دون سابق إنذار، خرجت أعداد هائلة من سكان مدينة مراكش إلى شوارع المدينة، في أواسط شهر دجنبر الماضي، بعد أن «احترقت» جيوبهُم بلهيب فواتير الماء والكهرباء، التي أرسلتها إلى عناوينهم الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء في مراكش والمعروفة ب«لاراديما». وأكدت المسيرات التي قادها سكان سيدي يوسف بنعلي، في بداية الأمر، الوقفات التي نظمها سكان «ديور المساكين»، في حي الداوديات أمام مقر ولاية مراكش تانسيفت الحوز، للجميع أن المساس بالطاقتين الحيويتين «خط أحمر». في السابع من دجنبر الماضي، وعن بكرة أبيهم، خرج حشد كبير من سكان منطقة سيدي يوسف بنعلي في مسيرة انطلقت من أمام مقر فرع الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، لتتجه صوب مقر ولاية مراكش تانسيفت الحوز، حيث يوجد الوالي مهيدية، الذي اعتبره المحتجون ملاذهم الوحيد و«فكّاك لُوحايْل»، على حد تعبير أحد المحتجين. قطع الغاضبون الطريق على السيارات والدراجات والحافلات، بسبب عددهم الكبير، الذي اختلطت فيه النساء والرجال والأطفال، الذين خرجوا مع آبائهم من أجل إجبار الوكالة على خفض تسعيرة الماء والكهرباء. خرج أزيد من 3 آلاف مواطن اكتووا ب»نار» فواتير الماء والكهرباء للتعبير عن غضبهم من «الارتفاع الكبير للفواتير»، حاملين معهم فواتير وصل واجب الأداء فيها إلى 1500 درهم، بينما لا يتقاضى بعض أرباب الأسر ومعيلوها هذا المبلغ المالي شهريا، في مدينة أصبح الغلاء السمة الأساسية وارتفاع أسعار المسكن والملبس والمأكل «الموضة»، التي جعلت «المساكين» يعانون الويلات. أيام قليلة مضت على هذه الاحتجاجات، التي اعتبرها القائمون على إدارة الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والسلطات المحلية «مقبولة في جزء منها». وبعد اتصالات بين المعنيين بالموضوع، قرر هؤلاء الجلوس إلى طاولة واحدة مع ممثلي آلاف الغاضبين. بعد جلسات مطولة مارطونية بين ممثلي سكان منطقة سيدي يوسف بنعلي، إحدى المناطق التي ما زالت ترزح تحت وطأة الفقر والتهميش في مدينة مراكش، ومصطفى الهبطي، المدير العام للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، ومحمد مهيدية، والي جهة مراكش تانسيفت الحوز، أثمرت محضر استبشر له الجميع خيرا واعتبروه «إنجازا تاريخيا» كبيرا. فقد قررت إدارة بعد اللقاء المذكور، منح عدادات إضافية للمنازل التي تقطنها عدد من الأسر، في إطار عملية الإيصال الاجتماعية، التي تُمكّن من الاستفادة من الربط بشبكة الكهرباء بمبلغ لا يتجاوز 2500 درهم وبشبكة الماء بمبلغ لا يتجاوز 2000 درهم، تُسدَّد على أقساط شهرية لمدة خمس سنوات. كما أسفر اللقاء، حسب وثيقة عُمِّمت على الصحافة، وتسلم السكان نسخة منها، عن دعم المصابيح ذات الاستهلاك المنخفض، بجعلها بثمن 8 دراهم، بدل 17 ردهما، وكذا دراسة الفواتير ذات المبالغ الكبرى، لتحديد أسبابها الحقيقية واتخاذ الإجراءات المناسبة على ضوء النتائج التقنية التي سيتم التوصل إليها. وقد قررت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، في الاجتماع ذاته، تخفيض مبلغ غرامة القطع والتزويد من 120 درهما إلى 60 درهما بشكل عام واعتماد نظام الفوترة الشهرية، حيث لا تتعدى المدة المحتسبة 30 يوما، مع تكثيف أشغال الصيانة وتجديد شبكات الماء والكهرباء وتطهير السائل وكل ما يمكن أن يكون له أثر سلبي على جودة الخدمة أو فواتير الاستهلاك. كما تعهدت «لاراديما» بإحداث خلايا على مستوى فروع الوكالة تتكون من أطر كفأة وذات مؤهلات في مجال التواصل مع الساكنة، تتكفل بتلقي الشكايات ومعالجتها وبتقديم حلول لها في آجال لا يتعدى 48 ساعة، إضافة إلى منح تسهيلات في أداء مستحقات الفواتير المرتبطة باستهلاك مرتفع مثبت وغير متنازَع فيه خلال الفترة الممتدة من غشت إلى أكتوبر الماضي، بتقسيطها على 12 شهرا. «الله يحفظك من السّاكتْ إيلا دْوا».. لم تقف إدارة الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء عند هذا الحد، بل دأبت على الاجتماع بممثلي الصحافة الوطنية والمحلية، من أجل إزالة «سوء الفهم» بينها وبين السكان من جهة، وبينها وبين الصحف، التي كانت توجه لها انتقادات مستمرة، خصوصا بعد اندلاع هذه الاحتجاجات، وهكذا حلت «عقدة لسان»، مدير الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، مصطفى الهبطي، وتنفس محمد امهيدية، والي الجهة، الصعداء بعد أن توقفت أنفاسهما، تحسبا لأن تخرج هذه الاحتجاجات عن طابعها المدني والسلمي وتتحول إلى أعمال شغب.. في المقابل، فرح السكان «الغاضبون» واستبشروا خيرا بحصيلة ما ردّدت حناجرهم من شعارات وحملت أكتافهم من لافتات وقطعت أقدامهم من لكيلومترات... فكان أول من خرج إلى وسائل الإعلام مصطفى الهبطي، مدير الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء «لاراديما»، الذي التقى بممثلي الصحافة من أجل تسليط الضوء على حقيقة هذه الاحتجاجات وتحديد مصدر «الوقود» الذي «يسعلها».. في المقابل، فتح الهبطي «كتاب» الوكالة عن آخره، عندما كشف عن مالية المؤسسة وعن الإنجازات التي حققتها بالمقارنة مع باقي المؤسسة على الصعيد الوطني. وقد نبش الهبطي في التاريخ القريب للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء وفي الحالة «الرديئة» التي كانت عليها عهد قريب وكذا تردي جودة الخدمات المقدمة للزبناء، قبل أن يرسم صورة «فسيفسائية» عن «الوضع المتقدم» الذي أضحت عليه الوكالة في ما يخص الخدمات والإمكانيات. «الله يحفظك من السّاكتْ يلا دْوًا».. مقولة ترددت كثيرا في قاموس الأمثال الشعبية المغربية، لكن مصطفى الهبطي، المدير العام للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء في مدينة مراكش سيجسد هذه المقولة أمام ممثلي الصحافة الوطنية والمحلية وممثلي ولاية مراكش تانسيفت الحوز وبعض المستشارين الجماعيين وموظفي وأطر الوكالة، الذين كانوا يتطلعون لمعرفة ماذا سيقدم المدير للحاضرين: «أنا جيتْ لمراكش باش ندير التدبير المفوّض».. عبارة نزلت كالصاعقة على أسماع الحاضرين.. لم يصدق بعض ممن سمعوا للوهلة الأولى هذه «الحقيقة الخطيرة»: وجّه المسؤول رسالة إلى «من يهمهم الأمر» بأنه ضد خوصصة الماء والكهرباء، خصوصا بعد قضائه أزيد من ست سنوات على رأس المؤسسة، التي تتوقف لفواتيرها نبضات قلب الموطن، قبل أن يكتشف حقيقة المبلغ المرسل إليه في الفاتورة. الخوصصة تهدد الماء والكهرباء كلام «خطير» كشف عنه المدير، كما هو الشأن بالنسبة لصديقه/ عدوه محمد امهيدية، الذي وجّه كلام «قويا» للمؤسسة خلال المجلس الإداري الأخير للوكالة، لكن الهبطي فضّل عدم الخوض كثيرا في هذا الموضوع، مكتفيا بتمرير رسالة إلى المراكشيين بأنه وقف ضد «خوصصة» الماء والكهرباء، لكن هذا «لا يعفيه من أن يقف في وجه هذه اللوبيات، وفي المقابل، «يشعل» النار في فواتير الماء والكهرباء»، يقول أحمد سعنان، أحد المحتجين أمام الوكالة في حديث مع «المساء». هدأت الاحتجاجات وعاد الوضع إلى طبيعته، قبل أن يخرج عشرات المحتجين في أنحاء متفرقة من مدينة مراكش ويُعيدوا رسم أشكال الاحتجاج من جديد، لكنْ هذه المرة، بصيغة وطريقة وأعداد مختلفة. فبعد أن كان عدد المحتجين يُقدَّر بالمئات والآلاف، تضاءل ليصبح ما بين 10 و30 محتجا، يُطوّقون أبواب الوكالات التابعة ل»لاراديما»، مانعين المواطنين من قضاء أشغالهم وأداء فواتيرهم، بعد أن نصبوا اللافتات والعلم المغربي على الأبواب.. انتقلت «عدوى» الاحتجاجات إلى سبع وكالات تابعة ل»لاراديما» في منطقة المحاميد، عرصة المعاش، النجوم، الداوديات، عين إيطي وقشيش وتحوَّلَ في بعضها إلى اعتداءات واتهامات وسب وشتم، دفع المكتب النقابي للوكالة، التابع للاتحاد المغربي للشغل، إلى إدانة «الاعتداء» الذي تعرَّضَ له أحد المستخدمين في حي أزلي الجنوبي وفي دوار العسكر، حيث كان عرضة ل«السب والشتم والضرب المبرح من طرف بعض الأشخاص». وأكد المكتب النقابي، في بيان له، أنه «لن يقف مكتوف الأيدي ضد هذه التجاوزات الخطيرة وغير المسبوقة» وأنه «سيدافع بكل الوسائل المشروعة»، بعد أن أصبحت الوكالة «مهددة من طرف بعض المحسوبين والحاقدين»، الذين وعد بالتصدي لهم. «لاراديما» تقاضي المحتجين دفع تطور الأمور إلى هذا المستوى إدارة «لاراديما» إلى تقديم 6 شكايات ضد المحتجين، تطالب فيها ب«حماية منشآت وموظفي الوكالة من أي سوء قد يطالها». وقالت مصادر من الوكالة ل«المساء» إن التحقيقات التي أجريت أفادت أن «مجموعة لها حسابات سياسية» تظاهرت أمام المقر الرئيسي للوكالة، «بعد أن جلبت بعض (الحطب) من الناس، على متن «هوندات»، ووفرت لهم الأكل والشرب، من أجل الاحتجاج على أمر لم يجبرهم عليه أحد»، متهما «جهات ذات مآرب سياسوية» بتحريك هذه الاحتجاجات، «لقضاء مصالحها الخاصة مع الوكالة». وفي الوقت الذي نفى عبد الله، أحد المحتجين في منطقة الداوديات، في حديث مع «المساء»، أن يكون دافعهم هو خدمة مصالح سياسية، بل «إطفاء لهيب نار فواتير الماء والكهرباء التي توصلوا بها»، قال مصدر من الوكالة، في اتصال مع «المساء»، إن الوكالة بصدد تنزيل وتطبيق 11 إجراء اتفقت عليها الوكالة وولاية مراكش مع سكان المدينة، والتي تتمثل في الاستفادة من الربط بشبكة الكهرباء بمبلغ لا يتجاوز 2500 درهم وبشبكة الماء بمبلغ لا يتجاوز 2000 درهم، تسدد على أقساط شهرية لمدة خمس سنوات ودعم المصابيح ذات الاستهلاك المنخفض، بجعلها بثمن 8 دراهم، بدل 17 درهما، وكذا دراسة الفواتير ذات المبالغ الكبرى لتحديد أسبابها الحقيقية واتخاذ الإجراءات المناسبة على ضوء النتائج التقنية التي سيتم التوصل إليها وتخفيض واجب القطع والتزويد من 120 درهما إلى 60 درهما بشكل عام، وغيرها من الإجراءات. ضاعت حقيقة وخلفيات هذه الاحتجاجات بين المحتجين، الذين يؤكدون «مشروعية» مطالبهم، الداعية إلى تخفيض تسعيرة الاستهلاك وقيمة الشطر الثاني، وبين اتهام إدارة «لاراديما» للمحتجين بخدمة «أهداف سياسية لجهات» لم ترد تسميتها.
يجب تطبيق القانون على «لصوص الطاقة» وليس المستهلك الضعيف عبد الصادق العفراوي : رئيس جمعية حماية وتوجيه المستهلك- فرع مراكش - كيف تفسرون الارتفاع الكبير لفواتير الماء والكهرباء في المدينة؟ أولا، أريد أن أشير في بداية الأمر إلى أن الفترة المعنية بأداء مبلغ الاستهلاك، والتي تصاعدت بخصوصها الاحتجاجات هي الفترة الصيفية، ونحن نعرف أن الاستهلاك في هذه الفترة يكون مضاعَفاً شيئا ما، الأمر الذي أثر سلبا على مبلغ الفوترة. في المقابل، لا بد من التوقف عند أمر مهمّ، هو أن الفوترة المعمول بها حاليا لا تعتمد على عدد أيام مضبوطة، أي أنها لا تُحدَّد شهريا، فيمكن أن نرى فوترة لمدة 22 يوما، كما يمكن أن نراها تتعدى 30 يوما. وفي اعتقادي فمن بين أسباب ارتفاع فواتير الماء والكهرباء هناك عدم مراقبة العدادات بصفة مستمرة -الفاتورة التقديرية- ما يعني أن المستهلك يمكن أن يؤدي فاتورة أقل من الواجب أداؤه خلال مدة ويؤدي فاتورة المدة الموالية مضاعَفة، ثم إن قيمة الاستهلاك تتحكم فيها تعريفة الأشطر المستهلكة، رغم أن هذا الإجراء جاء لتشجيع الاقتصاد في الطاقة ولخفض الاستهلاك، لكنه جاء بنتيجة عكسية على جيوب المواطنين. أضف إلى ذلك الضرائب المؤداة عن الفواتير المتعلقة بأشطر الاستهلاك كضريبة التطهير السائل، رغم أننا نلاحظ أن قنوات الصرف الصحي لا تُراقَب إلا نادرا ولا تتم محاربة الجرذان وناقلات الأمراض فيها. ثم إن ضعف مراقبة جودة العدادات وصيانتها يشكلان عاملا أساسيا في ارتفاع فواتير الماء والكهرباء، مع العلم أن القانون رقم 08 -31، القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، جاء لتعزيز حقوقه الأساسية، ومن بينها الحق في حماية حقوقه الاقتصادية. - في رأيك، ما هو تأثير هدا الارتفاع على استهلاك المواطن المراكشي؟ هناك تأثير مباشر لهذا الارتفاع على المستهلك المراكشي، يضرب في العمق قدرته الشرائية، حيث إن المواطن مُلزَم بدفع ما يلزمه لقوت يومه ومستلزماته الشخصية والعائلية الضرورية للسكن والتدريس والصحة والتنقل إلى آخره من الضروريات، مما يعني أنه مضطر إلى التنازل عن بعض ضرورياته أو إلى الاقتراض. من هنا يتبين أن أي اختلال في ميزانية المواطن سيؤدي إلى الإضرار الكبير بمصالحه وبمصالح أسرته. - ما هي الحلول التي تقترحونها كجمعية لحماية وتوجيه المستهلك لعدم المس بالقدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطن في هذا الشأن؟ وما هي الرسائل التي يمكن توجيهها لكل المعنيين بهذه الأزمة؟ نحن كجمعية مهتمة بحماية وتوجيه المستهلك في جهة مراكش نقترح عدة حلول في إطار استهلاك الماء والكهرباء، أولها أولا تحسيس المواطن بأهمية اقتصاد الطاقة وتخفيض الاستهلاك، ثم تطبيق المساطر القانونية تجاه كبار الغشاشين، لصوص الطاقة، وليس على المستهلك الضعيف لوحده. ثم تحديد مدة الفوترة شهريا بعدد أيام مضبوطة ومعلومة لدى المستهلك ومراقبة عدادات الاستهلاك شهريا وليس بالكيفية المُتَّبَعة حاليا وكذا إشعار المستهلك، مرتين على الأقل، بأداء ما في ذمته، قبل لجوء الوكالة إلى قطع الخدمة عن مسكنه وإلغاء الغرامة، إذا أراد استرجاع الخدمة، إضافة إلى تخفيض تعريفة الاستهلاك وثمن الاشتراك والعدادات والمراقبة المستمرة لجودة العدادات وصيانته. أ/ا بخصوص الشق الثاني من سؤالك، فأود مطالبة الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء في مراكش بالقيام بحملات دورية لتطهير قنوات الصرف الصحي والمحافظة على جودتها ومحاربة الجرذان وناقلات الأمراض، التي أصبحت تُقلق راحة السكان وتهدد سلامتهم الصحية، كما أتوجه للمجلس الجماعي لمدينة مراكش بطلب العناية بالإنارة العمومية، حيث صارت هناك مناطق مظلمة دون أن يتم الالتفات إليها من طرف مصالح المجلس الجماعي، رغم الشكايات العديدة للمواطنين في هذا الشأن.