اختارت الجمعية العمومية للأمم المتحدة اليوم الثاني من شهر أبريل سنويا لتخليد اليوم العالمي للتوحد، أو بتعبير أصح التحسيس بهذا المرض، يجعل فئة واسعة من الأطفال واليافعين تعيش أقصى حالات العزلة. وعلى الرغم من «تشتت» جهود العاملين في هذا المجال، والدعم المحتشم للقطاعات الحكومية، فإن كثيرا من الجمعيات، وأغلبها منخرط في كونفدرالية وطنية لمكافحة التوحد، تسعى جاهدة إلى جعل اليوم العالمي فرصة للتحسيس بدور الإعلام وأهميته في إدماج أطفال التوحد في النسيج الاجتماعي، و«التعريف بهذا المرض وبمشاكل هذه الفئة الاجتماعية التي تعاني منه هي وأفراد العائلة بسبب سلوك المصابين». في هذا الروبورطاج تحاول «المساء» إخراج هذا الموضوع من عزلته، من خلال لقاءات مع أطفال وشبان ورجال مصابين بالتوحد، ومقابلات مع فاعلين في هذا المجال، وزيارات ميدانية إلى أسر تحولت حياتها إلى جحيم بسبب شخص متوحد. حياة. م سيدة في عقدها الرابع، أو هكذا تبدو من خلال هندامها الذي تتعايش فيه الأصالة مع المعاصرة، تصر على أن ابنها عمر ليس متوحدا، وتقول ل«المساء» إنه «يعاني من العزلة ويعيش تأخرا في النمو، لكنه ليس صعب المراس كباقي الأطفال الذين يعانون من داء التوحد، ويواجه صعوبات في الاندماج مع المحيط الخارجي وأحيانا يرفض الآخرين دون أن يخاف منهم». والد عمر مسؤول في الوقاية المدنية، فوض أمر ابنه للزوجة، لأنها على حد قوله تريد ألا يكون لابنها أكثر من متتبع، «أساعدها في كثير من الأمور لكنني أفوض لها أمر التتبع اليومي لعمر، الذي يرتبط بها كثيرا، بل ويحرص على أن تنام إلى جانبه». لم تصدق حياة «خوارق» الشريف المكي الذي يعالج مرضاه بالبركة في ضواحي الصخيرات، لكنها اضطرت إلى الوقوف في طابوره التماسا للبركة، فكل شيء في سبيل صحة ابنها يهون، هكذا همة النساء تكون، تروي حكاية لقائها بالشريف وكيف اختزل وصفة العلاج في مصافحة وقنينة ماء وقالب سكر، «رفض ابني الوقوف في الطابور الطويل، لحسن الحظ أن المكي يعطي الأولوية للأطفال، بذلت جهدا كبيرا كي يقف عمر أمام الشريف الذي صافحه بقوة رغم محاولات الرفض البادية على محيا ابني، لكنه قال والعرق يتصبب منه بالشفاء إن شاء الله وانصرف بينما تولى الواقفون في الطابور شرح وصفته التي تجعل الزمن كفيلا بعلاج المرضى». فوضت حياة أمرها لله وعادت إلى الدارالبيضاء وهي تبحث عن مخرج آخر لمأزق العزلة، وتبين لها أن المرض يتجاوز حدود عطل في التواصل اللفظي كما أشار إليها أحد الأطباء، أو «ديار» على حد قول أتباع الشريف المكي. إشكالية التشخيص الغامض على غرار حياة وزوجها لحسن، تعاني كثير من الأسر المغربية التي وهبها الله طفلا في وضعية توحد، من إشكالية تصنيف طفلها في خانة المرضى بهذا الداء، إذ غالبا ما يتم تصنيف الأعراض التي تظهر على الطفل في خانة السلوك الفوضوي، وعدم التفاعل الاجتماعي مع محيطه، وتلاحظ الأم أو الأب أو هما معا تصرفات غريبة لطفلهما وينخرطان في مقارنته مع أطفال من نفس سنه، وغالبا ما يتم اكتشاف الداء بشكل متأخر، خاصة في فترة ما قبل التمدرس، إذ تخبرهما المدرسة بعد أول أسبوع أن الابن تتصرفات غريبة ولا ينضبط لأعراف القسم ولا يبالي بتحذيرات مدرسته، كما أن كلامه يبدو خارج السياق. ومن المفارقات الغريبة التي ترتبط بهذا التشخيص الأولي، وجود ما يشبه التناقض السلوكي، بين طفل توحدي يعاني من مشكل في النمو وعدم القدرة على خلق علاقات مع الآخر، وبين طفل يعاني من نفس الداء لكنه ذكي سريع الحفظ مردد جيد للمقاطع الغنائية والأناشيد، وهو ما يجعل الكثير من الأسر تحاول وضع أبنائها خارج حدود هذا المرض حين تكتشف أن واحدا من الأعراض لا ينطبق على فلذة كبدها، مما يطرح إشكالية الاعتراف بالمرض والحيلولة دون اعتبار الأسرة منكوبة بوجود طفل يعاني من التوحد. التكفل بالأطفال التوحديين لا توجد إحصائيات رسمية في المغرب حول هذا المرض، رغم أن الأرقام التي في المتناول تتحدث عن 340 ألف شخص، من بينهم 108 آلاف طفل، كما يصعب إحصاء حالات التوحد لدواع ثقافية، إذ نادرا ما يقر الآباء بوجود ابن توحدي، ناهيك عن ضعف البحث العلمي في هذا المجال مع بعض الاستثناءات كالمبادرة التي قامت بها جمعية «هزم الانطواء بالمغرب» مع كلية العلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، حيث تم خلق شهادة الماستر في علم النفس لتكوين أطباء نفسانيين قادرين على وضع برامج في التربية النفسية وتأطير المهنيين، بالإضافة إلى شهادة جامعية لمهنيين في داء التوحد لمساعدة الأطفال والشباب المرضى بهذا الداء. عادة ما تستشير أم المصاب بالتوحد، أمها وجاراتها تم رفيقاتها، قبل أن تطرق باب الطب، حيث تضيع وقتا طويلا في التردد على العشابين والدجالين، مما يزيد من تعقيد الحالة، لاسيما في ظل الغموض الذي يلف الداء. وهو ما جعل عدد مراكز معالجة التوحد قليلة مقارنة بالنمو الديمغرافي للبلاد، وأغلبها بني بمبادرات من جمعيات المجتمع المدني، في الوقت الذي تسند مهمة رعاية هذه الفئة في بلدان أخرى للهيئات الحكومية كوزارة الصحة ووزارة التضامن ثم التربية الوطنية، مع شراكات مندمجة مع قطاعات أخرى، وتتوزع مراكز التصدي للتوحد بين الدارالبيضاء وتمارة والرباط وسلا والجديدة ومراكش وطنجة، ومدن أخرى تنوب فيها جمعيات المجتمع المدني عن الهيئات الحكومية. ابني مصاب بالتوحد إذن أنا رئيس معاناة أسر المرضى وغياب مخاطب قادر على التخفيف من وطأة الداء، يجعل الآباء يلجؤون إلى المثل القائل: «ما حك جلدك مثل ظفرك»، لذا غالبا ما يساهم المعنيون بالداء في تأسيس كيان جمعوي قادر على التصدي للتوحد وفك العزلة عن الأطفال، كما حصل في كثير من الجمعيات التي يرأسها أشخاص يعانون يوميا من قساوة التوحد، فقرروا الانتفاض ضد هذا المرض بعد أن تبين لهم أن «تحرك الدولة بطيء وأن هناك خلطا كبيرا بين التوحد وبقية الأمراض العقلية»، وانتشار مفاهيم مغلوطة حول المرض الذي يحاول البعض ربطه بالحمق أو الصرع، وتحول المصاب بالتوحد إلى مريض معزول يشكل سبة للأسرة، تحاول التخلص منها بأي ثمن، مما دفع العديد من جمعيات المجتمع المدني إلى الاشتغال على الشق المتعلق بالاندماج أثناء تتبعها لحالات التوحديين. يجمع أعضاء المكتب المسير للجمعية المغربية للإنصات والإنماء الشخصي، التي تنشط في مركز للتكفل بالأطفال التوحديين متفرع عن مدرسة ابن عبد ربه الابتدائية بتراب عمالة عين السبع الحي المحمدي، على أن «بعض الأسر لا ترغب في الكشف عن حالات التوحد وتشمئز من تصرفات أطفالها أمام الآخرين، عوض عرضهم على أطباء أو مؤسسات تشتغل في هذا المجال»، وأضافوا أن الجمعية الناشئة تسعى جاهدة لمساعدة الأسر وتتحمل معهم جزءا من هذا الهم، بينما صرح سعيد نخيلي، الكاتب العام للجمعية ل»المساء» قائلا: «هدفنا الآن هو إدماج هذه الفئة من الأطفال كي لا تحرم من التمدرس الذي يعتبر السبيل الأول للإدماج، لدينا شراكات مع نيابة وزارة التربية البدنية بعمالة عين السبع الحي المحمدي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتعاون الوطني، ونسعى إلى توسيع دائرة الشركاء كي يقف المشروع على أسس سليمة، كما نسعى إلى خلق فضاء يقضي فيه الطفل التوحدي يومه إلى جانب مختصين في هذا المرض، حيث يخضع للترويض وتصحيح النطق والتعليم والتتبع الصحي، مع الرهان على التكوين بشقيه: تكوين المربيات أولا، وأفراد الأسر التي يوجد بها أطفال مصابون بالتوحد، وهو أمر ليس هينا في ظل ضعف الاهتمام بهذه الفئة التي تحتاج إلى تضافر جهود الجميع، من قطاعات عمومية وخصوصية ومحسنين». تؤكد الجمعية التي قامت «المساء» بتتبع لقاء لها مع بقية مكوناتها، أن الحرب على المرض تبدأ بالتحسيس به وإنهاء التعامل معه كطابو، وهو نفس الهم الذي ترفعه جمعيات أخرى منخرطة في «تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد»، والذي ترأسه أمينة معاد، التي تردد دوما بأن الكشف المبكر للتوحد يساهم في تقليص المسافات بين الألم والشفاء. جمعيات المجتمع المدني تتحرك القاسم المشترك لدى جمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال التوحد هو ضيق ذات اليد، إلا من رحم ربك، وتعول على دعم القطاعين العام والخاص لإنجاح مخططاتها، لاسيما في ظل تعقد الحالات التي لا تحتاج في التصدي لها إلى مربية مؤهلة فقط، بل إلى مكونات أخرى لتجاوز الصعوبات المطروحة على مستوى التواصل والكلام والقوانين المنظمة للعلاقة بين المؤسسة وأصحاب هذه الاحتياجات، ومعيقات تجعل المريض معفى من ضوابط ومفاهيم الزمان والمكان، فضلا عن إشكالية التكوين والخلط الحاصل في أذهان من يفترض فيهم أن يقلصوا عدد التوحديين ويخرجوهم من عزلتهم الانفرادية وتحويل سلوكاتهم السلبية إلى سلوكات مقبولة كي لا نقول إيجابية. إن إشكالية البحث العلمي وضعف الخزانة المغربية وافتقارها إلى المؤلفات التي تهتم بهذه الفئة يجعل المشتغلين في هذا المجال يلجؤون إلى استيراد الوصفات العلمية من الخارج، في ظل انعدام دراسات مغربية تقدم للجمعيات صورة تقريبية حول الداء، كي لا يظل شعار الدولة في محاربة هذا المرض هو «الوقاية خير من العلاج». مشاهير عانوا من التوحد كثير من المشاهير أصيبوا بهذا الداء، حتى أصبح التوحد مرادفا للنبوغ، لاسيما أن عباقرة في مجالات الفن والأدب ومتوجين بجائزة نوبل عاشوا في نفق العزلة، ومن بين هؤلاء نذكر كلا من بيتهوفن ونيوتن ومايكل أنجلو، وأينشتاين وفان جوخ، وسلتوشي مبتكر شخصية بوكيمون، وموزار وبيرنارد شو. وتحدثت بعض الأنباء عن إصابة الملياردير بيل غيتس بأعراض هذا الداء، وكذلك حفيد ملك التايلاند بومي الذي لقي حتفه في إعصار تسونامي، فضلا عن وجوه فنية، أشهرها شخصية «مستر بين» الشهيرة والتي لعبها الممثل روان أتكينسون، وشخصية بيرت في عالم السمسم وشخصية أليكس كايتون التي لعبها ميشيل فوكس في مسلسل روابط عائلية. وأكثر النوابغ المتوحدين شهرة هو شخصية “جوزيف” في فيلم داستن هوفمان الشهير «رجل المطر». فقد كان جوزيف قادرا على إعطاء حاصل ضرب أي عددين ببعضهما. وعانى الممثل الأمريكي جون ترافولتا كثيرا من إصابة ابنه بالتوحد، حيث كان يعاني من نوبة مرضية كل خمسة إلى عشرة أيام في الشهر.
أعراض الإصابة بمرض التوحد : الشخص المصاب بالتوحد: مقاوم دوما للتغير لديه سلوك استحواذي ونمطي عدواني أحيانا تجاه الذات والآخر انعزالي ويفضل المقاطعة نوبات الغضب تنتابه الضحك والقهقهة دون سبب الاستثارة الذاتية عدم إدراك المخاطر تكرار الكلام بشكل ببغائي السير على أطراف الأصابع
محمد البغدادي : إذا لم يعالج الطفل المصاب بالتوحد يتحول إلى مختل ما هي المشاكل التي تصادفكم في مجال مكافحة داء التوحد؟ «ككل القطاعات التي يمكن أن نصفها بأنها حديثة العهد، فإن العاملين في مجال مكافحة داء التوحد لدى الأطفال يعانون من مشاكل عديدة، كعدم هيكلة القطاع والضعف الملموس على مستوى الموارد البشرية خاصة من الناحية الكيفية، وغياب تكوين مستمر للموارد الحالية فضلا عن غياب التجهيزات الكافية وعدم وجود إرادة قوية للحد من أعداد الأطفال التوحديين، في ظل هذا الوضع يصعب التكفل بهؤلاء الأطفال والتعمق في دراسة أوضاعهم، وابتداع طرق بيداغوجية وتلقينها للمؤطرين الذين اختاروا العمل الشاق مع هذه الفئة، لكن كل هذه المشاكل يجب ألا تقف عائقا في وجهنا وتمنعنا من التصدي للمرض الذي يهدد أطفالنا، فنحن نقتسم مع الأسر المغربية التي تضم طفلا توحديا هذا الهم ونأمل أن نوفق في أهدافنا». لماذا تصارع جمعيات المجتمع المدني وحدها في ظل دعم محتشم من القطاعات المعنية، كالصحة العمومية والتعليم والتضامن؟ «في الغالب، نجد أن رئيس الجمعية التي تهتم بشؤون الأطفال الذين يعانون من التوحد، يكون لديه طفل توحدي، أو ظهرت عليه أعراض التوحد، لهذا فهو لا ينتظر أن تعلن الحكومة عن تأسيس هيئة تهتم بهذه الفئة، لذا يبادر بعد التقائه أشخاصا لهم نفس الهموم إلى إنشاء جمعية تعالج أو تحد من المرض وهذا هو الهدف من جمعيات المجتمع المدني في كثير من القطاعات، فنحن في زمن التخصص وبدأنا نشاهد ونسمع عن ميلاد جمعيات تهتم بهذا النوع من المرض بعد أن كان المصاب بالتوحد في السابق ضمن خانة المختل، الآن الأمور تغيرت، هناك إرادة وطنية لتمكين هؤلاء الأطفال من حق التعليم والتكوين والاندماج في المجتمع كبقية الأسوياء، والتصدي مبكرا للتوحد لأنه كلما تغاضينا عنه وتعاملنا مع الطفل التوحدي بنوع من اللامبالاة فإنه يتحول إلى اختلال عقلي يصعب التصدي له». ما هو سبب ارتباط التوحد بالطفولة ألا يوجد شباب توحدي مثلا؟ «ارتبط مرض التوحد بالطفولة لأن اكتشاف المرض يكون في الغالب مبكرا في فترات النمو الأولى، حيث يتبين أن المولود يعاني من مشكل على مستوى تطور بنائه، لكن هناك مراهقون يعانون من التوحد ذكورا وإناثا، هذا المرض لا يستثني أحدا ويصيب حتى الكبار، قبل عشرين سنة لا أحد كان يتحدث عن التوحد، وكانت كل الأمراض ذات الارتباط بالعقل البشري تجعل المريض مختلا، حتى مجرد حصول مشكلات في التواصل وفي الطاقات الفكرية ومكوث الشخص في قوقعة صغيرة يعتبر مؤشرا على التوحد، من هذا المنبر أقول إن الجمعية العاملة في هذا المجال بالرغم من إشكالياتها البشرية والمادية ومسألة جودة خدماتها أفضل بكثير من احتجاز الطفل في البيت، تغيير الفضاء مطلوب خاصة في عملنا مع هذه الفئة».