يعتبر د. محمد ضريف، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن الأدوار الجديدة التي أصبحت تلعبها المديرية العامة للدراسات والمستندات لا ترتبط بالضرورة بياسين المنصوري كشخص بل بسياق جديد أصبح يحكم عمل الجهاز ككل، لأن العالم تغير بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر وعاش المغرب هذا التحول بعد أحداث 16 ماي 2003 لذلك أصبحت مسألة حماية المغرب حيوية. وبالمقابل يرى أن إبعاد العنيكري والهمة جعل ياسين المنصوري وحده من بين مسؤلي الأجهزة الأمنية هو الأكثر قربا من الملك لتحتل لادجيد موقعا مركزيا في قلب النظام الأمني في المغرب. - ما الذي جعل ياسين المنصوري، المدير العام للادجيد يتوجه إلى موريتانيا غداة الانقلاب الأخير بدل مسؤول في الخارجية المغربية؟ هل أصبحت تدخل مثل هذه المهام في إطار الأدوار الجديدة الموكولة إلى المديرية العامة للدراسات والمستندات؟ < يرأس المنصوري جهازا يلعب دورا مهما على مستوى المخابرات الخارجية أو ما يسمى بالمخابرات العسكرية الذي يقوم بدور حماية الأمن القومي بالمغرب. وهذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها المنصوري موريتانيا، إذ سبق له أن زارها إثر الانقلاب الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد أحمد الطايع سنة 2005 وكان أول مسؤول يصل إلى موريتانيا للتحادث مع قادة النظام الجديد آنذاك. خلال الانقلاب الأخير، تريث المسؤولون المغاربة بعض الوقت قبل أن يتقرر إرسال المنصوري للقاء الجنرال محمد بن عبد العزيز. فالمغرب ينظر إلى موريتانيا باعتبارها جزءا من مجاله الحيوي بعد حديث الغربيين مطولا عن وجود قواعد ومعسكرات للقاعدة في دول جنوب الصحراء، خاصة بعد اعتداءات 11 شتنبر 2001 وما شهدته موريتانيا من عمليات إرهابية.. هذه كلها معطيات جعلت المغرب يبلور عقيدة إستراتيجية جديدة لا تنظر إلى موريتانيا على أنها دولة جارة وفقط، بل باعتبارها جزءا ضمن المجال الحيوي المغربي، بمعنى أن الأمن المغربي لن يتحقق إلا عبر مراقبة ما يجري بها، خاصة وأن العديد من المعطيات المتوفرة تثبت أن مغاربة يوجدون في موريتانيا ومنطقة الساحل حيث يتلقون تدريبات أو يشرفون على تشكيل خلايا إرهابية، وسبق للأجهزة الأمنية أن فككت خلايا كان أعضاؤها قد استقروا في تلك المنطقة. في إطار هذا التحول الجديد، يمر استقرار المغرب بالضرورة عبر التحكم ومراقبة الأوضاع في الجار الجنوبي، ويمكننا أن نتحدث عن موقع جديد تحتله موريتانيا في إطار الإستراتيجية الخاصة بتدبير الملفات الحساسة خاصة الإرهاب. وتكليف ياسين المنصوري، الموجود على رأس المديرية العامة للدراسات والمستندات، يعكس الموقع الذي تحتله موريتانيا اليوم والذي يتجاوز مسألة الموقف من قضية الوحدة الترابية، ومن الخطأ أن نعتقد الآن أن النظام المغربي يتعامل مع موريتانيا من منطلق الموقف من قضية الصحراء وفقط. - أبلغ ياسين المنصوري رسالة شفوية من محمد السادس إلى الجنرال محمد بن عبد العزيز، ألم يكن بوسع وزير الخارجية القيام بتلك المهمة عوض أن يتكلف بها مدير المخابرات؟ < اللقاء الذي يجمع مسؤولا أمنيا مع مسؤول دولة يخفي دائما العديد من الأسرار التي لا تصلنا، وما يصل إلى الرأي العام هو ما يراد له أن يصلنا. وقد قيل الكثير عن نية المنصوري لعب دور من أجل إطلاق سراح المسؤولين الموريتانيين الذين اعتقلوا إثر الانقلاب، لكنني أجد أن إرسال المنصوري يحمل رسائل ذات مغزى، إذ إن جهاز «لادجيد» مطلوب منه القيام بأي شيء له دور في توفير الأمن وحماية المملكة من كل الأخطار، كما أنه في حالة إرسال وزير الخارجية سيبدو ذلك كأنه نوع من الاعتراف بالنظام الجديد في موريتانيا، في حين أن إرسال مسؤول أمني يفيد أن هناك نوعا من المشاورات التي لم تصل إلى درجة الاعتراف القانوني بالنظام الجديد، بل هو اعتراف بواقع وليس اعترافا قانونيا. عندما يحدث انقلاب يريد ملك البلاد على الأقل أن يعرف نوايا الحكام الجدد وأن يتأكد من معلومات متوفرة لديه والتعرف على معطيات جديدة تعد من أسرار الدولة، لذا كان من المنطقي أن يقوم بهذا الدور رجل أمني عوض وزير الخارجية الذي لا يمتلك بالضرورة أسرارا تتعلق بالأمن القومي. - لكن البعض يقول إن لادجيد في عهد المنصوري أصبحت تقوم بأدوار مماثلة لأدوار وزارة الخارجية وتنافسها في معالجة بعض الملفات كقضية الصحراء.. إلى أي حد تتفق أو تختلف مع هذا الطرح؟ < تختلف طريقة تدبير هذا الجهاز الأمني في عهد المنصوري عن الأساليب التي كانت سائدة من قبل. لقد عرف المغرب مجموعة من التحولات أهمها ثلاثة أحداث أساسية تؤطر الآن عمل لادجيد. الأول يتعلق بتسليم مسؤولية تسيير وتدبير الجهاز إلى مدني، وهي سابقة في المغرب بعد أن ظل تابعا للمخابرات العسكرية وكان يشرف عليه عسكريون، مما يعبر عن فلسفة تنظيمية جديدة، والملك هنا يريد أن يخلص هذا الجهاز من الطابع العسكري، لأن كل الأنظمة الديمقراطية تقريبا يتكلف مدني بتسيير استعلاماتها الخارجية. أما التحول الثاني فهو أنه في السنوات الأخيرة بدأ الحديث عن تشكيل قطب أمني لتجنب التضارب الذي يطال عمل الأجهزة الأمنية. وكانت هناك رغبة لإحداث نوع من التنسيق، خاصة أمام التحديات التي يطرحها الإرهاب، تفرض العمل بنوع من الفعالية والسرعة وبالتالي أضحى التنسيق مطلوبا. كما جرى الحديث عن خلق تنسيقية تعبر عن هذا القطب الأمني، وإلى الآن لم تر هذه الصيغة النور لكننا على أرض الواقع يمكننا أن نتحدث عن تنسيق ميداني. وفي السنة الماضية كان يحضر كل مسؤولي الأجهزة الأمنية الاجتماعات بمن في ذلك مسؤولو لادجيد. فيما يندرج التحول الثالث في إطار الحديث عما يسمى ب«الحكامة الأمنية» التي تقتضي تدبيرا رشيدا وعقلانيا لمختلف الموارد والإمكانيات المتاحة من أجل الحفاظ على الاستقرار، لأن التنمية بمختلف أشكالها لا يمكن أن تتحقق في أي بلد دون وجود الاستقرار . المنظور الجديد للمغرب هو أن الحكامة الأمنية ينبغي أن تكون عنصرا فاعلا للانخراط في مسلسل التنمية المستدامة. وتفترض هذه الحكامة الجديدة نوعا من الشفافية عبر إحداث أدوار جديدة لم تكن قائمة في ظل الاشتغال السابق لهذا الجهاز. وعندما نتحدث عن المديرية العامة للدراسات والمستندات ينبغي أن نميز بين دورين أساسيين: هناك دور تقليدي مع التجديد في آليات الاشتغال الخاصة به، ويتمثل أساسا في العمل على جمع المعلومات ومراقبة كل المجموعات والأشخاص الذين يستهدفون استقرار المملكة سواء في الخارج أو من خلال امتداداتهم داخل المغرب، كما يمكن أن نتحدث اليوم عن الدور الذي يقوم به على مستوى محاربة الإرهاب. لادجيد تجد نفسها ملزمة بالتنسيق مع مجموعة من الأجهزة، لأن الإرهاب أصبح عابرا للقارات والحدود وبالتالي لا يمكن لأي جهاز أن يستقل بمفرده في محاربة هذه الظاهرة، ولقد نجح هذا الجهاز في تفكيك شبكات داخل المغرب. - هل يقوم بذلك من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية الأجنبية؟ < أجل، يقوم به من خلال التعاون مع الأجهزة الأجنبية، ومن خلال مجهوداته الخاصة، فقد توصل عناصر لادجيد في الخارج إلى معلومات حساسة مكنتهم من الوصول إلى خلايا بدأت تتشكل في الخارج سواء بمساعدة إدارة حماية التراب الوطني أو بمد أجهزة بعض الدول بمعلومات عن أشخاص يخططون للقيام بعمليات إرهابية. ويحاول الجهاز في إطار محاربة الإرهاب إعادة النظر في هيكلته وأماكن تواجده لأن الإرهاب حتم طريقة جديدة للعمل، ظل التركيز في السابق منصبا على أوروبا لمراقبة المتطرفين الإسلاميين. هناك الآن جهود تبذل ليكون هذا الجهاز حاضرا بفعالية خاصة في دول الشرق الأوسط وبالأخص سوريا وتركيا والأردن، ويقوي حضوره في لبنان من أجل حماية المغرب من التغلغل الشيعي، لأن عددا كبيرا من المغاربة يذهبون إلى لبنان متأثرين بأفكار حزب الله، وهذا التأثر لا يتوقف عند الإعجاب بالاستراتيجية السياسية للحزب بل يمتد أيضا إلى الجوانب العقدية. يراقب لادجيد الانفصاليين الصحراويين في الخارج ويعمل أحيانا على استقطاب رموزهم وقد أقنع عددا منهم بالعودة إلى المغرب. - قبل أن نتحدث عن الأدوار الجديدة للادجيد.. هل هناك بصمة لياسين المنصوري في أداء الجهاز لأدواره التقليدية بعد هذه المدة التي قضاها على رأس الجهاز ؟ < لا أعتقد أن الأمر يتعلق بياسين المنصوري كشخص بل بسياق جديد أصبح يحكم عمل الجهاز ككل، لأن العالم تغير بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر وعاش المغرب هذا التحول بعد أحداث 16 ماي 2003 لذلك أصبحت مسألة حماية المغرب حيوية، جعلت موريتانيا من المنظور المغربي تندرج مثلا في هذا المجال. وحتمت الظرفية الجديدة استحداث وسائل للعمل ولو للقيام بالأدوار التقليدية بعد دخول الإدارة الأمريكية بعد أحداث 2001 والاتحاد الأوروبي بعد أحداث 11 مارس 2004 بمدريد إلى مربع اللعبة الأمنية والإعلان الرسمي للحرب على الإرهاب. وقد دفع هذا السيناريو الدول الغربية إلى دفع العديد من الدول من بينها المغرب إلى تغيير أساليب عملها والتركيز على مناطق لم تكن تهتم بها هذه الأجهزة الأمنية. وفي إطار هذه الضغوط يمكن الحديث عن التنسيق «الأمني» بين المغرب والجزائر والذي لم يكن موجودا في السابق. لذا يمكنني أن أقول إن هناك سياقا حتم تطوير آليات الاشتغال، ولكن لا ننسى بأن لياسين المنصوري بصماته لاعتبارين أساسيين: أولا، لأنه مدني لا يشتغل بمنطق عسكري وثانيا لأنه قريب من الملك ما يجعله يقبل على مبادرات مستفيدا من التعاون الغربي لتطوير الجهاز. فهناك أدوار تقليدية ولكنها تمارس بوسائل عمل جديدة لأن السياقات الجدية فرضت هذا التطوير. للشخص دوره لكن لاينبغي أن نربط كل شيء بالشخص. عندما ننتقل إلى الأدوار الجديدة، يمكن أن نميز بين مستويين، الأول مرتبط بمسألة التفكير في إحداث القطب الأمني الذي ذكرته سابقا والتي جعلت الإدارة العامة لا تعمل بمعزل عن المحيط الأمني، بعد أن ظل منطق اشتغال الأنظمة الأمنية في السابق يتأسس على فكرة الفصل بين الأجهزة، لأن المسؤولين آنذاك كانوا يعتقدون أن استقلالية كل جهاز عن الآخر قد يمكن المسؤولين من التوفر على أكبر قدر من المعلومات حتى ولو كانت متضاربة. وساد التخوف القائل إن إحداث نوع من التنسيق بين الأجهزة قد يؤدي إلى نوع من التحكم في المعلومة وتوجيهها بطريقة لا تخدم الحقيقة، ثم تم تجاوز هذا المنطق بعد ذلك بسبب تداعيات الإرهاب التي فرضت التنسيق. الدور الجديد الثاني هو أنه مادام أن لادجيد تشتغل على ملفات أمنية بالخارج أصبحنا على مستوى تدبير السياسة الخارجية نميز بين الملفات العادية ذات الطابع الاقتصادي والسياسي وبين الملفات الأمنية، لذا أصبح من الضروري النظر إلى المسؤول عن هذا الجهاز باعتباره «وزيرا للخارجية» لكنه مكلف بالقضايا الأمنية. لا يتدخل المنصوري في ملفات لها طابع خارجي إلا إذا كانت محكومة ببعد أمني، وهو ما تجلى في زيارته لموريتانيا خلال الانقلابين السابقين. إنه النموذج الذي تعمل به أنظمة ديمقراطية عندما يتعلق الأمر بقضايا خارجية ذات طابع أمني حيث نجد أن مسؤولي الأجهزة الأمنية في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا يتحركون في تلك القضايا عوض وزير الخارجية، وهو نفس الدور الذي يقوم به عمر سليمان، مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، الذي يشرف على الملفات الأمنية للفلسطينيين ويقرب الرؤى بين حماس وفتح دون أن يلغي دور وزير الخارجية. - كان العنيكري بصفته مسؤولا عن الديستي ثم عن الأمن الوطني يحتكر معالجة ملفات محاربة الإرهاب ويشرف على جميع المهمات الخاصة المرتبطة بها، لكن مع تعيين المنصوري أصبحت لادجيد تمارس المهام المرتبطة باختصاصها .. فهل أثر ذلك على العمل المخابراتي الخاص بمكافحة الإرهاب داخل المغرب؟ < كان هناك دائما عامل أساسي هو الذي يحدد أحيانا بعض السياسات في المغرب خاصة ما يتعلق بعامل القرب من الملك. فأثناء فترة إدارة العنيكري لبعض الملفات الأمنية كان يحاول تقديم نفسه كخبير في الإرهاب وامتدت علاقاته خارج المغرب. لا بد من التذكير بأنه في تلك الفترة كان هناك شخص يستشيره العنيكري دائما ولا يتحرك دون إذنه هو فؤاد عالي الهمة الذي كان يعتبر نفسه هو المسؤول عن أمن المملكة وكان يوظف جيدا ورقة قربه من الملك. عرفت تلك المرحلة «مركزة» للقرار وعكست جزءا من التصور السائد على مستوى اشتغال الأجهزة وتكلف العنيكري وقتها فقط بالتنفيذ. أما بعد إبعاده رفقة الهمة فقد اتضحت الأمور أكثر، لأنه من بين كل المسؤولين عن الأجهزة الأمنية ظل ياسين المنصوري وحده هو الأكثر قربا من الملك لتحتل لادجيد موقعا مركزيا في قلب النظام الأمني في المغرب.