزرع بذور الشك في قناعاتهم. على أي، يجمع المراقبون والخبراء بأن الفرنسيين لا يبدون حماسا كبيرا لحملة 2012 مقارنة بما عبروا عنه أثناء حملة 2007 . فالشعار الذي حمل لواءه ساركوزي عام 2007 «بوحدتنا الكل ممكن» نجح في تلك الإبان في إغراء عدد كبير من الفرنسيين، لأنه كان يعبر عن ترقباتهم وآمالهم. كما أن تلويحه بفكرة «الإرادة أداة لإحداث القطيعة» كانت إحدى الأفكار القوية لحملته وبرنامجه. اليوم، وقف نفس المرشح عند خواء الأوهام التي باعها للفرنسيين ولربما لن تنطلي عليهم الحيلة مرة ثانية، الشيء الذي يفسر برودة حماسة بعضهم تجاه المقترحات التي بسطها المرشح-الرئيس. تبخرت، إذن، حماسة 2007 إلى درجة تحدث بعض الخبراء عن تراجع اهتمام الفرنسيين بالانتخابات بنسبة 10 في المائة.
الامتناع عن التصويت هو الفائز؟ يكاد يحصل شبه إجماع حول النسبة المرتفعة للامتناع عن التصويت، على الأقل خلال الدور الأول من الاستحقاق الرئاسي. وتتكهن بعض معاهد الاستفتاء بتحطيم هذه النسبة لتلك التي تم تسجيلها عام 2002 والتي بلغت 28,5% . وحسب تحقيق أنجزه معهد «الإيفوب»، ليس من المستبعد أن تصل النسبة إلى 32%، وهو احتمال لا يمكن إهماله، يقول جيروم فوركي، مدير قسم سبر الرأي بمعهد «إيفوب». وحسب استفتاء آخر أجراه معهد «اوبنواي»، فإن 39% من الناخبين لا يعيرون اهتماما للحملة الانتخابية. أول تأويل قد يسارع المعلقون إلى استخلاصه في حالة تأكد انبثاق نسبة مرتفعة للامتناع عن التصويت هو فقدان الفرنسيين لحس المواطنة وعدم مصالحتهم مع السياسة. كما أن انعدام التصويت يمكن أن ينعكس سلبا على المرشح الاشتراكي. هذا مع العلم أن الدور الأول من الانتخابات، والذي يجرى في 22 أبريل، «يسقط» مباشرة في أيام العطلة المدرسية. هل معنى ذلك أن الديمقراطية في أزمة؟ إن المرشحين الذين بسطوا لائحة وعودهم يعرفون جيدا أنهم تحت العين الرقيبة لوكالات التنقيط. لذا اقترح بعضهم منذ البداية رفع الضرائب، وذلك بغية الحد من العجز المالي. وكما هو معلوم، فإن رفع الضرائب لا يستفيد منه سوى الأثرياء دون غيرهم. كما أن الرفع من الضرائب لا يعني بالضرورة الرفع من القدرة الشرائية، أي الرفع من الأجور. كما يدرك الناخبون بأن السياسيين لا يتحكمون في دواليب الاقتصاد، بل ثمة قرارات تتخذ على مستويات فوقية وتتحكم في دواليبها وكالات التنقيط أو بيروقراطية الأبناك الأوروبية. على نفس المنوال وفي تعاليق وتحاليل الصحافة الدولية، نقف عند نفس الخيبة. فقد أعرب ألبيرتو رومانولي، مراسل قناة راي في باريس، عن غياب الحماس مقارنة بانتخابات 2007 . آنذاك كان نيكولا ساركوزي نكرة بالنسبة للإيطاليين. أما اليوم، يقول المراسل «فالرجل باعتقادي شخص مستهلك ومتقادم. أما فرانسوا هولاند، فينظر له الإيطاليون كرجل سياسي يعمل تبعا لطرق كلاسيكية». أما مراسلة صحيفة «دير ستاندار» النمساوية فقد لفتت انتباهها الإعلانات اليومية التي يطلقها المرشحون. لا يهم أن يفي المرشحون بهذه الوعود، المهم أن يتحدث عنهم الإعلام. ثمة انطباع بأن المرشحين نسوا الفرنسيين. أما أسبوعية «إيكونوميست» ذات التوجه اللليبرالي، والتي تعتبر إنجيلا في مجال الاقتصاد، فقد شبهت المرشحين الرئيسين، نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، بمتنزهين على العشب كما جاء في رسومات إدوار ماني. وتضيف المجلة أن لا أحد من المرشحين يهيئ الفرنسيين إلى الغد الصعب وإلى المستقبل العويص. من هنا البعد اليوطوبي لهذه الحملة، التي تبقى منفصلة عن الواقع. هل الفرنسيون بحاجة إلى سماع تحاليل وخطابات في موضوع اللحم الحلال وفي موضوع رخصة السياقة ؟ لكن من الخبراء من يطرح فرضية النكران، بمعنى أن الفرنسيين لا يرغبون في سماع الحقيقة أو معاينتها. ويستشهدون بالمقارنة التي عقدها ساركوزي في بداية حملته الانتخابية بين فرنسا وألمانيا، التي اتخذها كنموذج. جاءت الاستفتاءات لتؤكد أن الفرنسيين غير راغبين في الخوض معه في أمور الأرقام والحسابات. لكنه لما شرع في طرق مواضيع شعبوية، مثل اللحم الحلال، الهجرة، رخصة السياقة الخ...، شهدت أسهمه الانتخابية تصاعدا في استفتاءات الرأي. بمعنى أن الفرنسيين ينتظرون من المرشح أن يكون حكواتيا بارعا يبيع الأحلام والأوهام، بدل مصارحتهم في الأزمات ! أي بما معناه كشف لوجوههم في مرآة الواقع. هذا ما يفسر ابتذال الحملة الانتخابية. تخلى المرشحون عن البوح بالحقيقة، بل الأخطر من ذلك، ساهموا في تسريب خطاب سياسي باتولوجي من النوع الذي تدافع عنه مارين لوبين أو المرشح جاك شوميناد، الذي وعد بصاروخ من نوع سبوتنيك لكل الفرنسيين في حالة انتخابه رئيسا للجمهورية. فالصحافة والإعلام عموما، يشجع على انتشار مثل هذه الترهات الإيكزوتيكية. الخطر الذي قد يترتب عن الاستحقاق الانتخابي هو انهيار عميق للبلد، وذلك بهجرة العناصر الدينامية في اتجاه لندن، شنغاي أو ميلبورن، أو انحصار معدلات النمو عند الصفر، مما قد يرفع من معدلات البطالة. معنى ذلك أزمة اجتماعية قد تفضي إلى إضرابات وإلى الاحتقان الاجتماعي.
السياسة الخارجية لفرنسا وموقفها من الديكتاديمقراطية تطرح رئاسية فرنسا، لا فحسب قضايا تهم الوضع الداخلي، بل تهم أيضا الشأن الخارجي ومستقبل الدبلوماسية الفرنسية دوليا،وذلك بالنظر إلى انتكاس دورها تحت رئاسة نيكولا ساركوزي، وبالأخص على خلفية انتفاضات الربيع العربي. وبالرغم من تصويب وتصحيح بعض الهفوات والكبوات التي لازمت دبلوماسيتها في كل من تونس ومصر، فإن الرئاسة القادمة تبقى مرهونة بنوعية السياسة التي سينهجها الرئيس الجديد في ملف الشرق الأوسط، إفريقيا، أفغانستان وفي علاقة فرنسا بالولايات المتحدة، بالصين والدول الناشئة. ثم ما ستكون عليه طبيعة التموقع الفرنسي تجاه «الديكتاديمقراطية»، أي بعض الأنظمة التي تزينت بغشاء ديمقراطي لكن قلبها لا يزال ديكتاتوريا؟ أوروبيا أية سياسة سيتبعها الرئيس القادم حيال إشكاليات العولمة والمجموعة الأوروبية وسلطة الأبناك ؟ كما تمت الإشارة، فإن هذه المواضيع أصبحت أشبه بالمحرمات في البرامج الانتخابية للمرشحين، وبالتالي لا تحظى باهتمام الناخبين.