رغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وارتفاع حدة المنافسة بين المرشحين الجمهوري جون ماكين والديمقراطي باراك أوباما، فإن الأمريكيين يتسمرون أمام شاشات التلفاز ليلا للضحك على برامج الفكاهة التي تتصيّد عثرات ماكين وأوباما وتحوّلها إلى مواضيع تثير القهقات. يمر الأمريكيون بأوقات صعبة للغاية هذه الأيام، والسبب لا يرجع فقط إلى أخبار الاقتصاد المتدهور التي تبثها نشرات الأخبار، بل أيضا بسبب الانقسام الشديد في الرأي بين الجمهوريين الذين يشعرون بأن ماكين يملك الخبرة اللازمة لإنقاذ البلاد من المستنقع الذي سقطت فيه خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش الإبن، وبين الديمقراطيين الذين يؤكدون أنه حان الوقت لكي يحكم هذه البلاد رئيس أسود يُكفّر عن ذنوب البيض الذين استقدموا رجالا من إفريقيا واستعبدوهم لا لسبب سوى لأن لونهم كان أسود. حدة الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين ألقت بظلالها على شبكات الأخبار التي اختار معظمها الوقوف وراء أوباما ودفعه للوصول إلى البيت الأبيض، فيما احتفظت شبكة فوكس نيوز وبعض الإذاعات المحلية بالوفاء لميولها اليمينية وتقديم دعاية خالصة لجون ماكين والمرشحة لمنصب نائبه سارة بيلين. ويبدو أن الانحياز الفاضح في تغطية الشبكات الإخبارية كان سببا رئيسيا في هروب المشاهدين نحو برامج الفكاهة التي نجحت في تحويل أخبار الانتخابات المُملّة إلى قصص إخبارية مسلية تنتزع منهم القهقهات المدوية بعد يوم طويل من العمل المضني، وتضمد جراح خلافاتهم العميقة وتجعلهم يضحكون على بعضهم البعض! ماكين هدف سهل كان جون ماكين على حافة فقدان شعبيته عندما عقد الحزب الديمقراطي مؤتمره العام بولاية كولورادو نهاية شهر غشت الماضي، حيث كانت نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم أوباما بأكثر من ثماني نقاط على المستوى الوطني، إلا أن إعلان ماكين اختياره للحسناء سارة بيلين، حاكمة ولاية ألاسكا ووصيفة ملكة جمال الولاية نائبة له على بطاقة الحزب الجمهوري، قلب موازين القوى في السباق الرئاسي ومنحه جرعة من الأمل في الوصول إلى البيت الأبيض بعد انتخابات الرابع من شهر نوفمبر القادم. إلا أن ذلك القرار جرّ عليه تبعات أخرى لم يحسب حسابها مطلقا، حيث تحول الثنائي ماكين-بيلين إلى هدف مفضل لبرامج الفكاهة التي سخرت كثيرا من جاذبية بيلين وجمالها وصوّرتها على أنها مجرد جسد مغر يستعمله ماكين لاجتذاب أصوات المراهقين. كما ظهرت العشرات من شرائط الفيديو على موقع يوتوب تسخر من كبر سن ماكين ونياشينه الحربية الكثيرة (كان أسير حرب في فيتنام وتعرض للتعذيب وحصل على ميداليات عديدة بعد عودته إلى البلاد). كما استهدفت برامج الفكاهة التي تبث في ساعة متأخرة من الليل سارة بيلين التي قالت يوما: «هل تعلمون ما هو الفرق بين أم يلعب أطفالها لعبة الهوكي وكلب البيتبول؟ إنه لون أحمر الشفاه الذي تضعه الأم فقط»، وكانت تلك الجملة بمثابة البوابة التي عبرتها بيلين إلى عالم الفكاهة على شاشات التلفزيون الأمريكية التي حرصت على ربط صورتها بصورة كلب البيتبول وأصبع أحمر الشفاه وبندقية قنص ورؤوس الأيائل التي كانت تصطادها رفقة أفراد عائلتها في غابات ألاسكا الباردة. كما يبدو ماكين من جهته، هدفا سهلا لبرامج الفكاهة التي تتصيد هفواته وهفوات عائلته، حيث اتصل شقيقه أمس الأول بالرقم الاستعجالي للشرطة من أجل الاستفهام عن حركة السير على الطريق الرئيسية، إلا أنه شتم عاملة الهاتف التي رفضت الرد على سؤاله وأخبرته بأن الرقم مخصص للتبليغ عن الحالات الطارئة فقط. ورغم اتصال شقيق ماكين ببرنامج إذاعي شعبي واعتذاره عن سلوكه، فإن الخبر تحول إلى موضوع رئيسي في البرامج الساخرة التي طالبت ماكين بالتخلي عن طموحه إلى دخول البيت الأبيض والتفرغ لتعليم شقيقه الأدب! مغامرة السخرية من أوباما «أوباما يبدو وكأنه يخدّر الأمريكيين في تجمعاته الانتخابية... إنه يبدو كرجل غامض يوزع نوعا جديدا من الحشيش سريع الإدمان في السوق، إسمه الأمل». هكذا افتتح ستيفن كولبيرت برنامجه الساخر «ذو كولبيرت ريبورت» مساء السبت وهو البرنامج الذي يُقلّد فيه شخصية «بيل أورايلي» الذي يقدم برنامج «ذو أورايلي فاكتور» على شبكة فوكس المحافظة. ربما كان ذلك أقصى ما يمكن لمقدم برنامج ساخر أبيض البشرة قوله عن باراك أوباما الذي يحتاط الكثير من الممثلين الكوميديين ومقدمي البرامج الساخرة من استهدافه خوفا من نعتهم بالعنصريين، إلا أن زملاءهم الأمريكيين من أصل إفريقي يشعرون بأنه من «حقهم» السخرية من أوباما لأن لا أحد سيتهمهم بالعنصرية. وهكذا بدأ «دي إل هيوغلي» وهو ممثل كوميدي أسود لامع برنامجا جديدا على شبكة CNN يواكب فيه أخبار الحملة الانتخابية الرئاسية، ويحاول السخرية من مواقف المرشحيْن معا، لكن مع تركيز لافت على باراك أوباما الذي قال عنه في برنامجه إنه سيحرص، عندما سيصبح رئيسا لأمريكا، على توزيع قطع الدجاج المقلي وأقراص البيرغر المُشبعة بالجبن على الأمريكيين كوجبات إفطار صباحية (في إشارة إلى حكم قيمة شائع في أمريكا عن السود وهو أنهم يحبون الدجاج المقلي والوجبات السريعة). كما قال «هيوغلي» إن برنامج أوباما في مجال الصحة يرتكز على توزيع حاميات أسنان وأنه سيدلل الشعب الأمريكي عبر منحه فرصة الاختيار بين الذهب الأبيض أو الأصفر! (نجوم الهيب هوب الأمريكان السود عادة ما يضعون حاميات الأسنان كنوع من الموضة وطريقة للتباهي).