«ها هو بن لادن.. ما ماتْش»، أشار أحد المارة من ذلك الزقاق المنحدر في قصبة تاوريرت إلى رجل يشبه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ليتوقف الأخير لحظات عن إدخال زرابي إلى محل تجاري ضيق ويصدر ابتسامة تشبه ابتسامة بن لادن. -ما بقاش بيمو تُونيك أعزيز؟ (يسأل زبون) -لا ما بقاش (يجيب «بن لادن») بعد أن ألقى نظرة على طاولة صغيرة فوقخها بيسكويت و»فانيد» داخل محل صغير، علقت فيه صور عبد العزيز بويدناين، أشهر «كومبارس» في ورزازات وأكثرهم شبها لبن لادن. بدا «بن لادن»، المغربي، في حالة رثة. يرتدى جلبابا شاحبا. غزت لحية رمادية وجهه، الهزيل، وتدلّت شعرات من أسفل طاقيته الصوفية. عمره 54 سنة. يعيش هنا في قصبة تاوريرت ويقضي يومه بين محلين تجارين صغيرين، أحدهما «بازار» والآخر فيه بسكويت وعلقت داخله صور له أثناء لحظات تصوير أفلام. «بدأتُ العمل سنة 1985 في فيلم «جوهرة النيل».. المخزن لم يكن يعرف السينما.. في تلك اللحظة، بدأ إشعاع مدينة ورزازات.. كنت جنديا في الصحراء لمدة 10 سنوات، وعندما عدت، عملت كممثل ثانوي في أفلام أجنبية صُوِّرت هنا»، يقول عبد العزيز. بالنبرة النوستالجية ذاتها، بدأ بويدناين في رواية «حكايته»، قبل أن يصبح «بن لادن»: «كنا نعمل مع أجانب كمساعدين. منهم تعلمنا الصنعة. في 15 سنة الأولى، اشتغلتُ في عدة مجالات، كانوا يسمونني «الجوكير». كنت أتقاضى تعويضا جيدا. عملت تقنيا مساعدا وكنت أتقاضى 60 ألف درهم في الأسبوع.. جميع مديري الإنتاج كانوا يعترفون بي. عندما أردت الحصول على بطاقة من المركز السينمائي قالوا لي إنه يجب عليّ أن أعمل في فيلم مغربي، ولكنّ الإنتاج المغربي كان آنذاك قليلا»، يقول بويدناين. انتقل بويدناين من العمل التقني إلى التمثيل، مثل غالبية «كومبارس» ورزازات، الذين أضحى التمثيل مصدر رزقهم الوحيد: «اكتشفني مخرج إيطالي بعدما قال إنني أتوفر على وجه سينمائي مقبول. قال لي يجب أن أعمل ك»كومبارس»، ويمكنني أن أصير ممثلا معروفا. عملت في ثلاثة أفلام وثائقية، أديت في أحدها، أنتجته قناة «ناشيونل جيوغرافيك»، دور بن لادن، نظرا إلى الشبه بيننا. شاركتُ في وثائقي آخر من إنتاج بلجيكي، تطلب العمل فيه 7 سنوات، وهو من ضمن الأفلام المشاركة الآن في مهرجان دولي»، يردف بويدناين. تقمص بويدناين عدة شخصيات، وعاش عدة أدوار، بحثا عن رزق. لعب دور المؤمن والكافر والإرهابي والمعتدل.. «مثلتُ دور عيسى في فيلم، وفي فيلم آخر لعبت دور شخص من معارضي لعيسى. كايْعطيوني غالبا أدوار الوجوه «الخاسرين»، الذين لا يقبلون الديانة الجديدة. كنت أحد الحواريين في أحد الأفلام و...»، يستغرق بويدناين في سرد قائمة أدوار مثلها. أكد بويدناين أنه كان يتقاضى 500 درهم كتعويض عن عمله كممثل ثانوي كل يوم، عوض 1500 درهم التي كانت عقود مع شركات إنتاج تنص عليها. أطْلعنا على نماذج من هذه العقود التي ما زال يحتفظ بها. ما زال يحتفظ، أيضا، بنص حوار لعب فيه دور بن لادن. صور عديدة وذكريات، بعضها معلق على جدران محله الصغير وأخرى محفوظة في ركن قصيّ من ذاكرته.. «كْبّرت ولادي من السينما.. الآن تراجعت السينما والشيخوخة تفعل بي فعلها.. أضطر الآن إلى بيع «الديطاي» لتدبر مصاريف العيش.. عْطا الله باش نْربحو الفلوس.. نْبيعو الماحيا ولا نمشيو للدعوة والقتال ولا نسعاو النصارى.. ولكنني أفضل العيش في كرامة»، يقول بويدناين، قبل أن يختم بنبرة حزينة: «المشكل الذي أعيشه يعيشه عدد كبير من الناس، الذين كانوا يعيشون على السينما.. هناك أشخاص هاجروا من مدنهم واستقروا في ورزازات في فترة انتعاش الإنتاج السينمائي، وها هم اليوم يعانون نقص فرص العمل.. يجب إيجاد حل»..