في إطار سلسلتها الجديدة الموسومة بفكر الجيب آثرت مجلة فكر أن تقدم للقارئ العربي في عددها الثالث كتابا قيما للصحفي والباحث المغربي محمد بنعبد القادر، اختار له عنوانا دالا مفتوحا على الأنا والآخر، من خلال انفتاحات السياسي وانغلاقاته. سياسات (المغرب، الذاكرة، العالم) عنوان لكتاب مسكون بالأسئلة الشقية، يحاول فيه ومن خلاله الباحث أن يفهم الحال والمآل ويفكك الثابت والمتغير في رحاب السياسي، وذلك بالانتقال من مستوى الهنا والآن إلى تجاويف الذاكرة، ثم إلى رهانات العالم وتحدياته. يتوزع كتاب الباحث محمد بنعبد القادر على ثلاثة فصول، انشغل الأول منها بسياسات المغرب والذي ناقش فيه جملة من القضايا المأزقية التي تتعلق بتصحر العقل السياسي وفرضية الانتقال الديموقراطي فضلا عن الأسئلة الحقوقية، كما اهتم الفصل الثاني بسياسات الذاكرة فقد ناقش فيه المؤلف حساسية الذاكرة ودلالات الصفح وممكنات الجريمة والعقاب، فيما انصرف الفصل الثالث والأخير إلى سياسات العالم التي انفتحت على قضايا متنوعة تمتد من تداعيات الحادي عشر من شتنبر ببلد العم سام إلى الدرس الألماني والعدالة الدولية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني. «سياسات» هو كتاب ثري يضم بين دفتيه مقالات دأب الباحث على نشرها في جريدتي القدس العربي والاتحاد الاشتراكي ما بين دجنبر 2003 ويونيو 2007، وهي مقالات/نصوص يقول صاحبها إنها «تحكي، تفسر وتسائل أحداث عاشها المغرب وما زال، في سياق دينامية انتقالية لم تتضح معالمها ومآلاتها، وعاشها العالم وما زال في ظل نظام عالمي جديد لم يستقر بعد». و هي نصوص يقول عنها الباحث إنها كتبت «بالتزام صحفي وبانشغال سياسي، ولكن بهاجس معرفي يشد إلى فهم وممارسة الصحافة باعتبارها كما قال جوزيف بوليتزر من أكثر المهن حاجة إلى أوسع المعارف وأعمقها». من أجواء هذا الكتاب نقرأ عن فرضية الانتقال الديمقراطي الذي طال أمد التطبيل له دون أن ينكتب واقعيا ويخرج من عنق الزجاجة، ويحدث بالتالي ذلك المأمول والمنتظر، وهو تحديدا الانتقال من دولة الرعايا إلى دولة المواطنين، والتدبير المؤسساتي بدل الشخصاني، إذ يقول الباحث محمد بنعبد القادر: «أعتقد أن تجربة الانتقال الديمقراطي في المغرب إن كانت لا تدعو إلى القلق من خطر انتكاس يجهض الآمال ويحيي الاستبداد، فإنها تبعث على الإحساس بسخافة الحال من جراء هذا المسلك الاهتزازي الذي يقر بالأشياء ويأتي بأضدادها، كل خطوة إلى الأمام تعقبها خطوتان إلى الوراء، كل إشارة حداثية واعدة تنهكها تقاليد مرعية، كل مبادرة جديدة تعثرها وساوس قديمة، دوران في حلقات مفرغة يثير أكثر من سؤال: هل هناك خطة مرسومة للدفع بمسار الانتقال الديموقراطي إلى مداه؟ هل هناك تصور مشترك لنموذج الحكم السياسي المبتغى؟ وهل يجتاز المغرب أصلا مرحلة انتقال نحو الديموقراطية؟». يظل التساؤل هما مركزيا يحضر بقوة بين دفتي هذا الكتاب، خصوصا وأن الباحث والصحفي محمد بنعبد القادر قادم أصلا من مدرسة القلق الفلسفي، وكذا من مهنة آل المتاعب، فقد سبق له أن زاوج بين الصحافة بجريدة الاتحاد الاشتراكي وتدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي، وهو أيضا الباحث في مجال القانون الدولي وحقوق الإنسان، لهذا جاء كتاب السياسات مسكونا بالبحث عن معنى الأشياء عبر المحاورة والتأزيم التساؤلي. يذكر أن الباحث محمد بنعبد القادر صدر له قبلا كتاب موسوم ب«حوارات» وذلك في إطار سلسلة شراع، كما صدرت له مجموعة من المقالات والدراسات بعدد من المجلات والصحف داخل الوطن وخارجه، كما يذكر أخيرا أن كتاب سياسات صدر في نحو 227 صفحة من القطع المتوسط، وهو الكتاب الثالث في سلسلة فكر الجيب التي يديرها الباحث محمد الدرويش، والتي صدر في إطار عدديها الأول والثاني كتاب من جزأين للباحث محمد بوبكري وذلك تحت عنوان « تأملات في الإسلام السياسي».