كان مئير دغان، في نهاية الأمر، على حق مع كل ذلك. إن تقديره أن إيران ليست قريبة كثيرا من إنتاج قنبلة ذرية جعله يحظى بانتقاد من قبل الحكومة، بل إن هناك من يزعمون أن الحكومة رفضت بسبب ذلك أن تطيل مدة ولايته سنة أخرى. وها هو ذا جهاز الأمن في هذه الأيام لم يعد متأكدا من أن ذعره كان في محله. يكشف محللنا عاموس هرئيل، في عنوان رئيس في صحيفة «هآرتس» في يوم الأربعاء الماضي، أن «إيران لم تقرر بعد إنتاج سلاح ذري بسبب خشية من عدم استقرار النظام». وفي هذه الظروف، جعلت العقوبات المثقلة لكاهل إيران قيادتها تفكر تفكيرا ثانيا. نُسبت إلى الرئيس ثيودور روزفلت في زمانه مقولة «تحدث بلين واحمل معك عصا كبيرة»، فالحديث بصورة أقل والتهديد بقدر أقل هما ذخر لدولة سليمة العقل. وتهديداتنا تومئ إلى أن ما تقوله إسرائيل هو بالفعل «أمسكونا». توجد حدود لقدرتنا على ضرب إيران، ومع كل الاحترام لأنفسنا، فإن هناك حدودا أيضا لقدرتنا العسكرية. فنحن لسنا أمريكا بل نحن متعلقون بها في الأكثر. وتهديداتنا أحيانا مبالغ فيها، فلسنا نحن وحدنا من نعرف التهديد بل تعرف إيران أيضا صنعة التخويف. يقول البروفيسور شلومو أفنيري: «لا يجوز لنا أن نُهيج الوضع». ومعنى كلامه أنه لا يجوز أن يكون الانتقاد علينا أشد من الخطر الذي نتعرض له، وأن مجرد حقيقة أن نعتبر مجانين تجعل الدولة في خطر. عنون روجر كوهين، صاحب العمود الصحافي في صحيفة «نيويورك تايمز»، عموده الصحافي هذا الأسبوع بعنوان «لا تفعل هذا يا بيبي». وقصد كوهين تهديدات إسرائيل بقصف منشآت إيران الذرية. «سيكون فعل هذا قبل الانتخابات في أمريكا خطأ شديدا» كتب. وهذا الأمر سيؤثر، حسب قوله، على علاقة أوباما بإسرائيل في المستقبل إذا تم انتخابه لولاية ثانية، من غير أن نتحدث عن خطر التطرف في المنطقة الإسلامية الملتهبة. لا يعتبر كوهين محبا غاليا لإسرائيل رغم اسم عائلته. لكن لا يعني هذا أن ما يكتبه لا يعبر عن شعور البيت الأبيض. لا يجب أن تكون صاحب عمود صحفي في «نيويورك تايمز» كي تقول إننا لسنا قوة عظمى، فالكلام والتهديد فضلا عن كونهما لا يساعدان يكونان مضرين أحيانا. إنهم يعرفون أن يفعلوا ما نعرفه نحن، فحينما يقول بيبي إن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لا تجدي، يُبين الواقع أنه يقول سخافات. ولا يتصرف أفيغدور ليبرمان أيضا بحكمة كبيرة حينما يرد على الموقف الأمريكي بقوله: «حان الوقت للتحول من الكلام إلى الفعل». كيف لا يفهم هذان العقلان العبقريان أنهما بهذا الكلام الاستخفافي يعرضان التعاون الأمني الذي لا نظير له بين إسرائيل وأمريكا للخطر؟ إن اعتقاد أن العقوبات الاقتصادية لن تكف إيران أو تثنيها، فمن الحقائق أن ليس من السهل على قادة إيران أن يخطوا الخطوة القاتلة الأخيرة. ويحسن أن نتذكر أنه حينما غزت الولاياتالمتحدة العراق في 1991 تلقت إسرائيل صواريخ سكود (انتقاما على قصف المفاعل العراقي)، وأدخل 39 صاروخا ضئيلا الدولة في ذعر، فهرب نصف السكان من غوش دان وشرب النصف الثاني الماء وتبولوا في القُدور التي أعدوها في الغرف المغلقة. ومن هنا، فإن الأمريكيين إذا استعملوا وحدهم عملا عسكريا على إيران فإننا على كل حال سنتلقى صواريخ شهاب في قلب تل أبيب لا من إيران وحدها بل من ملاجئ حزب الله وربما بسبب تهديداتنا التي لا داعي لها والتي لم تتحقق، فكيف إذا عملنا وحدنا. لا تحسبوا أنه إذا هاجم الأمريكيون فسنستمر في قضاء وقت ممتع في تل أبيب، ففي حرب لبنان الثانية لم نكن مستعدين للقصف اليومي من الشمال حتى الخضيرة. ولا يجب علينا أن نسمع التخويفات المتوالية لمتان فلنائي كي نعلم بأن قدرتنا على التحمل ليست بقدر جيد. في كل سيناريو حربي جانب إشكالي. والمستقبل في منطقتنا يغطيه عدم اليقين، فإذا هاجمنا وحدنا فقد نُدفع إلى كارثة وإذا قعدنا مكتوفي الأيدي فقد تعمل إيران. وقد نتلقى الضرب على كل حال، والسؤال هل توجد لنا، في هذه الساعة التي توجد فيها إسرائيل في محيط معاد ترفع فيه راية الهجوم، زعامة يمكن الاعتماد عليها تتخذ القرارات الصحيحة. أخشى أنه ليس عندنا سبب يجعلنا ننام بهدوء.