المجلس العسكري وحكومة الجنزوري والبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء ونادي القضاة مطالبون الآن، وليس غدا، بالإجابة عن ألف سؤال وسؤال يفسر لنا الإفراج المخجل عن المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي، الذي أهان مصر، بشعبها وقضائها، وطعن استقلالها وسيادتها وكبرياءها الوطني وأمنها القومي، وكشف خضوعها المهين للولايات المتحدة، وتواطؤ حكامها معها. تبتلى الأمم في تاريخها الطويل بغاز يغير عليها من الخارج، وحاكم يستبد بها من الداخل، وفي هذه الحالات يتعين على الشعب العمل. الفقه الإسلامي يجمع على أنه «إذا أغارت دولة معتدية على دولة مسلمة يصبح من حق الابن أن يخرج دون إذن أبيه، ومن حق الزوجة أن تخرج دون إذن زوجها للمشاركة في صد المعتدي، فإذا لم يكف هذا، فيجب على أقرب دولة أن تمدها بالمدد الذي يكفي، فإذا لم يكف يكون من واجب الدول الأخرى التدخل». بهذه الروح الجهادية استطاع العالم العربي أن يتحرر من الأغلال التي وضعتها أوربا عليه عقب الحرب العالمية الأولى في المغامرات الاستعمارية، فقاومت الجزائر تحت إمرة الأمير عبد القادر، وحاربت ليبيا بقيادة الشهيد عمر المختار، وحارب المهدي في السودان وطرد الإنجليز، واشتعلت في مصر ثورة 1919. وخلال المنافسة الاستعمارية بين فرنسا وإنجلترا، ظهرت فكرة الاستعانة بفرنسا ضد بريطانيا، وظهر مصطفى كامل في باريس يحمل صورة لمصر الفرعونية وهي تطلب نصرة فرنسا التي تمثل الحضارة الحديثة، على أن فرصة مصطفى كامل حانت سنة 1906 عندما أساء اللورد كرومر، المعتمد البريطاني، التصرف بتكوين محكمة دنشواي. ودنشواي قرية مصرية اشتهرت بأبراج الحمام، حاول عدد من ضباط الجيش الإنجليزي اصطياد الحمام فيها، فطاشت رصاصة وكادت تشعل حرائق في الأجران، ونشبت مشاجرة بين الإنجليز والأهالي، فمات أحدهم وأصيب آخرون، فأمر اللورد كرومر بتكوين محكمة مخصوصة تعقد جلساتها في دنشواي وتحاكم الفلاحين، وعقدت المحكمة فيها وحكمت على اثنين بالموت شنقا وعلى آخرين بالسجن والجلد ونفذت الأحكام أمام الأهالي. انتهز مصطفى كامل الفرصة وأثار أوربا على بريطانيا حتى اضطرت إلى سحب اللورد كرومر، وكان هذا انتصارا لأن كرومر كان من أكبر بناة الإمبراطورية. على أن التطورات الجسيمة التي تعرض لها العالم، وبوجه خاص أوربا وأمريكا، وبوجه خاص بعد الحرب العالمية الثانية غيرت صورة العلاقات الدولية تغييرا جسيما، فقد قامت الأممالمتحدة بدور فعال، مستفيدة من أخطاء عصبة الأمم السابقة عليها، وأصبح بها عدد كبير من الوكالات المتخصصة، كما ظهرت هيئات أهلية تحمل أسماء كبار الرأسماليين الذين أوصوا بأموالهم لتحقيق مشروعات في دول العالم الثالث، بل ظهرت معاهد وضع القرار والسياسات التي يقوم عدد من أساتذة الجامعات وكبار رجال السياسة الملحقين بها بالدراسة والتوصيات تخلصا من البيروقراطية الحكومية، وظهرت فروع لهذه الوكالات والهيئات، وبقدر ما كانت المشاكل تحتدم بين الدول بعضها البعض كانت الحاجة شديدة إلى هذه المنظمات، سواء كانت في أعقاب الحروب أو النكبات الطبيعية، وأصبح لها دور كبير في الممارسات الدولية. وانفتح هذا الباب أمام الدول النامية وحرصت على أن تستفيد منه، لكن العمل في هذه الهيئات كان عسيرا، وكان بالطبع يتطلب إحكاما تاما للغتين الإنجليزية والفرنسية تحدثا وكتابة، والإلمام بالأوضاع على الطبيعة وطريقة كتابة التقارير. وبالطبع، فإن تأييد هذه الوكالات والهيئات ومعوناتها كان يصب بالدرجة الأولى في إسرائيل التي كانت الدولة المدللة. وفى إحدى هذه المؤسسات، لمس العاملون والمتابعون لنشاط الوكالات الدولية نشاطا متزايدا في الدول العربية، وبالذات فلسطين المنكوبة والدول المحيطة بها، والتي لا تنقصها المشاكل، مثل العراق ولبنان وسوريا، وكان سر ذلك أن إحدى مديرات هذه المؤسسة كانت ذات أصول عربية تلك هي الدكتورة بسمة قضماني، وهي سيدة مؤصلة في النسب العروبة، فقد كان أبوها سياسيا وفيلسوفا عريقا عرف طوال حياته بوطنيته وعروبته، وتزوجت من فلسطيني من عائلة مناضلة قدمت الكثير من الضحايا، وعملت السيدة بسمة قضماني في شبابها مع الرئيس ياسر عرفات، كما اشتغلت يدا في يد مع المرحوم فيصل الحسينى والمناضل الأسير مروان برغوثى. كيف استطاعت سيدة بهذه المواصفات العربية أن تصل إلى مركزها الرفيع لولا أنها ذات كفاية ممتازة، فهي تجيد اللغتين وتحسن وضع التقارير، وهي ذات جلد على العمل تعمل سبع أو ثماني ساعات في قضية، لتنتقل إلى قضية أخرى تقضى فيها ثلاث أو أربع ساعات، وهي سيدة بسيطة صريحة بعيدة عن كل تعال أو ادعاء. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، توصلت إلى تكوين مجموعة ضغط مؤلفة من سياسيين أوربيين، بينهم وزراء ورؤساء جمهورية، للدفاع عن المصالح المشروعة للدول العربية. نتيجة لهذا، اختارها المجلس الوطني الفلسطيني، بزعامة الدكتور برهان غليون، للتحدث باسمه. تصوروا أن هذه السيدة المعجزة تتعرض لمحاولة تشويه من شائنين نشروا مقتطفات مركبة وممنتجة من برنامج تلفزيوني فرنسي لها بطريقة تسيء إليها. عزيزتنا وحبيبتنا د. بسمة.. لا عليك، فإن أعداء النجاح مهما عملوا فستظلين «أيقونة» العمل الجهادي. العمال وقانون النقابات سمعت أن الهيئات المختصة قد قاربت الانتهاء من وضع قانون للعمال أو النقابات. ولست أدري على أي أساس قامت بعملها. وعندما كان الدكتور البرعي وزيرا فإنه أراد أن يصحح الوضع النقابي المشوه من أربعة عقود، والذي جعل مصر زبونا دائما على القائمة السوداء في منظمة العمل الدولية، ذلك أن النقابات من أهم التنظيمات في المجتمعات الأوربية، فمعظم هذه الدول تقوم بها النقابات، لأنها تسوي مشاكلها ما بينها وبين الإدارات، باعتبار أنها الهيئة المشروعة التي تمثل العمال في كل علاقات العمل، ولم تكن الكتابات الأوربية نفسها في حاجة إلى الإشارة إلى الحرية النقابية، فالحرية النقابية إنما ظهرت بفضل الحرية، ولا يمكن أن تعمل هذه النقابات إلا في جو من الحرية، فالحرية النقابية بفضل الجهود البطولية للعمال. كوّن العمالُ النقابات التي عملت على تعزيز حريتها النقابية حتى ظفرت بالحرية النقابية 87 لسنة 1948 من منظمة العمل الدولية، ومصر مصدقة على هذه الاتفاقية، وأول مادة فيها تنص على أن للعمال الحق في تكوين النقابات دون حاجة إلى تسجيل أو تدخل من الدولة وأصحاب الأعمال، كما تنص مواد لاحقة على تحريم الحل الإداري لها وحقها في تكوين اتحادات، ثم وضعت الاتفاقية 98 لسنة 1949 وهي التي تنص على حرية النقابات في إجراء اتفاقيات جماعية مع أصحاب العمل. وعلى أساس هاتين الاتفاقيتين قامت النقابات في العالم كله. وعندما بدأ العمال المصريون في تكوين النقابات في مستهل القرن التاسع عشر، فإنها قامت بالإرادة الحرة للعمال، أي أن العمال في أي مصنع يزيد عماله على خمسين عاملا يمكن أن يكوّنوا نقابة، فكان التنظيم النقابي حرا من تدخل الدولة. وإنما جاء التدخل مع «الناصرية» التي أرادت أن تهيمن على الحركة النقابية، فوضعت القانون رقم 319 لسنة 1952. وفي سنة 1959 عندما بدأ التحول الاشتراكي، صدر القانون رقم 91 لسنة 59 الذي جعل النقابات تقوم على أساس الصناعة وليس المهنة، وبهذا أصبح عدد النقابات 1159. وفي عامي 1962 و1964 وضع قانون جعل العضوية في الاتحاد الاشتراكي شرطا لإمكان الترشيح لمناصب القيادة النقابية، وبهذا ربطت الحركة النقابية بالإدارة السياسية، فإذا غضبت على زعيم نقابي فإنها تسحب منه العضوية في الاتحاد الاشتراكي، حتى تسقط صفته النقابية. إننا نسأل السادة المختصين: هل ستعيدون نظام النقابات العامة الفاسدة والقادة الذين قاوموا ثورة 25 يناير واشتركوا في معركة الجمل ولا يزال رئيسهم «مجاور» سجينا؟! جمال البنا