هل حقا ستؤدي بنا الديمقراطية إلى تسليم مقاليد الحكومة إلى الإسلاميين؟ وهل باستطاعة الإسلاميين الاضطلاع بأعباء الحكومة ببرنامجهم؟ وهل ستكون حكومتهم إسلامية حقا وصدقا أم لن يكون لها من الإسلام إلا اللحية؟ وهل ستكون مجرد حكومة ملتحية في البداية لتأتي الحكومة الإسلامية الحقيقية فيما بعد؟ هذه بعض التساؤلات التي يجيب عنها كتاب «الحكومة الملتحية»، لعبد الكبير العلوي المدغري، الذي توقع فوز الإسلاميين في المغرب وفي بقية الأقطار العربية منذ سنة 2006، وتحققت نبوءته الحصيفة في جزئها الأول وبالطريقة التي حددها في الكتاب... تربع كتاب «الحكومة الملتحية»، لفقيه دار المخزن عبد الكبير العلوي المدغري، على رأس أكثر الكتب مبيعا في المغرب، منذ أن فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية ل25 نونبر، وصار الجميع يتحدث عن دقة الرؤية والنبوءة التي حملها الكتاب منذ`سنة 2006، تاريخ صدوره كدراسة نقدية مستقبلية. وتوقع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق، العلوي المدغري، قبل أن يدثره المخزن بمنصب جديد على رأس بيت مال القدس الشريف، أن يحصل هناك مد إسلامي منقطع النظير، يبدأ بحكومة ملتحية إسلامية الهوى والشكل ستكون مقدمة، لا أقل ولا أكثر، لحكومة أخرى تأتي بعدها على إثر عقود من الزمن تسمى بحق «الحكومة الإسلامية». أما الحكومة الملتحية الحالية فلن يكون لها من الإسلام إلا الاسم، لأن الظروف التي تحيط بها لا تسمح لها بتطبيق شيء من حكم الإسلام ونظامه. وسوف تكون الحكومة الإسلامية الحقيقية ثمرة مخاض عسير، «مخاض ثقافي ديني فكري سياسي اجتماعي واقتصادي»، ويضيف محذرا وناصحا الإسلاميين بعدم التسرع في الوصول إلى الحكم: «الذي نتوقعه إذا جاءت أية حكومة إسلامية عن طريق الانتخابات، في ظل الظروف الراهنة، أن لا يكون لها من الإسلام إلا اللحية (أي المظهر الشكلي) وستعمل بالتشريع الوضعي، وستلعب لعبة الديمقراطية التي تجعل من البرلمان مجلسا تشريعيا، وستتعامل بالربا، وسوف تستخلص الضرائب من المحرمات كالخمور وغيرها، وسوف تمارس النفاق السياسي المكشوف وتسيء إلى الإسلام أكثر مما تحسن إليه، لأنها من جهة تعجلت الوصول إلى الحكم قبل أن تستكمل أدواته، ولأن الظروف والأوضاع الحالية لا تسمح لها، من جهة أخرى، بتطبيق أي برنامج إسلامي على فرض توفرها عليه». الكثير من المتتبعين العلمانيين توجسوا من فكرة الكتاب، وأكدوا مرة أخرى على إيمانهم القديم الجديد بأن ليس في «القنافذ أملس، وأن كل الإسلاميين كيفما كان معتقدهم ومذهبهم، غايتهم واحدة تطبيق شرع الله في الأرض، لأن الديمقراطية كما يفهمها الإسلاميون هي مجرد ميكانيزم برغماتي بسيط ومثمر جدا للوصول إلى السلطة من أجل أسلمة المجتمع في اتجاه وضع دستور إسلامي مستمد من القرآن والسنة». ولا يخفي المدغري نفسه هذه النية، التي قال إنها «ستأتي عبر التدرج». الحكومة الملتحية يعتبر عبد الكبير العلوي المدغري أن أكبر من قدم الخدمات للتيار الإسلامي في الوطن العربي هم الحداثيون أنفسهم، ويضيف أن الحكومة الملتحية التي ستعتمد «التقية» في البداية، سيرجع فيها الفضل إلى خصومها الديمقراطيين تحقيقا لمعادلة بسيطة وهي : شعب مسلم+ديمقراطية= حكومة إسلامية... وهذه الحكومة ستظهر منها اللحية فقط، قبل الأعمال والمنجزات. وسيكون بعض اللحى طويلا عريضا، وبعضها خفيفا لطيفا، وبعضها يلتقي بشارب محفوف، وبعضها يصعد فوق الخدين ليلتقي بإطار النظارتين، فلا يكاد يظهر من وجه الوزير شيء... لكن لحى أخرى ستكون مجرد شعيرات في الذقن، لتأكيد الالتزام بالسنة وكفى، وهذا ما سوف يحدث في الغالب في الحكومة الملتحية الأولى... ويذهب المدغري بعيدا في هذا التصنيف إلى اعتبار اللحية، ليست مسألة شعيرات فقط، نتركها أو نحلقها، ولا هي قضية مظهر ورجولة وغلظة، في مقابل تنعم الإنسان الحداثي، الذي يحلق لحيته ويعطرها، لكنها أكثر من ذلك، لأنها تؤكد على الانتماء والتشبث بالهوية والالتزام بالشريعة، ولأنه يصعب تصديق التزام وزير في الحكومة الملتحية وهو لا يطبق نصا من نصوص الشرع، الداعي إلى إعفاء اللحية وحف الشارب. ويضيف المدغري، الذي يحلق هو نفسه لحيته ويعطرها على الطريقة الحداثية، أن لحية الحكومة كلما كانت كثيفة طويلة وعريضة كلما دلت على عمق الالتزام، وستشرّف الحكومة وتزيدها هيبة ووقارا، لأنها تدل على صدق التزامها بالنصوص الشرعية، وتشير إلى التغيير الجذري في طبيعة الحكومة، لاسيما أن المغرب تعود على حكومات كثيرة غير ملتزمة... صراع إسلامي علماني وكتاب «الحكومة الملتحية» نقد قوي للعلمانيين والحداثيين وكل دعاة التغريب كما سماهم الكاتب، حيث اعتبر الإيديولوجية الشيوعية والاشتراكية، مثلا، ابتلاءً كبيرا تعرضت له الأمة كمقدمة لتولي الإسلاميين الحكم لأول مرة في التاريخ، وإنزال شرع الله في الأرض، بعد ما عجزت الأمة عن تحقيق ذلك منذ عهد وفاة الرسول. ويرجع المدغري انتشار الإيديولوجية العلمانية في دار الإسلام إلى الاستعمار المادي والثقافي والفكري للغرب، حيث ظهرت أجيال متأثرة بأيديولوجيات وتيارات فكرية أقرب إلى المادية منها إلى الدين، وصاحب ذلك ظهور أحزاب وجمعيات للمجتمع المدني، منها الليبرالي والاشتراكي والشيوعي، استطاعت الوصول إلى الحكم، وسخرت وسائل الإعلام للدعوة إلى اختياراتها والتنفير من خصوصها، وتقلصت الدعوة إلى الدين في مجال الحكم، واقتصرت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال العبادات والأخلاق، ب«أسلوب درء ووسائل ضعيفة» وسقط الإجماع على الإسلام، لنتجه إلى الإجماع على المواثيق الدولية. ولم يسلم من البلاء إلا بعض الدول الإسلامية، التي ما تزال إلى الآن ترفض التنظيمات الحديثة القائمة على الديمقراطية والتأطير الحزبي وحقوق الإنسان والحريات العامة... ويفند القول بفقر القانون الدستوري الشرعي، ومع أنه لا ينكر حقيقة تقدم الغرب في هذا المجال، ويعتز بالفقه الإسلامي، لأنه غير فقير إلى الدرجة التي يتوهمها العلمانيون، مضيفا أنهم «أرجفوا عندما قالوا إن الرجوع إلى الإسلام هو الرجوع بالأمة إلى دولة وعصر الإبل والخيام والسيوف واللحى والرقيق وما ملكت أيمانكم...». ولا ينفي الكاتب عن العلمانيين بعض الإيجابيات، عندما اعتبرهم إخوان الإسلاميين وأصدقائهم، وليسوا قوما بسطاء وسذج كما يتسرع البعض في وصفهم واتهامهم بالجهل وضيق الأفق والكفر والفسوق أحيانا... لكنه يستدرك بسرعة أن الحكومة الملتحية عندما ستصل إلى الحكم قد تتحالف مع هؤلاء مؤقتا وستسخر كل الإمكانيات المشروعة وغير المشروعة لتثبيت أركانها، لأن النظام الإسلامي سيسود بعد أن يحدث نجاح الحكومة الملتحية، التي ستقود مباشرة إلى أسلمة المجتمع والمرور إلى تطبيق الدستور الإسلامي، النابع من النظام الرباني وتعاليم الوحي، دون تغييب الاجتهاد. خريطة طريق لبنكيران يسخَر العلوي المدغري من «الذين ركبوا موجة محاربة الإرهاب مع الولاياتالمتحدة، معتقدين أنها ستتخلى عن «أصدقائها الإسلاميين»، وهو الشيء غير الصحيح، لأنها سترجع بقوة بعد أن تندمل جراح أحداث 11 شتنبر وتقضي على الإرهابيين المتشددين، لتعقد الخناصر مع أصدقائها وحلفائها الإسلاميين المعتدلين، الذين يشاركونها الكثير من المصالح». ولم يستبعد أن تنقلب الولاياتالمتحدة على الأنظمة المستبدة في الوطن العربي من أجل حمل الإسلاميين إلى الحكم وتعزيز الديمقراطية، لما لها من مصلحة استراتيجية في استقرار الأوضاع في المنطقة. ويقدم الكتاب «خارطة طريق» للحكومة الإسلامية التي تتغيا البناء الدستوري للخلافة على منهاج النبوة، وينصح الحكام المقبلين بالتريث حتى تمر الظروف الراهنة والمناخ الدولي الحالي والحكم بالقانون الوضعي الموجود حاليا والمعاملة والمحافظة على الأوضاع كما هي، حتى تنضج الظروف جيدا وتستكمل أدوات الحكم لفرض البرنامج الإسلامي الحقيقي القائم على القرآن والسنة. ولتحقيق هذا الهدف المقدس، يجب أن يتوفر الإسلاميون على الشجاعة الكاملة للقيام بنقد ذاتي وقراءة جديدة للتاريخ الإسلامي، والابتعاد عن النظر إلى الذات بعين الرضا وإلى الخلفاء والأئمة السابقين بعين التمجيد والتقديس، وعدم تسفيه والتشكيك في كل من يطعن في سيرة السلف، لأن الأمة الإسلامية أضحت اليوم في مفترق طرق خطير تتهيأ لتختار الإسلام دينا ودولة، وتستعد لتصل بالصحوة الإسلامية المعاصرة إلى أسلمة الدولة والمجتمع... ويسترسل في نصائحه للإسلاميين بأنهم مطالبون بإحياء الإسلام كما هو في نصوصه المحفوظة في الكتاب والسنة الصحيحة، ويتخلوا، في المقابل، عن استنساخ ما كان عليه السلف من الحكام وبطانتهم. والحكومة الإسلامية المقبلة «لا يجمل بها، يقول الكاتب، أن ترتدي من جديد خلة الخلافة التي أبلوها ولطخوها، وإنما إعادة نسج حلة خلافة جديدة سُداها الإسلام، ولحمتها الإيمان، وغايتها كرامة الإنسان وحفظ حقوقه وتحقيق مقاصد الشرع وتفعيل مبادئ العدل والمساواة». وإذا سلكت الحكومة الملتحية هذا المسلك، ستتحرر من ثقل التاريخ ومن ظله الذي لا يفارق قراءة النصوص الدينية، وستصل إلى نصوص دينية جديدة غير تلك التي نجدها حاليا في التأويل والتفسير والتخريج والتنزيل، الذي قام به السلف من علماء الأمة في ظروف ضاغطة وأحوال سيئة يشوبها الإكراه المادي والمعنوي... في الجانب الاقتصادي، لم ينس الكاتب التذكير بأن الإسلام أتى بنظرية اقتصادية خارقة، وعلى الحكومة الملتحية الاستنجاد بها، لأنها نظرية متكاملة ومتينة سماها «نظرية الدارين»، وهي نظرية تجمع بين الدنيا والآخرة، وبين الشأن الاقتصادي والشأن الاجتماعي والشأن الديني عملا بالآية «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين».
ضمانات الحكومة الملتحية يقدم العلوي المدغري رزنامة من الضمانات للمجتمع المدني وللعلمانيين ولبقية الأقليات الموجودة في الوطن العربي ويحذر في نفس الوقت من انجرار المطالب الأمازيغية للدعوة إلى التخلي عن الإسلام والعودة إلى دينهم الأصلي (المسيحي)، لأن الإسلام احتفظ للعرب بمكانة خاصة وجعل العنصر العربي حجر الزاوية في أمته ويجب أن تتبعه بقية الأقوام بفخر واعتزاز... ويقول موجها كلامه لدعاة الحداثة والديمقراطية، الذين يؤاخذون على الإسلاميين ظلم الأقليات واعتبارهم مجرد «أهل ذمة» وليسوا مواطنين: «نحن في هذا الشأن وغيره نرجع إلى المبادئ والقواعد التي أكد عليها التشريع في القرآن والحديث وسيرة الخلفاء الراشدين وإجماع الأمة، وننظر إلى الواقع بعين الحاضر وقد انتهى العمل بنظام أهل الذمة وأصبح غير المسلمين في دار الإسلام مواطنين لهم حقوقهم الكاملة وعليهم ما على المسلمين من واجبات، وأصبح من حق كل واحد أن يمارس ديانته بمنتهى الحرية بضمانة القانون والمواثيق الدولية، ولم تعد الأقليات الدينية جزرا معزولة وسط المجتمع». وينفي المدغري كليا أن يكون الإسلام يعارض هذا الوضع الجديد، الذي يمكن أن تنعم به الأقليات في حضن الإسلاميين. ويذهب بعيدا ليقول: إن باستطاعتنا الوصول إلى مزيد من تحسين أوضاع الأقليات في ظل دولة الإسلام لتنعم بمزيد من حرية العقيدة وحرية التعبير ومزيد من الكرامة وحقوق المواطنة وإطلاق زمام حرية الفكر وإقامة العدل وفصل السلط وإرجاع الكلمة للشعب استلهاما من النصوص الشرعية الثابتة وتنفيذا للمواثيق الدولية، التي لا تتعارض مع مبادئ الإسلام. ومن الضمانات التي قدمها المدغري في كتابه، أن الحكومة الملتحية لن تمارس الإكراه الديني أو تسمح به، لأنه أمر مخالف للدستور، الذي تأسست عليه تلك الحكومة، وهو القرآن والسنة تطبيقا للآية القرآنية «لا إكراه في الدين». ويعتبر هذه الضمانة كفيلة بطمأنة النخبة السياسية والمجتمع المدني والرأي العام الداخلي والخارجي خصوصا، أن رئيس الدولة أو أمير المؤمنين ومعه العلماء سيسهرون على هذه الضمانة. أما الضمانة الثانية، فهي الجهاد، ويذهب إلى أن المسلمين لم يكونوا واضحين في تفسير هذا اللفظ، ودافع عن التاريخ الإسلامي منزها إياه عن العنف، لأن المسلمين، يقول المدغري، لم يرفعوا السيوف ضد الحمائم والخراف وضد أبرياء مسالمين عزلا لا يحاربون أحدا، منتقدا من سماهم مثقفو الصالونات، لأنهم يستنكرون ويدينون باحتقار الجهاد ولا يطالبون، من جهة أخرى، الدول العظمى بتفكيك ترسانتها النووية وتسريح جيوشها المرابطة في أنحاء كثيرة من العالم. ويخلص إلى أن الجهاد فرض إذا وضع في مكانه الصحيح، لأن أمة الإسلام ليست بدعا من الأمم في استعدادها الدائم للحرب وفي تمسكها بالجهاد، لأن الوضع التاريخي يفرض ذلك. الضمانة الثالثة، التي يؤكد عليها الكتاب في ظل الحكومة الملتحية، هي انتفاء ثقافة التكفير والردة، ويرى المدغري أن «المرأة العارية الصدر والفخذين التي تتمتع بأشعة الشمس في الشاطئ والفتيات مكشوفات البطن والذراعين.. وغيرها من المظاهر بما فيها الارتداد عن الدين»، لا يستوجب حكمها القتل كما جاء في أحد الأحاديث غير الدقيقة، لأن الفقهاء توسعوا في هذه الجزئية، وأعطوها أكثر مما تستحق، مع أن حكم قتل المرتد ومعاقبة المتبرجة غير وارد في القرآن.