لماذا ظل اليهود المغاربة مرتبطين بالمغرب رغم أنهم غادروه مبكرا وأقاموا في عدة دول من العالم؟ وكيف نفسر هذا التسامح بين اليهود والمسلمين في المغرب؟ ولماذا تتقوى اليهودية المغربية في كل منطقة من العالم على الرغم من أن عدد اليهود المغاربة في تراجع مستمر؟ إنها مجموعة من الأسئلة التي هيمنت على أشغال الندوة حول «اليهودية المغربية الحديثة ومغرب الغد» التي دعت إليها، أمس الخميس، جمعية «12 قرنا في حياة مملكة». سيرج بييرديغو، السفير المغربي المتجول والكاتب العام للطائفة اليهودية بالمغرب، يقول، في عرض افتتاحي لهذه الندوة، إن هناك سببا له بعد مؤسساتي هو الذي يفسر تشبث اليهود المغاربة بمغربيتهم. وحدد بييرديغو هذا البعد في «كون الملك في المغرب هو أمير للمؤمنين». والمؤمنون، حسبه، ليسوا هم المسلمين المغاربة فقط، وإنما يدخل ضمنهم اليهود أيضا وكل ذوي الديانات التوحيدية. وهو ما يعني أن الملك، كما يقول بييرديغو، تقع عليه مسؤولية الواجب الروحي لحماية اليهود قبل أن يشير في هذا السياق إلى أن الصفحات السوداء من حياة اليهود المغاربة في تاريخ المغرب هي تلك التي تزامنت مع فترات ضعف المؤسسة الملكية. وتوقف بييرديغو عند عامل آخر كان وراء هذا التعايش الحاصل بين المسلمين واليهود في المغرب، وهو الإسلام نفسه. فبالنسبة إليه، الإسلام يتيح لليهود ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم الدينية والمشاركة في الحياة العامة لبناء الوطن بدون مركب نقص. والمؤشر في هذا الاتجاه أن اليهود المغاربة امتهنوا عدة حرف، بينها الصناعة التقليدية والطب...، بل إن بعض اليهود المغاربة اشتغلوا في الجندية وحاربوا مع طارق بن زياد في الغزو العربي للإسبان خلال العصر الذهبي للأندلس. وفي نفس السياق سارت الكلمة المقتضبة التي ألقاها محمد القباج، والي الدارالبيضاء، في هذه الندوة قبل أن ينسحب على عجل لمهام أخرى تنتظره. القباج قال في كلمته إن المغرب من الدول القليلة جدا التي لم يمتهن فيها اليهود المغاربة فقط التجارة وبعض التخصصات العلمية، وإنما مارسوا حتى المهن البسيطة جدا وهي الفلاحة في كل مناطق المغرب. وهذا، بالنسبة إلى القباج، واحد من أسرار هذا التعايش بين اليهود والمسلمين في المغرب، لكنه أشار، في المقابل، إلى وجود مشكل يعترض إبراز هذا التسامح الديني في المغرب، وهو المشكل المتعلق بقلة الباحثين والمتخصصين في تقديم هذا الإرث الثقافي المشترك إلى عموم المغاربة بكل انتماءاتهم الدينية. وخيمت على أشغال هذه الندوة ظلال أحداث 16 ماي التي هزت منشآت بالدارالبيضاء قبل 5 سنوات، عندما أشار بييرديغو في عرضه الافتتاحي إلى أن المجموعة اليهودية كانت مستهدفة في هذه الأحداث، في إشارة إلى أن الانتحاريين استهدفوا منشآت خاصة باليهود المغاربة، وهي المقبرة اليهودية بالمدينة القديمة والمعبد اليهودي طالتها هذه التفجيرات. وقال بييرديغو إن اليهود المغاربة لم يستسلموا للخوف والرعب عقب هذه الأحداث، لأنهم يدركون جيدا أن الدولة في المغرب قادرة على حماية جميع رعاياها، بدون تمييز، وحماية ممتلكاتهم وقيمهم. ويفترض أن تكون هذه الندوة قد اختتمت أشغالها مساء أمس بعروض حول اليهودية في المغرب، كانت قد تمت برمجة إلقائها من قبل كل من أحمد عبادي رئيس رابطة علماء المغرب والسفير المتجول حسن أيوب وشمعون ليفي القيادي في التقدم والاشتراكية والستشار الملكي أندري أزولاي وأحمد بوكوس رئيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.