عندما يقول السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، في خطبة الجمعة، إن العقوبات الاقتصادية والحظر النفطي لن يكون لها أي تأثير على إصرارنا على المضي قدما في مسارنا النووي، فإن هذا يعني أن الآمال الأمريكية، والغربية الأخرى، في إمكانية نجاح هذه العقوبات في دفع إيران إلى التخلي عن طموحاتها النووية مآلها الخيبة والفشل الذريع. رسالة السيد خامنئي واضحة: نحن لا نخاف من الحرب، وإن كنا لا نريدها، ولكن إذا كتبت علينا فلا خيار أمامنا غير الرد بما نملكه من إمكانيات عسكرية متوفرة لنا، وعليكم تحمل النتائج كاملة. هذا التحدي، الذي يأتي من القيادة الروحية الأعلى في إيران، ربما يأتي ردا مباشرا على الإسرائيليين الذين بدؤوا في قرع طبول الحرب، ومحاولة تجنيد الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى جانبهم، خاصة بعد أن ضمنوا مساندة الكونغرس، وقطاع من الرأي العام الأمريكي، بفعل نفوذ اللوبي اليهودي القوي. هناك ثلاثة مؤشرات رئيسية عن احتمال توجيه ضربة إسرائيلية عسكرية وشيكة إلى البرامج النووية الإيرانية، إلى جانب مؤشرات أخرى أقل أهمية وإن كانت مكملة: - الأول: ما ذكره الصحافي الأمريكي ديفيد إغناطيوس في عموده في صحيفة «الواشنطن بوست» قبل يومين من أن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي، يشعر بقلق بالغ من احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم على إيران، في الفترة بين شهري أبريل ويونيو المقبلين؛ - الثاني: تأكيد إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، أن قواته لم تعد قادرة على الانتظار لفترة طويلة، فالمشروع النووي الإيراني يقترب من النضج، وسيدخل إلى دائرة الحصانة التي تمكن النظام من التحرك لاستكمال هذا المشروع دون تشويش أو عرقلة؛ - الثالث: تصريحات الجنرال أفيف كوفاخي، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية، بأن إيران باتت قادرة على إنتاج أربع قنابل نووية، وأنها حاولت تصنيع صاروخ يصل مداه إلى عشرة آلاف كيلومتر لضرب الولاياتالمتحدة. مؤتمر هرتزيليا الاستراتيجي السنوي -الذي يركز بالدرجة الأولى على القضايا الأمنية، خاصة تلك المتعلقة بإسرائيل، وتشارك فيه نخبة من الخبراء اليهود والإسرائيليين من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى بعض الخبراء العرب من قبيل التنويع والتطبيع- ركز معظم محاوره هذا العام على الخطر النووي الإيراني وكيفية مواجهته. كون كوخلين، الصحافي البريطاني، الذي يكتب في صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية المحافظة، كان من بين الحاضرين لتغطية هذا الحدث. والسيد كوخلين، الذي أعرفه شخصيا، كان من أبرز الكتاب الممهدين للحرب على العراق والداعمين لها، وألف كتابا «وثق» فيه أسلحة الدمار الشامل الموجودة في حوزة الرئيس العراقي صدام حسين، ونشره قبل الحرب بأشهر معدودة. السيد كوخلين قال في تقرير نشرته أمس (يقصد الجمعة) صحيفته: «إن كل التحضيرات للعملية العسكرية ضد إيران اكتملت، وإن لحظة البدء في الهجوم تنتظر قرارا من كل من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإيهود باراك، وزير الدفاع». وإذا وضعنا في اعتبارنا إلغاء الولاياتالمتحدة وإسرائيل مناورات عسكرية مشتركة كانت مقررة في أبريل المقبل، وتدفق حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الحربية البريطانية إلى الخليج العربي، وسحب أمريكا جميع قواتها من العراق وتحويل جزء منها إلى الكويت، وشراء كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات أسلحة أمريكية بأكثر من 130 مليار دولار، وإقامة الولاياتالمتحدة قاعدة بحرية عائمة قرب مضيق هرمز، تتمركز فوقها قوات بحرية خاصة (مارينز) وزوارق سريعة، فإن الصورة قد تبدو أكثر وضوحا. الإدارة الأمريكية تعلن ليل نهار أنها لا تريد الحرب في الخليج لأنها تخشى على مصالحها أولا، ولأنها لا تريدها في سنة انتخابات رئاسية ثانيا، ولأنها لم تتعاف بعد من هزيمتها في العراق وما ترتب عنها من خسائر بشرية ومادية كارثية، وتحاول تقليص خسائرها بالانسحاب من أفغانستان ثالثا. هناك نظرية تستحق التأمل، وهي أن نتنياهو قد يتعمد شنّ حرب على إيران قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في نونبر من أجل الحيلولة دون فوز الرئيس باراك أوباما بولاية ثانية، لأنه ربما يستغل هذه الولاية للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة، وفرض حل الدولتين بطريقة أو بأخرى. ما نطرحه هو احتمالات غير مؤكدة، فالأسرار العسكرية ليست مثل المواقف السياسية التي يتم تسريبها إلى الصحف والصحافيين، ومن غير المستبعد أنها من قبيل الحروب النفسية، التي يلجأ إليها المتخاصمون كورقة ضغط، أو أدوات تضليل تسبق الحروب الحقيقية، ولكن ما هو شبه مؤكد بالنسبة إلينا أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لهما ربيعهما الخاص أيضا، وبمعنى آخر فإنهما تتطلعان إلى تغيير النظام الإيراني وبأسرع وقت ممكن قبل امتلاكه أسلحة نووية يمكن أن يجعل هذه المهمة متعذرة. ولا شك أن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا على إسرائيل والهيمنة الأمريكية على مستودع النفط والغاز الأضخم في العالم، ولكن أمريكا بالذات تعايشت مع الخطرين النوويين الصيني والروسي، وبعد ذلك الهندي والباكستاني، وفوق كل هذا وذاك الكوري الشمالي؛ كما تعايش العرب لأربعين عاما مع البرنامج النووي الإسرائيلي؛ ومن المفارقة أنهم لا يريدون التعايش مع أي برنامج نووي إيراني. أمريكا قد تنجح في تغيير النظام الإيراني، مثلما نجحت في تغيير النظام العراقي الجار في الغرب، والطالباني الأفغاني في الشرق، وفوقهما النظام الليبي، وجميع عمليات التغيير الثلاث هذه تمت بالقوة العسكرية، ولكن السؤال هو حول ما يمكن أن يحدث بعد تغيير النظام الإيراني من تبعات على المنطقة بأسرها. الحرب في أفغانستان استمرت عشر سنوات بعد تغيير نظام طالبان، وها هي طالبان تفتح سفارات في الرياض والدوحة برعاية أمريكية تمهيدا لإعادة تسليمها السلطة في كابول، أما تغيير النظام في العراق فقد دفع أمراء الخليج إلى البكاء ندما على صدام حسين ونظامه، بعد أن اكتووا بتصاعد النفوذ الإيراني في العراق. لا نريد أن نبالغ في قوة إيران العسكرية، ونسلم مسبقا بأنها دولة من العالم الثالث تنتمي أسلحتها إلى القرن العشرين، بينما أسلحة خصومها تنتمي إلى القرن الرابع والعشرين، ولكن ألم يكن حال حركة طالبان أكثر سوءا، ألم تكن أسلحتهم بدائية تنتمي إلى مرحلة فجر الإسلام، وطائراتها لا تطير، وإذا طارت لا تعود إلى قواعدها، لأنها تنفجر في الجو؟ فماذا كانت النتيجة بعد عشر سنوات من غزو أفغانستان؟ شن حرب على إيران قد يكون حلا للعديد من المشاكل والأزمات في المنطقة، من بينها الأزمة السورية، والغطرسة الإسرائيلية، والاحتقان اللبناني، وتخفيف الضغوط على ثورات الربيع العربي المعادية لأمريكا وإسرائيل، ودحر فلول الأنظمة السابقة. لا نستغرب، بل لا نستبعد إطلاق 200 ألف صاروخ على إسرائيل، مثلما حذر رئيس جهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي، من إيران ولبنان وسورية وقطاع غزة، لأننا شاهدنا ومعنا العالم كله، أربعة آلاف صاروخ تسقط كالمطر فوق رؤوس الإسرائيليين في حيفا وعكا وصفد الجليل، في حرب انتصار المقاومة اللبنانية عام 2006. إسرائيل تقرع طبول الحرب، والإمام خامنئي قال أهلا بها في خطبة الجمعة، وعلينا أن ننتظر لأننا لا نملك غير الانتظار، ولكن يحدونا الأمل في أن النتائج ربما تكون مختلفة هذه المرة، والبقية لفهمكم.