بعدما كان قد «بشر» بقدوم حكومة إسلامية في سنة 2006، من خلال كتابه «الحكومة الملتحية»، والذي نفذت طبعته الأولى، صدرت عن دار الأمان في الرباط، الطبعة الجديدة والمنقحة لكتاب عبد الكبير العلوي المدغري بعنوان «الحكومة الملتحية»، وهو عبارة عن دراسة مستقبلية كانت قد خلقت نقاشا وجدلا. جاء صدور هذا الكتاب متزامنا مع صدور روايته الجديدة بعنوان «في مرآتنا علم آخر»، وهي ثاني عمل روائي للدكتور المدغري، بعد رواية «ثورة زنو»، التي صدرت في العام 2004. وقال الدكتور المدغري، في معرض حديثة عن تطورات الساحة السياسية بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة وتشكيله للحكومة، إن «المواطنين صوّتوا على حزب العدالة والتنمية ليقدم البديل في برنامجه ولم يصوتوا عليه ليتشبه بالأحزاب القائمة». وأضاف: «صوتوا عليه ليتمكن من تشكيل حكومة تبرهن على قدرة النظام الإسلامي على إحداث التغيير وتحقيق الإصلاح وإنجاز النهضة الشاملة في جميع المجالات، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية والمالية، بما يتضمنه ذلك النظام من قواعد ومبادئ وشروط وآليات وتقنيات وبما يحدثه في الإنسان من تغيير وتفجير لطاقة الخلق والإبداع فيه». وقال المدغري، في فقرات من الفصل الجديد من الكتاب: «صوت المواطنون على حزب العدالة والتنمية ليضيف قيمة جديدة ويغيّر المشهد السياسي، المقرف، الذي يئس المواطنون من بؤسه. ونحن نؤمن بأن النظام الملكي في المغرب قادر على استيعاب هذا التغيير وأن الديمقراطية، الراسخة في الملكية الدستورية، كفيلة بتمكينهم من مقاليد حكومة تناوب إسلامية، شريطة الوضوح في المواقف واحترام شروط النظام الديمقراطي والإخلاص في بناء مجتمع حديث، متقدم، سمح، تتعايش فيه الثقافات والحضارات والتوجهات السياسية المختلفة في فضاء التعددية والمواطَنة، التي لا تعرف التمييز ولا الإقصاء». وقال المدغري أيضا: «ما زال الأمل يحدونا في شباب الحزب، وهم والحمد لله من خيرة الشباب إيمانا وإخلاصا وثقافة ونباهة ووطنية، لنراهم وقد جدّدوا ثقتهم بنصر الله وعونه وتوفيقه لمن والاه، وشمروا عن ساعد الجد، واستخدموا العقل، واستعانوا بالعلم وتجارب الأمم الناجحة واستلهموا من كتاب الله وسنة رسوله وتاريخ الإسلام وحضارته ما يعينهم على بلورة برنامج حقيقي، لتعبئة العباد في إصلاح البلاد وازدهارها ورقيها وعزتها وكرامتها، وكل ذلك في إطار المؤسسات الشرعية والدستور والملكية الدستورية وبدون عنف ولا تشدد ولا إقصاء ولا احتكار للدين، ويومئذ، تستحق الحكومة الملتحية أن تسود وتستحق لحيتها أن تكون لحية محترمة بكل ما في الكلمة من معنى، لأنها حينئذ ستتحول إلى حكومة إسلامية، تسهر على تنفيذ برنامج الإسلام، ولا تكتفي بالمظهر الإسلامي وبرنامج الشعارات!».. وكان المدغري قد أشار، في كتابه، إلى أن الحكومة الملتحية لن يكون لها من الإسلام إلا الاسم والشكل، أما الحكومة الثانية (الإسلامية) فستكون ثمرة مخاض عسير شامل على المستوى الثقافي والديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وتأتي بعد أن تمت تهيئة الأوضاع مسبقاً في مرحلة الحكم الملتحي. ولذلك كان يدافع بقوة عن حق الإسلاميين في السلطة رغم أنه كان يرى أن الظروف الراهنة تعني أن الإسلاميين «سينغمسون في لعبة الديمقراطية التي تجعل من البرلمان مجلساً تشريعياً، يتعامل بالربا ويستخلص الضرائب من المحرمات، كالخمور وغيرها، وسوف يمارسون النفاق السياسي المكشوف... وسوف يجدون أنفسهم في ظروف لا تسمح لهم بتطبيق الإسلام على الوجه الصحيح.. ولكن هذه الحكومة ستكون مقدمة لا أكثر لحكومة أخرى تأتي بعدها، ولو بعد عقود من الزمن تسمى بحق «الحكومة الإسلامية». وكان المدغري، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف لمدة تسعة عشر عاماً في عهد الراحل الحسن الثاني، قد بعث في كتابه برسالة تهدئة وتطمين للرأي العام، محاولاً الرد على الانتقادات والتهم التي توجه نحو الإسلاميين في حال وصولهم إلى السلطة من أنهم سوف يزعزعون النظام السياسي والاقتصادي ويجبرون الناس بالإكراه على الدين وينقلبون على العملية الديمقراطية ويلجؤون إلى العنف في التعامل مع خصومهم السياسيين والفكريين ونحوها من الاتهامات، وناقش الفكر السياسي قضية الجهاد وتطبيق الشريعة والحدود وغموض موقف الإسلاميين من الديمقراطية وحد الردة والحريات الاجتماعية وحقوق الأقليات والمواثيق الدولية وغيرها من القضايا الجدلية الواردة في هذا الكتاب، الذي يعيد نفسه إلى الواجهة في مرحلة الربيع العربي، التي شهدت صعوداً ل»الحكومات الملتحية» في المغرب وتونس ومصر. في كتاب «الحكومة الملتحية»، يبعث المدغري رسالة يقول مضمونها إن الوقوف عند الشكل في المرحلة الحالية في إطار «الحكومة الملتحية» تعتبر خطوة إلى الأمام في المشروع الإٍسلامي العام نحو تحقيق (الحكومة الإسلامية)، ففي سياق أكبر القضايا التي تواجه الحكومات الملتحية، وهي مسألة تطبيق الشريعة، يتساءل المدغري: «هل بإمكاننا أن نعيش خارج إطار العولمة والاقتصاد الحر والنظام البنكي الربوي وتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد ومساعداتهما؟ هل بإمكاننا أن نعيش خارج ميثاق الأممالمتحدة وما تفرع عنه من عهود واتفاقيات؟».. ويجيب عن ذلك بالقول إن «أي حكومة تتبنى التوجه الإسلامي في هذا الوقت لا بد أن تقتنع أنها لا يمكن أن تعيش خارج المجتمع الدولي وخارج النظام الذي تعارفت عليه الدول ورسّخته بالمواثيق والمعاهدات الدولية، ولا بد أن تتخلى هذه الجماعات عن شوائب وسلبيات الثقافة القديمة.. فنحن إننا إما أن نسير في خط الالتزام الحرْفي بالشريعة، مع العلم أن الحلال بيّن والحرام بيّن، وسوف نحكم على أنفسنا بالعزلة، ونقع حينها في حرج كبير وضيق مما يمكرون، لأننا طرف ضعيف في المعادلة.. أو نختار تفعيل الشريعة، بكافة مكوناتها ومقاصدها وظاهرها وباطنها وروحها، لأن العبرة بمآلات الأفعال، وأينما كانت المصلحة فثم شرع الله». فلا داعي -حسب المدغري إذن، إلى التشدد في تطبيق الحدود أو حظر الربا وإلغاء البنوك التقليدية أو استقبال السياح -حتى لو كانوا من إسرائيل، كما صرح بذلك يسري حماد، الناطق باسم حزب النور السلفي في مصر- أو منع السياح من ممارسة أنشطتهم المعتادة في الملاهي والمقاهي أو منع لبس «المايوه» على الشواطئ، لأنه أمر يعود إلى رغبة الناس، كما صرح بذلك الشيخ محمد عبد المقصود، أحد رموز الدعوة السلفية في مصر، أو إعلان الجهاد ضد الأعداء أو طرد المستعمرين والتخلص من عملائهم من بلاد المسلمين!.. ومن جهة أخرى، يذكر أن العلوي المدغري خصص عائد روايته الجديدة «في مرآتنا عالم آخر»، لفائدة مشروع كفالة اليتيم المقدسي، الذي ترعاه وكالة بيت مال القدس الشريف.