تحول جُو السبّاك (اسمه جو ويعمل كمصلح حمامات ومجاري: سبّاك) إلى قضية انتخابية حامية داخل الولاياتالمتحدة، بعدما تم ذكره 26 مرة خلال المناظرة التلفزيونية الثالثة والأخيرة التي جمعت بين المرشح الجمهوري لخوض سباق الرئاسة جون ماكين ومنافسه الديمقراطي باراك أوباما. قبل أسبوع واحد فقط كان «جُو وولزيبلاشر» رجلا مغمورا في مدينة صغيرة بولاية أوهايو، يبدأ عمله في ساعات الصباح الأولى ولا يعود إلى منزله سوى بعد حلول الظلام. كان «جو» يتابع سير الحملات الانتخابية الرئاسية عبر أمواج الراديو، إلى أن سمع أن المرشح الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة باراك أوباما سيلقي خطابا في تجمع انتخابي كبير بالقرب من المدينة التي يقطنها، فقرر حضور التجمع الانتخابي من باب الفضول. ذهب «جُو» لحضور التجمع الانتخابي الديمقراطي، ووقف تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات إلى أن ظهر أوباما أمام المئات من أنصاره وبدأ في إلقاء وعوده الانتخابية. استمع «جُو» بانتباه شديد إلى حديث باراك أوباما حتى وصل الأخير إلى الفقرة المتعلقة بمسألة الضرائب. حينها رفع «جُو» كفه عاليا وطلب الميكروفون لتوجيه سؤال مباشر إلى أوباما، فاستجاب له منظمو التجمع الانتخابي ومنحوه الميكروفون وطلبوا منه الحديث. قال «جُو» بنبرة حزينة: «سيد أوباما، تقول إنك سترفع الضرائب على كل شخص يبلغ دخله أو يفوق 250 ألف دولار في السنة. دعني سيدي أخبرك بأنني رجل بسيط أعمل في تصليح الحمامات والمجاري لمدة 11 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وبعد سنوات طويلة من هذا العمل الشاق جمعت ما يكفي من المال لتأسيس شركة صغيرة خاصة بي سيعمل معي فيها ثلاثة من السبّاكين المهرة، وبالتأكيد ستفوق معاملات الشركة 250 ألف دولار في السنة ولكنني أرى أنه ليس عدلا أن نعمل نحن الأربعة بجد وهمة وتأتي أنت كي ترفع الضرائب على مدخولنا الذي سنتقاسمه جميعا». صمت أوباما قليلا قبل أن يشكر «جو» على سؤاله، ويؤكد له أنه إذا فاز في الانتخابات الرئاسية فإنه سيعمل على توزيع الثروة بين الأمريكيين، وطالبه بتفهم الأمر. ساعات قليلة بعد ذلك، قامت شبكة فوكس الإخبارية ببث وإعادة بث سؤال «جُو» الذي قالت إنه أحرج أوباما وأوضح حقيقة خططه الرامية إلى إثقال كاهل الأمريكيين بالضرائب، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة. إلا أن «جُو» السبّاك لم يتحول إلى «نجم» في وسائل الإعلام الأمريكية سوى مساء يوم الأربعاء الماضي عندما سأل جون ماكين، باراك أوباما خلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة بينهما عن مصير الطبقة الوسطى داخل الولاياتالمتحدة التي تعاني حاليا وقال له: «سيناتور أوباما، الناس تعاني كثيرا لأن ظروف البلاد صعبة ولا أفهم كيف ستقوم بزيادة الضرائب على أشخاص مثل جُو السباك الذي لجأ إليك لشرح حالته واكتفيت أنت بوضعه في خانة الأغنياء الذين تنوي رفع الضرائب عليهم بطريقة غير عادلة». ولم يتأخر أوباما في الرد على ذلك السؤال وتوجه بالحديث مباشرة إلى «جُو» السبّاك وقال: «اسمعني يا جُو، لا تخف في حال أصبحتُ رئيسا، لأن خطتي في مجال الضرائب لن تضرك أبدا». إلا أن ذلك الجواب لم يكن كافيا لجون ماكين الذي قام بالاستشهاد بوضع «جُو» السبّاك أكثر من مرة خلال المناظرة، وفي كل مرة كان أوباما يرد، حتى بلغ عدد المرات التي تم فيها ذكر اسم «جُو» 26 خلال مدة المناظرة التلفزيونية المباشرة التي دامت 90 دقيقة. وفي اليوم الموالي للمناظرة، كانت صور «جُو» السباك على صدر معظم الصحف الأمريكية، فيما تسابقت شبكات التلفزيون للمرابطة أمام منزله منذ الصباح الباكر للظفر بمقابلة معه. ولم يكتف بعض الصحفيين المناصرين لباراك أوباما بذلك، بل نبشوا في ماضي «جُو» وتفاصيل حياته، وشنوا عليه حملة شعواء اتهموه فيها بإحراج أوباما عمدا أمام كاميرات التلفزيون. وكانت المفاجأة التي صدمت ملايين المشاهدين الذين تابعوا المناظرة الرئاسية وهي أن «جُو» السبّاك لا يتقاضى سوى 40 ألف دولار في السنة، وأنه مسجل على لوائح الحزب الجمهوري في منطقته رغم أنه لم يصوّت خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وفجأة تحولت تفاصيل الحياة الشخصية ل«جُو» إلى مواضيع جادة في البرامج السياسية في جميع شبكات الأخبار الأمريكية، وتعرضت سمعته للتشويه من قبل وسائل الإعلام الليبرالية المناصرة لأوباما، حتى إن المرشحة لمنصب نائب الرئيس على بطاقة جون ماكين الانتخابية، سارة بيلين انتقدت بشدة الهجوم الذي يتعرض له من وصفته ب«السبّاك المسكين»، وقالت لأنصارها خلال تجمع انتخابي: «عليهم أن يسائلوا أوباما بسبب عزمه زيادة الضرائب على المجتهدين من الأمريكيين الذين يعملون بجد من جهة، وإعادة توزيع الثروة وكأننا في دولة اشتراكية وليس في أمريكا»! ويتوقع المراقبون أن تستمر قضية «جُو» السباك في التفاعل طوال الأسبوعين القادمين بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها وول ستريت وتلقي بظلالها القاتمة على قطاع العقار وعدد من القطاعات الحيوية الأخرى التي تمس الحياة اليومية للمواطن الأمريكي الذي يشبه «جُو» السباك في ظروف معيشته!