هناك ثلاث مراحل حكمت مسار العلاقة بين الدولة والتيار السلفي في المغرب منذ الاستقلال: مرحلة التعايش ومرحلة التوظيف ومرحلة المواجهة. تتحدد مرحلة التعايش في الفترة الممتدة بين سنتي 1956 و1979، فالسلطة السياسية في المغرب كانت تتعايش مع مختلف التعبيرات الدينية وتوفر لها شروط العمل، وذلك انطلاقا من اعتبارين، أولهما اعتماد الملكية المغربية على مشروعية دينية تكرست دستوريا لأول مرة سنة 1962، وثانيهما انتهاج سياسة دينية مرتكزة في جوهرها على تأمين التعايش بين الإسلام الشرعي والإسلام الشعبي. تعايشت السلطة السياسية مع السلفية الوهابية بالسماح لها بالاشتغال بكامل الحرية بسبب طبيعة العلاقة بالمؤسسة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، حيث وجد البلدان نفسيهما مضطرين إلى التعاون من أجل مواجهة المشروع الناصري الذي كان يهدد الأنظمة الملكية في المنطقة العربية. وفي مواجهة هذا التهديد، عمل البلدان -إضافة إلى الأردن- على الدفاع عن فكرة الجامعة الإسلامية ضدا على إيديولوجية القومية العربية التي كان يطرحها جمال عبد الناصر. بعد خلافة أنور السادات لجمال عبد الناصر سنة 1970 وسعيه إلى طمس معالم المشروع الناصري، سعت الملكيات العربية إلى قيادة العالم العربي، حيث حاولت أن تعيد تكييف فكرة الجامعة الإسلامية لتتلاءم مع إيديولوجية القومية العربية؛ كما أن حرب أكتوبر سنة 1973 أعلنت عن ميلاد قوة خليجية بترولية بزعامة المملكة العربية السعودية؛ ففي ظل هذه المتغيرات الجديدة وجد المغرب نفسه أكثر ارتباطا بهذه القوة الخليجية الجديدة والتي لم تمنح دعمها المالي دون مقابل، ففتح الباب لاستقبال الأفكار الوهابية، حيث سجل أصحاب هذه الأفكار حضورهم بشكل قوي، سواء من خلال الوقوف وراء بناء المساجد أو استقبال شباب مغاربة للدراسة في بلاد الحرمين بعد الحصول على تزكية ممثلي الوهابية في المغرب، أمثال الشيخ تقي الدين الهلالي، أو تأسيس الجمعيات، ومن أهمها جمعية «الدعوة إلى القرآن والسنة» التي أسسها محمد بن عبد الرحمان المغراوي سنة 1975. تتحدد مرحلة التوظيف في الفترة الممتدة بين سنتي 1979 و2000؛ ففي هذه المرحلة سعت السلطة السياسية إلى التوظيف السياسي للسلفية الوهابية لتواجه المتغيرات الجديدة ذات الصلة بالشأن الديني، إذ وجدت السلطة في الإيديولوجيا الوهابية الوسيلة الفعالة لتحقيق هدفين: - يتعلق الهدف الأول بمواجهة المد الشيعي المرتبط بوصول رجال الدين إلى السلطة في إيران سنة 1979، حيث بدأ قائد الثورة والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله الخميني بالترويج لمقولة «تصدير الثورة»، وكان لذلك صدى في المغرب، حيث ظهرت مجموعات صغيرة تشيد بالثورة الإيرانية ورجالها كما عبرت عن ذلك المنشورات التي وزعت في مدينة مراكش شهر يناير 1984 بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي بالدار البيضاء أو الحديث عن قيام مجموعة من المغاربة ب«بيعة» الخميني، وفي هذا السياق قام العلماء المغاربة بإصدار فتوى تضع آية الله الخميني خارج دائرة الإسلام، ففي إطار هذا الصراع بين مرجعية إمارة المؤمنين السنية ومرجعية ولاية الفقيه الشيعية، كانت مراهنة السلطات المغربية على السلفية الوهابية باعتبارها الإيديولوجيا الأكثر مناهضة للتشيع؛ - يرتبط الهدف الثاني باحتواء تنامي المد الإسلامي، وكان ذلك من خلال واجهتين، الأولى ذات ارتباط بالتحولات التي طالت هيئة العلماء المغاربة، حيث أصبح الكثير منهم أقرب إلى جماعات الإسلام السياسي في مواقفهم المنتقدة للسياسة الدينية للدولة، سواء من داخل «رابطة علماء المغرب» أو من خلال «جمعية علماء خريجي دار الحديث الحسنية»؛ والثانية ذات صلة بالاختراق الذي حققته «جماعة العدل والإحسان» داخل المجتمع، حيث بدأت مواقفها تثير قلق السلطات العمومية. تمثلت أولى تجليات الحضور السلفي الوهابي في تمكين العديد من المغاربة الذين درسوا في المملكة العربية السعودية من الالتحاق بهيئة التدريس الجامعي في شعب الدراسات الإسلامية التي استحدثت في كليات الآداب والعلوم الإنسانية المغربية ابتداء من سنة 1981؛ كما سجل هذا الحضور من خلال إلحاق الوهابيين المغاربة بالمجالس العلمية الإقليمية، إضافة إلى تكليف بعضهم بالإمامة والوعظ في المساجد. خلال هذه المرحلة وبعد تراجع إشعاع الثورة الإيرانية، ركز السلفيون المغاربة خلال التسعينيات من القرن الماضي حربهم على «جماعة العدل والإحسان». وفي هذا السياق، صدرت العديد من الكتابات، مثل مؤلف محمد بن عبد الرحمان المغراوي «الإحسان في اتباع السنة والقرآن لا في تقليد أخطاء الرجال» ومؤلف محمد الفيزازي «رسالة الإسلام إلى مرشد جماعة العدل والإحسان» ومؤلف عمر حدوشي «الجهل والإجرام لجماعة العدل والإحسان». حظيت السلفية الوهابية بتشجيع الدولة خلال هذه المرحلة، حيث سمح لها باحتلال العديد من المواقع ذات الحساسية الدينية البالغة، ولم ينف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق «عبد الكبير العلوي المدغري» هذا التشجيع، وهو الرجل الذي أشرف عمليا على تدبير هذه المرحلة، غير أنه حمل مسؤولية هذا التشجيع في كتابه «الحكومة الملتحية» لوزارة الداخلية في عهد إدريس البصري وليس لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. تتحدد مرحلة المواجهة في الفترة الممتدة بين سنتي 2001 و2010. أكيد أن الاعتداءات التي استهدفت الولاياتالمتحدةالأمريكية هي التي دفعت السلطات المغربية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير لاحتواء تداعيات التحول داخل التيار السلفي والذي أصبح يتشكل من توجهين متصارعين: توجه تقليدي وتوجه جهادي، هذه التدابير التي سرعت وتيرتها اعتداءات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء. غير أن هذا لا يعني أن السلطات المغربية، ارتباطا بالتحولات الدولية والإقليمية، لم تبد توجساتها من هذا التيار حتى قبل اعتداءات 2001، وكانت هذه التوجسات مرتكزة على اعتبارين: - يتجسد الاعتبار الأول في تتبع مسار تشكل سلفية جهادية مغربية في الخارج، سواء في بريطانيا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي حيث كان هناك مغاربة جهاديون يدعمون «الجماعة الإسلامية المسلحة» الجزائرية أو يعملون في صفوف «الجماعة الليبية المقاتلة»، أو في أفغانستان حيث توفرت مجموعة من المعطيات حول تشكيل «الجماعة المغربية المقاتلة» سنة 1998. - يتجلى الاعتبار الثاني في تحول خطاب بعض رموز التيار السلفي المغربي، حيث نحا نحو ما اعتبره الكثيرون غلوا أو تطرفا، فبدءا من سنة 1998 أصدر زكريا الميلودي مؤلفين: «مراتب الولاء والبراء» و«مراتب الكفر بالطاغوت»، وفي سنة 2000 أصدر عمر حدوشي كتابه: «إخبار الأولياء بمصرع أهل التجهم والإرجاء»، وفي نفس السنة أصدر محمد الفيزازي مؤلفه: «لماذا لا نشارك في الانتخابات الديمقراطية»، وفي سنة 2001 أصدر عبد الكريم الشاذلي كتابا بعنوان: «فصل المقال في أن من تحاكم إلى الطاغوت من الحكام كافر من غير جحود ولا استحلال»، كما أصدر عصام البشير سنة 2002 كتابه: «شرع الله ليس غلوا» وأصدر محمد بوالنيت مؤلفه: «عقيدة السلفيين في ميزان أهل السنة والجماعة».