من الطبيعي أن تعرف كل حكومات العالم تضاربا في بعض الأحيان بين مواقف وزرائها واختلافا في وجهات النظر حول بعض القضايا. لكن أن يتحول ذلك إلى لازمة تتكرر في كل مناسبة، فهو ما لا يمكن للعقل أن يتقبله، خاصة إذا كانت الحكومة لم تتجاوز مائة يوم من وجودها. منذ تشكيل الحكومة الحالية كان الخلاف واضحا حول نسبة النمو التي سيحققها الاقتصاد المغربي. إذ بعد أن تحدث البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية عن بلوغ نسبة 7 في المائة جاء التصريح الحكومي لعبد الإله بنكيران دون هذا الرقم، حيث تحدث عن نسبة 5.5 في المائة، قبل أن يأتي الوزير الاستقلالي في الاقتصاد نزار البركة ويصرح بأن النسبة هي 4.2 في المائة، ثم كانت الكلمة المزلزلة لعبد اللطيف الجواهري، الذي أكد أن النسبة لن تتجاوز 3 في المائة. فمن سنصدق إذن؟ ومن يمتلك الحقيقة؟ رغم أن الكثيرين يحاولون التقليل من هذه التناقضات واعتبارها مرتبطة بسياقات معينة وبطريقة في الحساب واعتماد الأرقام، إلا أن الأمر على ما يبدو ليس مرتبطا بمسألة تقنية فقط، بل يتجاوزها إلى ما هو أبعد، وهو الجانب السياسي المتمثل في مدى سيطرة رئيس الحكومة على كل المعطيات والأجهزة والقطاعات التابعة لحكومته. من مظاهر التذبذب أيضا داخل الحكومة ما وقع بين الحسين الوردي، وزير الصحة المنتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية المشارك في الأغلبية الحكومية، وحزب الاستقلال المشارك أيضا في نفس الأغلبية، حيث خرجت جريدة «العلم»، الناطقة باسم حزب الاستقلال، لتهاجم بشكل مباشر وبدون مواربة وزير الصحة الحالي في دفاع صريح عن تركة ياسمينة بادو، وزيرة الصحة السابقة عن حزب الاستقلال. وكان من تجليات هذا الصراع بين «الببساويين» والاستقلاليين أن جمد الوردي صلاحيات الكاتب العام للوزارة وإعفاء عدد من المسؤولين من مهامهم وتعويضهم بآخرين وإحالة بعض التقارير على المجلس الأعلى للحسابات بدعوى محاربة الفساد داخل الوزارة. وهو ما يعني أن الأحزاب المشكلة للحكومة لازالت تتحرك بمنطق القبيلة وليس بمنطق الحزب السياسي المنتمي إلى أغلبية حكومية يفترض فيها التضامن والتعاون والتنسيق من أجل الدفاع عن برنامج حكومي موحد حتى لا نقول مشروعا مجتمعيا واضحا. أما الخلاف بين مصطفى الرميد وزير العدل ولحسن حداد حول من المسؤول عن قطاع السياحة فهو دليل على درجة التوتر التي تعيشها مكونات الحكومة، حيث كان من الممكن لتصريحات الرميد، الذي تنازل عن بذلة رجل الدولة ولبس جبة الداعية الديني عند زيارته للفقيه المغراوي في مراكش وحديثه عن اعتكاف مريدي المغراوي على حفظ القرآن في مدينة يقصدها الكثيرون من أجل غايات أخرى، أن تمر مرور الكرام، لكن «حساسية» بعض وزراء الحكومة وتخوفهم من سرقة الأضواء التي يجيدها وزراء العدالة والتنمية، خاصة أن الانتخابات الجماعية بكل أنواعها والغرف المهنية وغيرها في الطريق، دفعت وزير السياحة إلى الرد بأنه المسؤول بمعية رئيس الحكومة على القطاع، وأن لا أحد يجوز له الإدلاء برأيه في موضوع يخص قطاعا «استراتيجيا» للدولة من حيث مداخيل العملة الصعبة، والذي يجثم عليه لوبي قوي داخل مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي في البلد. نفس الأمر يمكن قوله بخصوص رد فعل محمد أوزين وزير الشباب والرياضة على تصريحات مصطفى الخلفي وزير الاتصال بخصوص عزمه إيقاف إيذاع الإعلانات الخاصة بالقمار على شاشات التلفزيون العمومي، حيث دافع أوزين عن المداخيل التي توفرها هذه الإعلانات لوزارته من أجل بناء ملاعب القرب، خاصة أن ميزانية وزارته لا تتجاوز واحدا في المائة من الميزانية العامة للدولة. أربعة أحزاب فقط تشكل الحكومة، ومع ذلك لم تستطع تحقيق الانسجام المتوخى في مرحلة تعتبر مفصلية في تاريخ المغرب، خصوصا أن نيران «الربيع العربي» لا زالت تلفح وجوهنا من بعيد. ومن المفروض أن تكون هذه الحكومة حكومة إصلاح لما تم إفساده طيلة العقود الماضية، ولها رؤية واضحة وبرنامج متكامل وأجندة زمنية دقيقة لما تطمح إلى تحقيقه. أما والحالة على ما تبدو عليه، فيصعب علينا تصديق أن الحكومة الحالية ستبتعد كثيرا عما حققته حكومة اليوسفي وقصتها الشهيرة مع جيوب المقاومة.