تعددت مصائر الرؤساء السابقين الذين أطاحت بهم مقصلة «الربيع العربي»، فمنهم من فر هاربا ومنهم من آثر قضاء ما تبقى من عمره على سرير وابناه في السجن وزوجته تحت الإقامة الجبرية.. ومنهم، أيضا، من ركب جنونه، فقتل وأودى بحياة عدد من أبنائه. وعلى هذا المقاس، تعددت أيضا مصائر زوجات الرؤساء المطاح بهم، فمنهن من فرّت من مقصلة المتابعة القضائية وآوت إلى منفى يُبعدها عن أيدي الثوار، ومنهن من وجدت نفسها تقضي بياض يومها بين السجن والمستشفى، ومنهن من لم يُثَر اسمها بقوة في «الربيع العربي». لا تختلف قصة حياة ليلى الطرابلسي، حرم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بنعلي، عن المصير الذي لاقته إيميلدا، زوجة الرئيس الفلبيني السابق، فيرديناند ماركوس، كلتاهما كانتا حسناوين تذوّقتا النفوذ والسلطة وتملّكهما هوس «المال». خلّفت إيميلدا وليلى الطرابلسي وراءهما، بعد الإطاحة بزوجيهما من رئاسة بلديهما، ثروات طائلة لم تستطيعا تهريبها إلى الخارج. خلّفتا أيضا مظاهر «هوس بالامتلاك». ويمكن الوقوف على هذا الأمر بوضوح في العثور على نحو 1000 زوج أحذية في مقر إقامة إيميلدا، وقد تم العثور على ثلث هذا العدد، أيضا، في مقر إقامة ليلى الطرابلسي.. وتشترك السيدتان، كذلك، في تحريك المتابعة القضائية ضدهما من قبل بلديهما، بعد أن لاذتا بالفرار. السيدة الهاربة استضيفت أسرة الرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي من قبل المملكة العربية السعودية. وضعت الأسرة الحاكمة في متناولها قصر للضيافة في مدينة جدة. بعيد ساعات قليلة من وصولها إلى الأراضي السعودية، دخل عليهما في القصر جنرال من الجيش السعودي وأعلم آل بنعلي بأنه لن يكون بمقدورهم التواصل مع العالم كما يشاؤون. وفي وقت لاحق، توصّلَ بنعلي وأبناؤه بهواتف مرتبطة بشبكة أحد الفاعلين المحليين في قطاع الاتصالات. كان بنعلي قد فر من البلاد دون أن يحمل معه أي شيء. ولذلك، توجهت حرمه، رفقة كل من ابنها محمد وابنتها حليمة ومهدي بنقايد، خطيب هذه الأخيرة، في اليوم الثاني من وصولهما إلى السعودية، إلى أحد أرقى المراكز التجارية في مدينة جدة لتقني له ملابس، قبل أن تضع السلطات السعودية في خدمته خياطا خاصا ليتولى خياطة ملابس له. بعد أسبوع من وصول الطرابلسي إلى السعودية، التجأت إلى خطة لإيهام الرأي العام التونسي بأنها هربت بالفعل من جدة. عملت على تسريب أخبار تفيد أنهما ستتوجه إلى مكةالمكرمة لقضاء مناسك العمرة، بالموازاة مع ترويج أخبار في مختلف وسائل الإعلان تفيد أنها ستتخذ من مناسك العمرة نقطة انطلاق للفرار من السعودية. في تلك الأثناء، عاد خطيب ابنة بنعلي إلى تونس، وتم الاستماع إليه من قبل قاضي التحقيق بوصفه شاهدا، في حين استمر بنعلي وحرمه وابناه حليمة ومحمد في العيش في مدينة جدة، ولم ينتقلوا مطلقا إلى مدينة أبها، كما روجت لذلك بعض وسائل الإعلام الدولية. ثمة، أيضا، معلومة تم تداولها على نطاق واسع، رغم أنه لا أساس لها من الصحة، يتعلق الأمر بالأخبار التي تحدثت عن نقل زين العابدين بنعلي إلى المستشفى لتلقى العلاجات جراء تدهور حالته الصحية، والصحيح أنه لم ينقل قط إلى المستشفى. وفي غمرة ترويج أخبار مرضه، قامت زوجته السابقة نعيمة كيفي، التي ما تزال تقيم في تونس، إضافة إلى ابنتها نسرين، المقترنة بصخر الماطري، الفار إلى قطر، بربط الاتصال به من أجل الاطمئنان على حالته الصحية، وهذه معطيات لم تُعِرْها وسائل الإعلام ما تسحقه من أهمية. شكّلت إشاعات نقل زين العابدين، في حالة خطيرة، إلى المستشفى فرصة لآل بنعلي لاستعادة روابط التواصل مع أفرادها الباقين في تونس. ومنذ تلك الفترة، يعيش بنعلي والطرابلسي حياتهما بشكل يكاد يكون طبيعيا، وكأنهما متقاعدان... بين المستشفى والسجن قبل وقت ليس بالطويل، كان وزراء مصر يُقبّلون يدها. لكن تلك الأيام انقضت، وهي الآن تعيش حياتها في عزلة تامة داخل «فيلا» في ضواحي العاصمة القاهرة، ولم يعد بإمكانها حضور السهرات الراقية وترؤس المؤتمرات الدولية التي تستضيفها بلادها. ومع ذلك، فهي الوحيدة من آل مبارك التي ما تزال تنعم بحريتها. أصبحت سوزان مبارك تقضي بياض يومها متنقلة بين المستشفى، حيث يرقد زوجها، والسجن، الذي يُعتقَل فيه ابناها علاء وجمال. وأكد أحد أعضاء هيئة دفاع الرئيس المصري المخلوع أن «السيدة الأولى» في مصر سابقا تحصل في الوقت الراهن على نحو 1200 أورو شهريا من الخزانة المصرية، في الوقت الذي تتولى الدولة التكفل بمصاريف علاج زوجها. كان القضاء المصري قد اتخذ قرارا شجاعا، كلّفه انتقادات لاذعة، حين ارتأى عدم تحريك المتابعة القضائية في حق سوزان، رغم اتهامها بالمشاركة في مراكمة ثروة الأسرة الرئاسية السابقة، التي تقدر بملايير الدولارات. وتروج من حين إلى آخر إشاعات أقرب إلى الجنون عن السيدة الأولى «سابقا» في مصر. وقد أثارت آخر الإشاعات جدلا واسعا في مصر، إذ تحدثت أنباء عن تقديمها نفسها بصفتها «ملكة مصر» حين طلب منها شخص مجهول الحصول على توقيعها.. لكنْ سرعات ما تم تكذيب هذه «الأنباء» من قبل الصحيفة البريطانية نفسها التي كانت سباقة إلى نشرها. وفي أعقاب مأساة ملعب بورسيعد لكرة القدم، التي راح ضحيتَها نحو 77 شخصا، لم يتردد سليم العوا، أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية المصرية، إلى وضعها قيد الإقامة الجبرية. وعلى هذا الأساس، أصبح مستقبل سوزان مبارك مفتوحا على جميع الاحتمالات، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تطبع الأوضاع الأمنية في مصر. وكانت سوزان، المولودة في 28 فبراير 1941، قد اقترنت بحسني مبارك -وكان وقتها طيارا في سلاح الجو المصري- وأنجبت منه كلا من علاء وجمال، قبل أن يصبح مبارك رئيسا لجمهورية مصر العربية في فاتح أكتوبر 1981 وتصبح سوزان «السيدة الأولى في مصر».. «ظل» سيدة.. شاءت الأقدار أن يلتقي العقيد الليبي السابق معمر القذافي بالممرضة صفية فركاشي في سنة 1971، حين كان يقضي فترة نقاهة من مرض شديد ألمّ به. تزوجا بعد وقت قصير من لقائها الأول وأنجبا ابنهما البكر سيف الإسلام، في السنة الموالية. وسرعات ما سيفوق سيف الإسلام أخاه الأكبر محمد، الذي أنجبه القذافي من زوجته الأولى فتيحة، شأنا في هرم السلطة في جماهيرية القذافي. وقد أنجبت صفية للقذافي أبناء آخرين هم، على التوالي، المعتصم وحنيبعل وعائشة وسيف العرب وخميس. نشأت صفية فرقاشي في أسرة ذات جاه ومال ونفوذ ولم تكن لتقصّر في أداء دور ربة البيت، وإنما عملت على التأثير في صنع القرار في هرم السلطة في ليبيا. كما أنها استغلت زواجها من العقيد الليبي السابق لتنشئ لها اسما في عالم المال والأعمال. وكثيرا ما كانت أعمالها تستفيد من امتيازات وتسهيلات، خوفا من عواقب اعتراض طريق زوجة «القائد». وفي هذا السياق، تمكنت شركة «طيران البراق»، التي تمتلكها من احتكار النقل إلى مكةالمكرمة، وبالتالي احتكار عملية نقل الحجاج الليبيين إلى الأماكن المقدسة. غير أنها لم تستفد من هذه الشركة على المستوى الترفيهي، إذ لم تستغلَّها للقيام بزيارة مختلف مناطق العالم. فقد كانت حركة طائرتها الخاصة محصورة في الأجواء الليبية ولم يكن يُسمَح لها بمغادرة البلاد. في سنة 2008، انتُخِبت صفية نائبة لرئيسة المنظمة الإفريقية للسيدات الأوليات في إفريقيا، رغم أنها لم تحضر قط اجتماعات تلك المنظمة، بل إنه لم يسبق لها أن شارك في اجتماعات رسمية أو مؤتمرات دولية!.. تُقدّر إحصائيات رسمية ثروتها بنحو 22 مليار دولار. وقد وُضِعت هذه الثروة تحت مراقبة اللجنة المكلفة بتنفيذ عقوبات مجلس الأمن على ثروة آل القذافي بعد اندلاع الحرب بين ثوار ليبيا وقوات العقيد. توصف صفية، أيضا، بكونها «ذات قلب كبير». كانت كثيرة التساهل مع زوجها وكانت تبدو غير عابئة تماما بمغامراته وبالأخبار التي يتم تداولها على نطاق واسع عن تلك المغامرات. قبيل انهيار نظام العقيد الليبي السابق معمر القذافي والإعلان مقتله ومقتل عدد من أبنائه وإلقاء القبض على ابنها سيف الإسلام، توجّهت صفية، بمعية ابنتها عائشة، إلى الجزائر، حيث وُضِعت رهن إشارتها في الجزائر العاصمة إقامة فاخرة توجد في ملكية الدولة الجزائرية. بتصرف عن «جون أفريك»