كانت الفرحة تغمر قلب "سلوى" كأي أم تنتظر مولودها الأول، غير أن سعادتها لم تدم طويلا بعد أن اكتشفت أن طفلها مصاب بالتوحد، لتسيطر عليها مشاعر الخوف والقلق وأسئلة كثيرة حول طبيعة هذا المرض وكيفية التعامل معه. لاحظت "سلوى" في البداية أن طفلها كان منطويا على نفسه وتنتابه أحيانا نوبات غضب دون وجود سبب معين، إضافة إلى وجود صعوبات على مستوى التواصل والتفاعل مع الآخرين بسبب عدم قدرته على التعبير وعلى الكلام. وبعد استشارة عدد من الأطباء، أكد التشخيص أن الطفل مصاب بالتوحد، الذي يعد إحدى حالات الإعاقة التي تمنع المخ من استيعاب المعلومات وكيفية معالجتها، وتؤدي إلى حدوث مشاكل لدى الطفل على مستوى التواصل بمن حوله. معاناة سلوى مع طفلها المصاب بالتوحد نموذج لمعاناة الكثير من الأسر، خاصة مع انتشار مفاهيم مغلوطة حول هذا المرض الذي يتم ربطه في بعض الحالات بالجنون أو الصرع، كما أن نظرة المجتمع تدفع بعض الآباء إلى عزل الطفل التوحدي عن محيطه الشيء الذي يؤدي إلى تفاقم المشكل لديه. وفي هذا الإطار، يقول محمد أب لطفلة مصابة بالتوحد أن "بعض الأسر لا ترغب في إظهار أطفالها ويخجلون من تصرفاتهم أمام الآخرين، وعوض عرضهم على أطباء يلجؤون أحيانا إلى الشعوذة مما يجعل المشكل أكثر تعقيدا". وأضاف "نحن بحاجة إلى حملات تحسيسية طيلة السنة لكسر الطابو حول هذا المرض والتعريف به وتقاسم معاناة الأسر وعدم الاقتصار على الأنشطة التي تنظم بشكل مناسباتي خاصة مع اقتراب الاحتفالات باليوم العالمي للتوحد, كما يجب تسليط الضوء عليه من خلال عقد مجموعة من اللقاءات لتوجيه الآباء والأمهات بخصوص كيفية التعامل مع أبنائهم المصابين". * المصابون بالتوحد: مشاكل وتحديات أما بخصوص الجهة المعنية بالرد على هذه التساؤلات، فتقول مينة معاد رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، أن الأسرة تقوم بدور مهم في مساعدة طفلها المصاب بالتوحد، بدءا من عدم الشعور بالإحراج إزاء هذا الطفل، إلى إشراكه في كافة مناحي الحياة وتنمية شخصيته. وأوضحت معاد أن دور الأسرة يتمثل في تعلم الأساليب والطرق المناسبة للتعامل مع الطفل التوحدي لأنه قادر على الاندماج في المجتمع إن هو تلقى معاملة خاصة. وأكدت أن التشخيص المبكر للتوحد له أهمية كبرى في التدخل المبكر لتأهيل وتعليم الطفل المصاب به، مما يؤدي إلى نتائج جيدة تأخذ بيد الطفل المتوحد وتدمجه في المجتمع وتجعله معتمدا على نفسه مما يخفف العبء عن أسرته. وأشارت إلى أن مستويات التوحد تختلف من طفل لآخر، فهناك أطفال لديهم توحد حاد وآخرون لهم توحد خفيف، يقدرون على التفاعل مع البرامج التربوية بسرعة، وتلاحظ ردود فعل إيجابية نتيجة لتلك البرامج. وشددت أن الأطفال التوحديين يحتاجون إلى الدعم والمساعدة من خلال التآزر والتضامن معهم وتعزيز الرغبة في خدمتهم والدفاع عن كافة حقوقهم، معتبرة أن من حقهم التمتع بحياة طبيعية وتجاوز قلة الوعي التي تقف حاجزا بينهم وبين باقي الأطفال. * الأدوية المتوفرة حاليا مجرد مسكنات في غياب علاج فعال وإذا كانت الأدوية لم تعط أية نتائج يمكن الاعتماد عليها للقضاء على التوحد، غير أنها تستعمل للتخفيف من حالات الاكتئاب التي تصيب بعض الأطفال المصابين به أو حالات النشاط المفرط التي تصيب البعض الآخر. كما أن التدريبات التربوية قد تساعد الطفل التوحدي على تطوير قدراته اللغوية والتواصلية مع محيطه، على الرغم من كون الكثير من المصابين بهذا المرض لا يستطيعون الحصول على الاهتمام الذي تشتد حاجتهم إليه في مراكز متخصصة لارتفاع كلفة الرعاية وقلة الدعم لهذه الفئة من المجتمع. وبسبب طبيعة التوحد، الذي تختلف أعراضه من طفل لآخر، فإنه ليست هناك طريقة معينة تصلح للتخفيف من أعراض التوحد في كل الحالات. وقد أظهرت البحوث والدراسات أن معظم الأشخاص المصابين بالتوحد يستجيبون بشكل جيد لبرامج العلاج السلوكي، وتنمية المهارات الاجتماعية على أن يشرف على هذه البرامج أخصائيون مدربون بشكل جيد وبطريقة شاملة.