فارهيلي: زيارتي للمغرب أكبر دليل على قوة الشراكة بين بروكسل والرباط    حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية بالرباط    الجزائر … تحتضن أعوانها في انفصال الريف    أخبار الساحة    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    الرباط: عبد اللطيف حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة بمملكة بلجيكا    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    انعقاد مجلس للحكومة يوم الخميس المقبل        "الاتحاد المغربي للشغل" يقدم للحكومة ملاحظاته على مشروع قانون الإضراب ويرفض تقييد وتجريم هذا الحق الدستوري    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلبة السوداء للبوليس السياسي
نشر في المساء يوم 19 - 10 - 2008

انتظر الشرقي اضريس -المدير العام للأمن الوطني- سنتين كاملتين ليمحو آخر بصمات الجنرال العنيكري التي طبع بها جهاز الأمن الحضري بالمملكة من خلال ذراعه الأيمن عبد الجليل عبدون الذي صاحبه من «لادجيد» مرورا ب«الديستي»، إلى أن عينه على رأس مديرية «البوليس السياسي» بعد حصوله على رتبة مراقب عام.
فرغم جلوس عبد الحق باسو مكان عبدون قبيل إعفاء الجنرال العنيكري، فإن مديرية الاستعلامات العامة ظلت تواصل عملها لتوافي السلطات العليا للبلاد بتقارير يومية حول الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمملكة بنفس الهيكلة التي هندسها رجل ثقة الجنرال، حيث ألغى أقسام «البوليس السياسي» بالدوائر الأمنية ليعتمد نظام المصالح الولائية للاستعلامات التي تشرف من خلال فرق ولائية تابعة لها (أنظر الهيكلة) على عمل شرطة الاستعلام والتقنين بجميع الدوائر التابعة للولاية الأمنية، لكن رجال عبد الحق باسو بدؤوا يتمردون على المقررات الجديدة التي أتت بها هيكلة 2004 بشكل متدرج إلى أن أعدت إدارة اضريس هيكلتها الجديدة التي لن تختلف كثيرا عن تلك التي غيرها العنيكري. فالمصلحة الوحيدة التي سيتم الاحتفاظ بها على مستوى الولاية الأمنية ككل هي تلك الخاصة بمراقبة الأجانب، أما باقي المصالح والأقسام فستعود إلى انتشارها بالدوائر الأمنية كما كان معمولا به في السابق، ليقتصر دور رئيس الاستعلامات العامة بالولاية على عملية التنسيق بين رجال «البوليس السياسي» المنتشرين بباقي وحدات التقطيع الإداري لكل ولاية أمن.
وتعتبر المهمة الرئيسية لمديرية الاستعلامات العامة التي يقودها أستاذ مادة الحدود بمعهد الشرطة سابقا عبد الحق باسو، هي تمكين الدولة من صورة لحظية تحاكي نظيرتها الفوتوغرافية عن المشهد السياسي والجمعوي، وضبط أنفاس وحركات وسكنات النشطاء والقياديين، وتتبع خيوط المشاريع السياسية للهيئات والتنظيمات بغض النظر عن موقفها وموقعها لدى السلطات الرسمية، وعدم السماح بمفاجأة غير محسوبة أو غير مرغوبة؛ مع تأمين سير «عادي» وآمن للمحطات السياسية والانتخابية الكبرى، وضبط تفاصيلها وتعقب تطوراتها بدقة وفورية... هذه بعض من المهام المعلنة والمضمرة ل»البوليس السياسي» أو ما يسمى رسميا بالاستعلامات العامة. ما يجعل هذا الجهاز في احتكاك يومي ومباشر، بل في انخراط ومشاركة في الفعل الحزبي والمدني؛ فيمنح للدولة حضورها الدائم في قلب الحياة السياسية، ومقياسا دقيقا لحرارة وضغط هذا الجسم المتحرك وإيقاع تنفسه هواء الحريات والحقوق أو اختناقه من ندرتها.
كما هو حال أي من المؤسسات والأجهزة المكلفة بأداء مهمة رسمية أو تأطير المجتمع، ليست «الشرطة السياسية» كما تلقب الأجهزة المماثلة لما يعرف في المغرب بالاستعلامات العامة، شرا في حد ذاتها؛ ولا هي اختراع تم استحداثه لمحاصرة الفعل السياسي والنقابي والجمعوي؛ لكن عمل هذا الجهاز، يظل جزءا من طريقة دوران آلة الدولة ومؤشرا لتوجهاتها واختياراتها السياسية والحقوقية، باعتبارها أحد خطوط التماس المباشرة الأولى للدولة بمجالها الداخلي، وفي الحالة المغربية، «الدور الأول لهذه المصالح هو التدخل في الحياة الشخصية للمواطنين وجمع المعطيات حولهم من أجل استعمالها لاستيعابهم وتوظيفهم، أو تحييدهم من الحياة العامة؛ ويتم ذلك بواسطة بطاقات معلومات شخصية، تضم تفاصيل عن ميولات ورغبات المعني بالأمر، وحتى حاجاتهم العاطفية وميولاتهم الجنسية ومشاكلهم الزوجية...»، يوضح عبد المومن الشباري الذي عاش تجربة العمل السياسي السري والصراع ضد أجهزة الدولة في مرحلة المد اليساري.
لكل ذلك، ترتسم عن جهاز مثل الاستعلامات العامة صورة قاتمة في أذهان الفاعلين السياسيين في دولة في مرحلة الحلم بالديمقراطية، خاصة منهم أولئك الذين يحاولون في لحظات معينة، ضبط تحركاتهم ومشاريعهم على مواعيد مستقلة عن الأجندة الرسمية. فيصبحون في قلب انشغال رجال الاستعلامات العامة، يتعقبون خطواتهم، ويحصون أنفاسهم، ويشاركونهم أنشطتهم العمومية ويقاسمونهم حتى تحركاتهم «المناهضة» للدولة، من وقفات واحتجاجات واعتصامات... و»التجارب التي عاشها المغرب مع مختلف أجهزته الأمنية، رسخت صورة مرعبة عن رجل الاستخبار في ذهن المواطنين عامة والمؤسسات الحزبية والسياسية بشكل خاص»، يقول معارض سياسي.
خلافا لبعض الأجهزة السرية الأخرى، المعروفة بالاستخبار والتجسس، يستهدف عمل الاستعلامات العامة أساسا ما يدخل ضمن النشاط السياسي والمدني، وتوفير بيانات دقيقة ومفصلة تضم معلومات شخصية عن «النشطاء» السياسيين، وتقارير مفصلة عن أنشطتهم وتحركاتهم. فيتسم نشاطها بتغطية الفضاء العام وما يجري فيه من حراك سياسي أو ذي أبعاد سياسية، ما يجعلها «العدو» الأول للسياسيين والفاعلين المدنيين.
وضع كان له ما يماثله في فرنسا مثلا، إلى غاية مستهل عقد الثمانينيات، وصعود الاشتراكيين إلى الحكم، حيث ظلوا يعتبرون جهاز الاستعلامات العامة أداة للتضييق على الحقوق السياسية والمدنية، رغم أن المقارنة هنا تبقى نسبية، لما بلغته الأجهزة المماثلة في الدول المتقدمة من تطور، جعلها تحاكي مراكز الأبحاث والدراسات في جانب من عملها اليومي، بانتقالها إلى دراسة مختلف الحقول المعرفية من علم اجتماع ونظريات سياسية واقتصادية، وتطبيقاتها الميدانية الممكنة. «يجب أن نميز بين الدول الديمقراطية حيث تلعب هذه الأجهزة دور حماية الوطن والمصالح الكبرى للدولة، وحيث تكون وظائفها واضحة وخاضعة للمراقبة والمحاسبة؛ وبين الأنظمة البوليسية مثل المغرب، حيث هذه الأجهزة خارج المؤسسات والضوابط القانونية، وحيث تتوفر على أجهزة موازية لا تخضع حتى لسلطاتها المفترضة»، يقول عبد المومن الشباري. هذا الأخير، يضيف أن تلك الأجهزة تلعب دورا سلبيا تجاه المجتمع وأفراده ومؤسساته المستقلة والمدنية، مما يخلق علاقة توجس وارتياب تجاهها. أكثر من ذلك، لم تتأثر مختلف الأجهزة ذات المهام الأمنية، بالتحول الذي حصل في نهاية عقد التسعينيات، ودخول المعارضة اليسارية السابقة إلى الحكومة؛ ولم تتكرر بالتالي تجربة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران، الذي ترجم مخاوف اليساريين التاريخية من جهاز مثل الاستعلامات العامة، بإجراءات وقرارات أدمجت الجهاز في مسار المؤسسات الرسمية التي تخدم الصالح العام، بدل مجاراة الدعوات اليسارية الغاضبة، والهادفة إلى إلغاء وجود هذا الجهاز. فكانت لعبد الرحمان اليوسفي وهو يقود أول تجربة لما سمي ب»التناوب»، تجارب مريرة مع الأجهزة الأمنية، والتي أحرجته في مناسبات عديدة، بذهابها عكس اختياراته، أو تصريحاته على الأقل، وإقدامها على تدخلات تفشل مبادرات من قبيل معالجة ملف المعطلين أو بعض الهيئات المعبرة عن فعل الاحتجاج تجاه الدولة. وتجلت المفارقة واضحة حين عجز اليوسفي عن الاجتماع بجيش الولاة والعمال، ولم يكتب له ذلك إلا داخل مقر وزارة الداخلية بما يحمله ذلك من دلالات.
أكثر من ذلك، ظل عمل الأجهزة الأمنية في المغرب يتسم بكثير من الغموض والتداخل، وهو ما يفسره البعض بتخطيط مسبق، يهدف إلى دفع الأجهزة إلى التنافس والصراع، ومن ثمة الاستفادة من تناقضاتها وما تفرزه صراعاتها من استبعاد لأي احتمال لاستفراد أي منها بالمعلومة والسلطة. غير أن هذا التداخل والغموض، بات عائقا أمام التنسيق؛ إثر وصول التهديد الإرهابي إلى الساحة المغربية، وضربه لبعض المواقع منذ ماي 2003 على الأقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.