ألقى عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، في مستهل ولايته، تصريحا حكوميا أمام مجلسي البرلمان. ورسم رئيس الحكومة في هذا التصريح الخطوط العريضة لبرنامجه الحكومي، وحدد بدقة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. وأقد أسبغ على خطابه طابعا مفعما بالتفاؤل و«اليقين». الإيجابي في هذا الخطاب أن منهجية رئيس الحكومة لم تكتف فقط بطمأنة المغاربة، بل عمدت إلى طرح تساؤلات بخصوص القضايا التي تشكل مصدر قلق للمغاربة، وتعتبر البطالة والفقر أبرز هذه القضايا، بالإضافة إلى الخوف من النتائج المستقبلية للظرفية الحالية على العموم. باختصار، تتملكنا رغبة في تهنئة رئيس الحكومة على هذا الأمر. غير أنه يتوجب علينا أيضا أن نذكره بأن الإرادة وحدها لا تكفي، فلا بد من امتلاك القدرة على تحقيق المراد إنجازه، إذ سينصب الواقع، حتما، نفسه حكما بين النوايا المعلنة والنتائج المحققة في نهاية المطاف؛ فكيف يمكن تقديم هذا الواقع في الوقت الراهن؟ لا يبعث الواقع المغربي حاليا على التفاؤل في ظل ظرفية، وطنية وداخلية، موسومة بالأزمة. على المستوى الداخلي، لا تبعث وضعية المالية العمومية على الاطمئنان. كما أن الدعم الذي تم منحه للحكومة السابقة من أجل شراء السلم الاجتماعي تسبب في تعميق عجز الميزانية، حيث يتوقع أن يشكل ما بين 5.5 و6 في المائة من الناتج الداخلي الخام؛ ويمكن أيضا أن يؤثر تباطؤ النمو في الدول الأوربية الشقيقة، بالإضافة إلى احتمال نزوع المنطقة العربية نحو عدم الاستقرار في ظل الربيع الذي يجتاحها حاليا، على النشاط الاقتصادي في المغرب، ولاسيما ميزان الأداءات بفعل تراجع عائدات السياحة وتقلص الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمبادلات التجارية؛ فما هو التحدي الذي تواجهه الحكومة الجديدة في ظل هذه الظرفية؟ يتمثل هذا التحدي في تحقيق نسبة نمو مرتفعة تمكن من استعادة التوازنات الماكرو اقتصادية (خصوصا عجز الميزانية) مع الاستجابة للتطلعات ذات الطابع الاجتماعي. وإذا كانت الحكومة الجديدة تسعى إلى تحقيق أهدافها في شقها المتعلق بإقرار التوازنات الماكرو اقتصادية، فإنه يتوجب عليها أن تتعامل بصرامة مع ظرفية لا تترك سوى مجال ضيق للمبادرات الجريئة. وبصرف النظر عن طبيعة الإجراءات الحكومية، بما في ذلك التوجه نحو الرفع من الضرائب، فإن هذه التدابير، التي صارت أمرا محتوما، يمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية لبعض الطبقات الاجتماعية. في مثل هذه الظروف، يستحسن عدم الإقدام على إصلاح واسع للنظام الضريبي.. إصلاح من هذا القبيل لن يكون مستساغا إذا لم تتوفر الحكومة على هامش مناورة يقدر ببضع عشرات من ملايير الدراهم في حدود كافية لتغطية الانخفاض المتوقع في العائدات الجبائية في حالة إقرار هذا الإصلاح، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن ثمة أمورا أخرى، في الظرفية الحالية، أفضل من تخفيض الضرائب. في الواقع، ليست الخطابات المتفائلة لرئيس الحكومة هي ما سيطمئن الرأي العام، بل قدرته على مواجهة الظرفية الحالية الصعبة وجرأته على معالجة القضايا الأساسية التي تشغل بال الرأي العام. وعموما، لا يمكن في الوقت الراهن الاستمرار في غض الطرْف عن كوابح الاقتصاد المغربي، وتتمثل بالأساس في ضعف تنافسيته وإنتاجيته. عجز الميزان التجاري للبلاد لا يتوقف عن الاتساع، حيث إن صادراتنا بالكاد تغطي 47 في المائة من وارداتنا. وإذا كانت عائدات السياحة وتحويلات أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة تفلح في التخفيف من وطأة هذا العجز، فإن الأزمة ستجعل وضعيته أكثر حرجا. ثمة أيضا حقيقة أخرى عن الظرفية الراهنة ينبغي أن تستحضرها حكومة عبد الإله بنكيران، وتتجسد في استحالة أن يكون الحاضر استمرارا للماضي، إذ يستعصي الاستمرار في تبني بعض التوجهات التي أقرت في وقت سابق دون إخضاعها لعملية تصحيح، ذلك أنه يمكن أن تتسبب بعض الخيارات التي تم تبنيها في فترات الرخاء في تعميق هشاشة الاقتصاد المغربي، ومن ذلك المخطط الأزرق ومخطط «إقلاع» اللذين وضعا في سياق لا وجود فيه للأزمة. أما اليوم، فقد تغيرت أمور كثيرة، وسيتم، بكل تأكيد، تسجيل تراجع ملحوظ في الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتراجع قوي في الطلب العالمي. وإذا افترضنا أن الاقتصاد الأوربي يلزمه وقت من أجل تجاوز الأزمة التي يعاني منها حاليا، واستحضرنا أيضا أن هذه الأزمة يمكن أن تتوسع وتتعمق، فإن المغرب مطالب بالمراهنة على الطلب الداخلي ليكون بديلا للتراجع المتوقع في الطلب الخارجي. إجمالا، سيكون صعبا الاستمرار في الترويج لخطابات الازدهار والإصلاحات دون امتلاك القدرة على التصدي للمشاكل الكبرى التي تشغل بال المغاربة. بتعبير آخر، يتعلق الأمر بإيجاد حلول ملموسة للقضايا التالية: إصلاح صندوق المقاصة وتسريع إصلاح الحكامة وإصلاح التعليم. فهل نحن مطمئنون إلى التصريح الذي ألقاه رئيس الحكومة بخصوص المصير الذي ينتظرنا في الخمس سنوات القادمة؟ لا شيء مؤكد إلى حدود الساعة طالما أن المقترحات التي تقدم بها رئيس الحكومة اتخذت طابعا تقريبيا ولا تخلو من «مآزق». وأكيد كذلك أن رئيس الحكومة دعم خطابه، الذي لم يخل من لغة الخشب، بمعطيات قطاعية مرقمة؛ لكن هل سيكون قادرا على الإمساك بالثور من قرنيه؟ وحده الزمن كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.