يعيش حزب النور السلفي المصري، ثاني قوة سياسية في بلاد الكنانة، على وقع فضيحة مدوية باتت تهدد مصداقيته لدى الشعب المصري، وقد تمس بحظوظه في الانتخابات الرئاسية المصرية المرتقبة نهاية فصل الربيع المقبل. أنور البلكيمي، العضو السابق بمجلس الشعب، ادعى في وقت سابق أنه تعرض لمحاولة اغتيال أصيب على إثرها في أنفه، ثم تبين في وقت لاحق أنه أجرى عملية تجميلية لأنفه ولم يتعرض لأي اعتداء. الفضيحة أطاحت بالبلكيمي من مجلس الشعب، وأصبح مهددا بالسجن في حالة ما قرر القضاء المصري إدانته بتهمتي إزعاج السلطات والبلاغ الكاذب. هل تضع كذبة النائب السلفي بمجلس الشعب المصري أنور البلكيمي، الذي أجرى عملية جراحية، وادعى تعرضه لمحاولة اغتيال، حدا للمفاجأة المدوية التي فجرها حزب النور السلفي في الانتخابات التشريعية الأولى ببلاد الكنانة بعد انهيار نظام الرئيس السابق حسني مبارك؟ البلكيمي ادعى تعرضه لمحاولة اغتيال وسطو مسلح سلب منه على إثرها مبلغا ماليا يصل إلى 100 ألف جنيه مصري وضرب بقوة على أنفه حتى تهشم. وقد بادر البلكيمي إلى تقديم شكاية في الموضوع ضد مجهول أمام المصالح الأمنية المصرية قبل أن يظهر على شاشة التلفزيون ليشرح قصة محاول الاغتيال المفبركة. بدا البلكيمي حينها واثقا من أقواله، متأثرا جراء ما تعرض له، لكن تبين بعد ساعات قليلة من كشفه عن عملية الاغتيال المزعومة أنه لم يتعرض لأي محاولة اغتيال، وأنه في واقع الأمر أجرى عملية جراحية على أنفه. الفضيحة فجرها مدير المستشفى، الذي أجرى فيه النائب السلفي العملية الجراحية في الأسبوع الأخير من شهر فبراير المنصرم. المسؤول الطبي أكد أن البلكيمي أصر على مغادرة المستشفى ليلا بعيد ساعات قليلة من خروجه من غرفة العمليات، وأصر على تنبيه جميع العاملين في المستشفى بضرورة إبقاء هذا الموضوع طي الكتمان قبل أن يفاجئ الجميع بخرجة إعلامية يدعي فيها تعرضه للاعتداء من قبل من أسماه «البلطجية»! إلى حدود الساعة، لم تتضح بعد جميع حيثيات هذه القضية، التي نعتتها الصحافة المصرية ب«الفضيحة»، وصنفتها وسائل الإعلام الدولية في خانة الأخبار الطريفة. الأكيد أنها ستأخذ أبعادا جديدة ومتفرعة. إذ بالإضافة إلى حزب النور، الذي ينتمي إليه البلكيمي، يشهد مجلس الشعب نقاشا قويا حول هذه القضية /«الفضيحة»، وينتظر أن يصدر في أعقابه قرار بإقالة البلكيمي من مجلس الشعب. كما يتوقع أن تدخل النيابة العامة المصرية على الخط لتحريك المتابعة القضائية في حق البلكيمي بعد التقصي في القضية لكشف جميع حيثياتها، ولا يستبعد أن يجد النائب السلفي نفسه في مواجهة أحكام بالحبس إذا ما أقر القضاء المصري إدانته في هذه القضية. شوط البلكيمي بدا البلكيمي في غاية التأثر عندما كان يقص أمام وسائل الإعلام المصرية كيف تم الاعتداء عليه من قبل «البلطجية» في محاولة لاغتياله، قبل أن يكتفوا بتهشيم أنفه وسلبه مبلغا ماليا يصل إلى 100 ألف جنيه مصري. لم يكن هناك في البداية أي شك بخصوص أقوال النائب السلفي. العضو الإسلامي في مجلس الشعب المصري كان يتحدث بكل ثقة، مدعوما ببيان ناري من حزبه يحمل مسؤولية ما تعرض له البلكيمي لوزارة الداخلية، نتيجة عملية السطو المسلح التي تعرض لها فجر يوم 25 فبراير الجاري على الطريق الصحراوي الرابط بين القاهرة والإسكندرية. ولم يكتف البلكيمي بالكشف عن «تفاصيل» محاولة الاغتيال المزعومة، وإنما انبرى لسرد الطريقة التي وصل بها إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الأولية قبل الخضوع لعملية جراحية في الأنف، دون أن يأتي على ذكر كلمة «عملية جراحية» لسبب بديهي يتمثل في كون التيار السلفي يحرم هذا النوع من التدخلات الجراحية. وتوالت بعد ذلك بيانات التنديد والاستنكار لاستهداف ممثل للأمة في مجلس الشعب، خصوصا أن «الضحية» استطاع في الانتخابات التشريعية الأولى بعد سقوط النظام السابق الظفر بمقعد ذي رمزية ودلالة قويتين، لأن البلكيمي فاز بمقعده عن الدائرة نفسها التي كان يترشح فيها عادة أحمد عز، أحد الأصدقاء المقربين من جمال، نجل الرئيس المخلوع مبارك. أكثر من ذلك، بلغت الأصوات المنددة بهذا الحادث ذروتها لأنه يعتبر الثالث من نوعه في أقل من أسبوع ضد سياسيين وبرلمانيين بارزين. الحادثان الأولان راح ضحيتهما كل من عبد المنعم أبو الفتوح، أحد المرشحين البارزين لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، وحسن البرنس، عضو مجلس الشعب. وحمل أشد البيانات تنديدا بما تعرض له البلكيمي توقيع حزب النور السلفي، الذي يمثل البلكيمي في مجلس الشعب. الحزب السلفي، الذي خلق مفاجأة كبرى في الانتخابات التشريعية المصرية السابقة بتمكنه في أول تجربة انتخابية له من فرض نفسه في موقع القوة السياسية الثانية بعد حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وجه انتقادات لاذعة إلى وزارة الداخلية المصرية واتهم مصالحها ب»التقصير المتعمد في حماية الأمن»، قبل أن تنفلت الأمور من سيطرة البلكيمي ويجد سلفيو حزب النور أنفسهم في موقف حرج. كشف المستور لم تدم الهجمة التي شنها السلفيون ضد وزارة الداخلية سوى أقل من يوم واحد. غداة الخرجة الإعلامية المدوية للبلكيمي، تفجرت على نحو مفاجئ معطيات جديدة نسفت رواية النائب السلفي المتحدث عن محاولة اغتيال. لم يتردد مدير مستشفى التجميل، الذي أجرى فيه البلكيمي العملية الجراحية، في التوجه في اليوم الموالي للخرجة الإعلامية للبلكيمي إلى مكتب للنيابة العامة قرب مقر إقامته ليكشف المستور.وهو ما وضع السلفيين أمام مدفع الانتقادات. المسؤول الطبي نفسه أكد أمام النيابة العامة أن البلكيمي أجرى عملية جراحية في المستشفى وظل فيه ساعات قبل أن يقرر على حين غرة مغادرته بعد تنبيه جميع العامين إلى ضرورة إبقاء موضوع إجرائه عملية تجميلية طي الكتمان. البلكيمي برر تقدمه بهذا الطلب بخشيته من رد فعل زملائه في حزب النور على اعتبار أن السلفيين يحرمون هذا النوع من التدخلات الجراحية. وكشف مدير المستشفى أيضا أن الضمادات التي ظهر بها النائب السلفي أمام وسائل الإعلام، مدعيا تعرضه لمحاولة اغتيال، هي الضمادات نفسها التي وضعها له بيديه بعد انتهاء العملية. ولم يتوقف تكذيب رواية البلكيمي عند نفي محاولة الاغتيال وتأكيد خضوع النائب السلفي لعملية تجميلية لأنفه، بل انضم إلى «الفاضحين» أيضا طاقم طبي من مستشفى الشيخ زياد بالقاهرة، الذي ادعى البلكيمي أنه نقل إليه من أجل إسعافه وإيقاف نزيف أنفه. وفي هذا السياق، أفاد أطباء من المستشفى سالف الذكر أنهم شاهدوا البلكيمي يلج المستشفى ماشيا على قدميه برفقة شخص ثان لم يستطيعوا التعرف على هويته، وأوضحوا أنه رفض فك الأربطة عن أنفه، لذلك اضطر مسعفوه من الأطباء إلى منحه إسعافات أولية قبل أن يغادر المستشفى بعيد لحظات قليلة من وصوله إليه. أخذت القضية أبعادا مغايرة لبداياتها. إذ لاذ البلكيمي بالصمت وتوارى عن الأنظار. فيما تراجع حزب النور إلى الوراء واعتذر لجميع المؤسسات ولمصر والمصريين جميعهم في محاولة لتأكيد عدم تورطه في كذب البلكيمي ووقوعه في الحرام بإجرائه عملية جراحية يجمع السلفيون على تحريمها. كما أعلن الحزب أن رئيسه، عماد عبد الغفور، انتقل شخصيا إلى مستشفى الشيخ زايد مع لجنة مكونة من قادة بارزين في الحزب للتحقيق مع البلكيمي قبل اتخاذ إصدار حكم نهائي في حقه. وفي وقت لاحق، أعلن الحزب عن استقالة النائب المتورط في هذه الفضيحة من صفوفه ومن مجلس الشعب. غير أن المؤسسة البرلمانية المصرية نفت توصلها باستقالة مكتوبة من البلكيمي، وإن أكدت توصلها برسالة من حزب النور تؤكد استقالته من حزب النور. وأعلنت لجنة التحقيق، التي قادها عبد الغفور، في ختام تحقيقاتها مع البلكيمي أن محاولة الاغتيال التي تحدث عنها ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وأقرت اللجنة في بيان مقتضب أن تحقيقاتها أثبتت خضوع البلكيمي لعملية جراحية في مصحة متخصصة في إجراء هذا النوع من العمليات الجراحية. وكان ملاحظا أن الحزب السلفي لم يبادر إلى طرد عضوه «الكذاب»، وإنما اكتفت قيادة الحزب بمطالبته بالاستقالة. وجاء في بيان لحزب النور: «بناء على التحقيقات التي بوشرت في هذه القضية، واستنادا إلى القانون الداخلي للحزب، قدم النائب أنور البلكيمي استقالته، بناء على توجيه الهيئة العليا في حزب النور، واعتذارا رسميا لجميع أطباء المستشفى، ولحزب النور، ولجميع أعضاء مجلس الشعب، وللمؤسستين الإعلامية والأمنية، ولكل شعب مصر لما سببه من قلق وإزعاج». وحرص حزب النور على توجيه رسالة اعتذار إلى الشعب المصري تم تداولها على نطاق واسع في مختلف وسائل الإعلام التابعة له، ورد فيه: «إننا إذ نأسف لهذه الحادثة، فإننا نعاهد العشب المصري على الحرص على تحقيق العدل والشفافية في جميع إجراءاتنا وخطواتنا». وتسود داخل حزب النور في الوقت الراهن حالة صدمة شديدة من «كذب البلكيمي، وإجرائه عملية تجميلية». وإذا كانت قيادة الحزب تعمل على احتواء الوضع لكي لا تكون لهذه الادعاءات انعكاسات سلبية للغاية على حظوظ الحزب في الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، فإن قواعد الحزب، ممثلة في فروعه في مختلف مناطق مصر، طالبت القيادة باتخاذ قرارات زجرية في حق البلكيمي وعدم الاكتفاء بطرده من الحزب. غير أن متتبعي شؤون سلفيي مصر يستبعدون إقدام التيار السلفي على المضي قدما في إثارة هذه القضية، متوقعين إمكانية أن يعمل السلفيون على تجاوز هذه المرحلة العصيبة في أقرب وقت ممكن من خلال قطع صلاتهم بالبلكيمي وتبرئة ذمتهم من ادعاءاتهم مع الدفع في اتجاه تحريك المتابعة القضائية في حقه. فصول مثيرة وينتظر أن تبادر النيابة العامة بعد الإعلان عن استقالة أنور البلكيمي من مجلس الشعب ورفع الحصانة البرلمانية عنه إلى تحريك المتابعة القضائية في حقه. إذ يتوقع أن يتم استدعاء النائب السلفي للتحقيق معه في هذه القضية ومعرفة حيثيات ادعائه التعرض لمحاولة اغتيال وقوله إنه كان ضحية سطو مسلح سلب منه على إثره مبلغ مالي يقدر ب100 ألف جنيه مصري. ويبدو أن البلكيمي بدأ فعليا الاستعداد لمعركة المتابعة القضائية، حيث يتوقع أن توجه إليه تهمتا إزعاج السلطات والبلاغ الكاذب، وإن كان متتبعون لا يستبعدون أن تبرز في القضية معطيات جديدة قد تأخذ أبعادا أكثر إثارة. ويراهن البلكيمي على موقف الأطباء من إفشاء أسرار مرضاهم من أجل التخفيف من الحمولات السياسية لهذه القضية، وهو الموقف نفسه الذي يراهن عليه حزب النور السلفي، إلى جانب الاعتذارات وتبرئة الذمة من أجل التخفيف من التداعيات السلبية لهذه الفضيحة على حظوظه في الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة. وفي هذا الإطار، دخلت نقابة الأطباء في بلاد الكنانة بسرعة على خط القضية. إذ قدم خير عبد الدايم، نقيب الأطباء المصريين، دعوى قضائية أمام النيابة العامة ضد ثلاثة أطباء وردت أسماؤهم في هذه الفضيحة، وهم عبد الخالق البديوي، صاحب المستشفى الذي أجرى فيه البلكيمي العملية التجميلية، وعبد الحالق فرج، مدير مستشفى الشيخ زايد، الذي نفى أن يكون البلكيمي نقل إليه لتلقي إسعافات جراء تعرضه لسطو مسلح، بالإضافة إلى الطبيب الجراح الذي أشرف على عملية التجميل. ويتهم عبد الدائم هؤلاء الأطباء الثلاثة بإفشاء أسرار المريض، وسيواجهون في حالة ما قرر القضاء إدانتهم بهذه التهمة بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة مالية لا تتجاوز 500 جنيه مصري وفق القانون لمنظم لمهنة الطب في مصر. ولا يستبعد أيضا أن تنضم مصحات تجميل أخرى إلى هذه القضية، حيث توجد توقعات بشأن تقدم بعض المصحات بدعوى قضائية ضد البديوي تتهمه فيها بإفشاء أسرار مريض بغرض الترويج لمصحته، وهذا ما يعني أن هذه القضية ستتفرع إلى ملفات قضائية عديدة يعد التقصي والبحث فيها بفصول أكثر إثارة.
سخرية بطلها أنف البلكيمي كعادتهم، تندر المصريون بقضية النائب السلفي أنور البلكيمي، عضو حزب النور، الذي أجرى عملية تجميلية لأنفه. ونبه الطاقم الطبي الذي أشرف على العملية إلى ضرورة إبقاء الموضوع طي الكتمان، ثم أقدم على خرجة مدوية أمام وسائل الإعلام المصرية ليتحدث عن تعرضه لحالة الاغتيال. الشارع المصري اتخذ من أنف النائب السلفي تيمة استوحى منها نكتا جديدا يتم تناقلها في الوقت الراهن بمصر على نطاق واسع، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وفي مقدمتها «الفيسبوك» و»تويتر». وتحدث مصري بشكل ساخر للغاية عن الحادث وكتب على جدارية صفحته في»الفيسبوك»: «يخرب بيت الإعلام اللي هوس النواب.. الراجل أجرى عملية تجميل لأنفه علشان تطلع الصورة حلوة على التلفزيون». وتصدر التعليق التالي: «البلكيمي..نائب أسقطه أنفه»، الذي تمت صياغته على منوال الشعارات التي ميزت الربيع العربي، قائمة التعليقات الأكثر تداولا. وفي المقابل، انبرى مدونون أيضا إلى التندر بهذه القضية وكتب أحدهم ما يلي: «في عهد مبارك، كان في برلماننا ثلاثة أنواع من النواب، نواب النقود ونواب القروض ونواب سميحة، واليوم بات لنا في برلمان الثورة نائب الآذان ونائب الحمر ونائب الأنف».