مشاكل السير في شوارع مدينة بحجم الدارالبيضاء معقدة، لكنها تزداد تعقيدا كلما اقترب سائق مركبة من مينائها الذي يشهد محيطه حركة مكثفة على مدار ساعات اليوم.. هنا الوضع لا يُحتمل ويكفي المرء أن ينصت إلى حكايات مستعملي سيارات الأجرة أو الحافلات أو حتى أصحاب السيارات الخاصة، ليكتشف حجم المعاناة اليومية التي يعانيها كل من قادته ظروفه ليسلك واحدا من الشوارع القريبة من الميناء في طريقه إلى وسط المدينة.. الكل هنا يعلن سخطه الصامت على الوضع، والكل يأمل في أن يجد من يدبرون أمر الميناء ومحيطه، حلا لأزمة تتفاقم يوما بعد يوم، أزمة تسببها «شاحنات موت» بالآلاف، تأبى إلا أن تستمر في سلك المحاور ذاتها، مهددة في طريقها مواطنين أبرياء، دون أن تكون عشرات الحوادث المميتة التي تسببت فيها كافية لتفعيل عدد من الإجراءات التي أعلنت عنها وزارة التجهيز ومعها الوكالة الوطنية للموانئ، ورافقها كثير من التطبيل وغير قليل من البهرجة الإعلامية. 13 يونيو 2011، تاريخ يتذكره مهنيو النقل بميناء الدارالبيضاء، جيدا، في هذا اليوم عاد كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل للمرة الثالثة إلى الموقع نفسه، والمناسبة، «تدشين» القنطرة الجديدة التي تربط البابين 4 و5 للميناء، والتي أنجزت لتخفيف الضغط الذي يسببه رواج الشاحنات، الذي يصل إلى أزيد من 9 آلاف شاحنة يوميا، ما يسبب بطئا في عملية السير خاصة في أوقات الذروة. تشغيل القنطرة، الذي كلف غلافا ماليا يقدر ب 55 مليون درهم، يدخل في إطار «استراتيجية شمولية سطرتها الوكالة الوطنية للموانئ، تهدف منها إلى عصرنة ميناء الدارالبيضاء من خلال عدد من البرامج أهمها إنشاء طريق جديدة في الجهة الشمالية للميناء تؤدي مباشرة إلى شارع مولاي سليمان، مع فتح بوابة إضافية هي البوابة رقم 6، وبرمجة مشروع تمديد هذه الطريق عبر منطقة عكاشة لتصل إلى حدود المنطقة اللوجستيكية المرتقبة بزناتة، وأيضا تجهيز مختلف أبواب الميناء بأنظمة إلكترونية لتسهيل الولوج إلى الميناء».. هذا على الأقل ما تقوله وثائق صادرة عن الوكالة، لكن ما الذي حدث بين تاريخ 13 يونيو الماضي ونهاية السنة، حتى لا ترى أي من المشاريع المبرمجة النور باستثناء مشروع تثنية القنطرة؟ ولماذا تأخرت الوكالة في فتح البوابة رقم 6 علما أن ذلك سيساهم في إلغاء مرور أي شاحنة عبر المسالك المعتادة؟ ويساهم بالتالي في تخفيف الضغط اليومي على المدخل الشمالي لمدينة الدارالبيضاء والحد من الحوادث المميتة التي تتسبب فيها ناقلات الحاويات خاصة في شوارع مولاي إسماعيل والجيش الملكي والسفير بن عائشة وباستور.. سؤال نقلته «المساء» إلى أكثر من مصدر داخل الوكالة إلا أنه بقي دون جواب، إذ اصطدمت مكالماتنا المتكررة مع مسؤولي الإدارة الجهوية للميناء، بضرورة الرجوع إلى الإدارة العامة، لأنها المخولة للرد على أي استفسارات صحافية، وقوبلت أسئلة مماثلة موجهة إلى نادية العراقي، المديرة العامة، بجواب مفاده أنها في عطلة ولا أحد بإمكانه أن يتحمل مسؤولية الإجابة في غيابها! تأخر فتح البوابة رقم 6 والطريق التي تربط بين الميناء وشارع مولاي سليمان، يبدو أنه عنصر أساسي في الموضوع برمته، ولا أحد من مهنيي النقل بالميناء ممن التقتهم «المساء» يملك تأكيدا عن سبب التأخير. يقول عبد الله الحموشي، الكاتب العام لاتحاد أرباب النقل بالميناء، إن «فتح الباب رقم 6، كان مطلبا نادى به المهنيون منذ سنوات، حتى قبل مجيء كريم غلاب، والمشكل يتعلق بكون الوزارة تماطل في فتحه، علما أنه دشن ثلاث مرات من طرف الوزير، وبقي الأمر رهين التسويق الإعلامي بهدف إظهار منجزات الوزارة للعموم، وإلى الآن لا نفهم مبررات عدم فتحه لتخفيف الضغط على الشوارع المؤدية إلى وسط المدينة». المصدر ذاته يضيف أنه جرى تدشين الطريق والبوابة قبل سنتين، ثم أعيدت العملية شهري يناير ويونيو الماضيين، وإلى الآن لم تقدم الوزارة أي تبريرات، والأمر يتعلق بملف السلامة الطرقية التي يجب إيلاؤها أهمية كبرى، وفيها تهديد لسلامة وأرواح المواطنين». إنشاء ممر جديد في الجهة الشمالية للميناء، والذي يؤدي مباشرة إلى شارع مولاي سليمان، وفتح البوابة الإضافية يرتبط بشكل وثيق بمشروع تمديد هذه الطريق عبر منطقة عكاشة لتصل إلى حدود المنطقة اللوجيستيكية المرتقبة بزناتة، وهي المنطقة التي تدخل ضمن الإستراتيجية اللوجستيكية، التي تم التوقيع عليها مؤخرا، وتهدف، حسب واضعيها، «إلى تنظيم النقل وتدفق البضائع حول محطات لوجستيكية مرتبطة مباشرة بالموانئ والبنيات التحتية للطرق السيارة والخطوط السككية وبالقرب من مواقع الإنتاج والاستهلاك، مع تقنين نقل البضائع بواسطة الشاحنات، كما أن من شأن هذه الإستراتيجية أن تقطع مع الممارسات الحالية لسير الشاحنات الحاملة للحاويات أو الشاحنات ذات الحمولة الكبيرة ومع التوقف في وسط المدن وفي الأحياء ذات الكثافة السكانية». وبخصوص هذه النقطة يتساءل محمد ميطالي، رئيس اتحاد الجامعات الوطنية لسائقي ومهنيي النقل بالمغرب، عن «مصير المنطقة اللوجستيكية المقررة بزناتة، والموجهة لشاحنات ميناء الدارالبيضاء، وهي المنطقة التي تم الإعلان عن طلب عروض بخصوصها شهر غشت الماضي، ولماذا لم يتم الإسراع في تهيئتها ما سيمكن من تخفيف الضغط على الشوارع والأزقة القريبة من الميناء»؟ حظيرة ومعيقات.. برنامج آخر أعطى كريم غلاب انطلاقته بتاريخ 2 فبراير 2010، ما يزال يراوح مكانه أيضا، ويتعلق بتجديد المقطورات المستعملة لنقل الحاويات، وتسليم مقطورات جديدة لفائدة شركات النقل العاملة في الميناء. البرنامج كما قدمته وزارة التجهيز، يهم تمكين شركات النقل وأصحاب الشاحنات والمقطورات الخواص من مقطورات جديدة مزودة بتجهيزات ميكانيكية خاصة ستمكن من تثبيت الحاويات لتفادي انفصالها وانقلابها على الطريق العمومية، كما حدث مرارا، على أن تقوم شركة متخصصة في المجال بتدمير المقطورات القديمة التي تم سحبها تفاديا لإعادة استعمالها، مع احترام شروط المحافظة على البيئة، وباستعمال نظام معلوماتي للمراقبة يمكن من تتبع نشاط تكسير العربات. البرنامج يندرج في إطار تطوير عربات النقل الطرقي للبضائع لحساب الغير، بغلاف مالي يصل إلى 510 ملايين درهم خصصته الوزارة للمشروع الذي يمتد تطبيقه إلى غاية نهاية السنة الجارية، إضافة إلى مساهمة صندوق مواكبة إصلاح النقل الطرقي ب 50 مليون درهم سنويا. وعلى مستوى التمويل، ولمساعدة الناقلين على تجاوز الإكراهات المالية، فإن عدة اتفاقيات تم إبرامها أو توجد في طور التوقيع بين المنظمات الممثلة للمهنيين ومسوقي العربات وكذا بعض مؤسسات التمويل والتأمينات، مبرزا أن كل ناقل يرغب في تجديد المقطورة يمكنه الاستفادة من منحة التجديد على أساس أن يتم استبدال مجموع العربة المكونة من الجرار والمقطورة، مما سيمكنه من الاستفادة من منحة للتجديد قد تصل إلى 260 ألف درهم. وتعليقا على هذا البرنامج قال الحموشي، «هناك معيقات كثيرة تقف في وجه المهنيين بخصوص تجديد الحظيرة، وهذه أمور نبهنا إليها غير ما مرة، ويتعلق الأمر أساسا بارتفاع الفوائد البنكية المطبقة على المبالغ الممنوحة، فضلا عن تطبيق نسبة 19 في المائة كضريبة على القيمة المضافة. وثانيا تم إيلاء أهمية كبرى لأسطول الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجستيكية، على حساب المهنيين الذين وجدوا أنفسهم في منافسة غير متكافئة، والأمر أشبه بفتات ترميه الوزارة في وجه أصحاب الشاحنات في حين استحوذت الشركة الوطنية على المشاريع المهمة». «نحن نطالب بتقليص نسبة الفوائد المطبقة، فضلا عن إعفائنا من الضريبة على القيمة المضافة.. وما تجب الإشارة إليه هو أننا ملزمون بتأدية مصاريف إضافية تتعلق بواجبات القوة الجبائية، وواجبات التصديق، وواجبات الفحص التقني، علما أنها كلها مبالغ سبق تأديتها بالنسبة إلى الشاحنة الأصلية المراد إتلافها». يقول المصدر ذاته. من «ينعش» التجاوزات؟ شروع برنامج تجديد حظيرة الشاحنات والمقطورات، الذي أعلنت عنه وزارة التجهيز، وتقرر تمديده إلى حدود سنة 2013، لتوسيع قاعدة المستفيدين، اصطدم بعدد من المعيقات، منها أساسا تأخر المساطر الإدارية التي تأخذ وقتا طويلا للنظر في الوضعية القانونية للشاحنة المراد تغييرها، وعدم إعفاء اقتناء الشاحنة أو المقطورة الجديدة من الضريبة على القيمة المضافة، ما يساهم في الرفع من تكاليفها، وهو ما دفع الكثير من المهنيين إلى صرف النظر عنه، والاستمرار في العمل بالأسطول الحالي الذي يعاني اختلالات كثيرة ولا يستجيب لأدنى المعايير المعمول بها وطنيا فبالأحرى استجابته للمعايير الدولية، وهو وضع يسائل دور الوكالة الوطنية في فرض احترام معايير السلامة المحددة. يقول محمد ميطالي «المسؤولية تتحملها الوكالة الوطنية للموانئ باعتبارها السلطة المسؤولة عن تدبير الميناء، ومن المفروض أنها تسهر على احترام المعايير التي تم وضعها بخصوص السلامة الطرقية، ودورها يتحدد أساسا في ضرورة تشددها في السماح بولوج الشاحنات التي لا تحترم هذه معايير السلامة لشحن الحاويات داخل الميناء، ثم هناك مسؤولية تتحملها المندوبية الجهوية للنقل، التي ترخص للشاحنات بمزاولة المهنة، وعليها أن تتشدد في فرض توفر الشاحنات والمقطورات على هذه المعايير، كما يجب ألا يغفل دور مراكز الفحص التقني.. وللأسف فالملاحظات التي نثيرها لا يتم الاهتمام بها، خاصة مع استمرار عدد من الممارسات التي تسيء إلى القطاع، وعلى سبيل المثال يكفي أن يسلم صاحب شاحنة مهترئة مبلغ ألف درهم للمراقب في مركز الفحص التقني ليحصل على شهادة تمكن شاحنته من الاستمرار في العمل رغم ما تشكله من خطر يجوب شوارع المملكة». تحميل المسؤولية للوكالة وحدها، يرى فيه البعض حيفا تجاهها، وبالمقابل يروج أصحاب هذا الطرح لفكرة وجود لوبيات تستفيد من الفوضى التي تعم الميناء في عدد من المجالات، وهي اللوبيات التي تضغط، في هذا الاتجاه، حتى لا يتم تفعيل البرامج التي وضعتها الوزارة، خاصة ما يتعلق بالتشدد في معايير السلامة على الشاحنات والمقطورات، أو ما يخص نظام الولوج إلى الميناء. «هناك فعلا حديث عن وجود لوبيات ضغط ليس من مصلحتها تنظيم الميناء، لكن هذا لا يعفي الوكالة من مسؤوليتها، إذ إنها لم تقم بأي بادرة في هذا المجال، وما نطالب به كمهنيين، هو تفعيل المراقبة، على غرار ما يحصل في ميناء طنجة المتوسط مثلا، حيث يمنع دخول الشاحنات التي لا تتوفر مقطوراتها على أدوات التثبيت التي تحترم المعايير الدولية. يقول ميطالي، مضيفا: «هذا التسيب تشجعه الوكالة الوطنية، ولا علاقة للشرطة أو السلطات المحلية بالأمر، وحتى المراقبون التابعون لها في الميناء يبقى دورهم شكليا، وفي اعتقادي لا جدوى من الدوريات التي تقوم بها سيارات الوكالة في الميناء دون تفعيل المساطر، مع التأكيد أن الأمر لا يتعلق فقط بسلامة المواطنين خارج الميناء، بل يمتد أيضا إلى العاملين بداخله، وغالبا ما تحدث حوادث مميتة يذهب ضحيتها بسبب غياب معايير السلامة في المقطورات، العمال الذين يضطرون لتوجيه آليات الشحن بشكل يدوي في حين أن العملية تتم بشكل أوتوماتيكي في حال توفرت المقطورة على المعايير المحددة». معيار سلامة آخر لم يتم تفعيله، ويبدو أنه بمثابة حل لا يغري كثيرا من الأطراف، بمن فيهم أرباب الشاحنات والشركات العاملة في القطاع، ويتعلق بتحديد أوقات جولان الشاحنات. فكرة تطبيق توقيت خاص لجولان الشاحنات، على غرار ما يحدث في عدد من الدول الأوربية وحتى العربية مثل الجزائر والأردن، غير مطروحة في الوقت الراهن، إلا أن مقترحا في هذا الإطار يتعلق بمنع أي جولان للشاحنات خلال نهاية الأسبوع وتحديدا ابتداء من منتصف يوم السبت، وأن يقتصر الأمر فقط على تلك التي تحمل بعض المواد الغذائية الأساسية التي لا غنى للمواطنين عنها، وضعه اتحاد النقابات على طاولة كريم غلاب منذ مدة، ووعد الوزير بتنفيذه إلا أنه لم يستطع أن يفي بوعده.. «لا زلنا متشبثين بالفكرة التي من شأنها أن تخفف الضغط على الطرقات وتساهم في حماية المواطنين، ومن شأنها أيضا تقنين مواقيت العمل وتوفير شرط الراحة الأساسي بالنسبة إلى السائقين». يقول ميطالي.
ميطالي: هناك ضغوط لتعطيل نظام البطائق الإلكترونية يرى محمد ميطالي، رئيس اتحاد الجامعات الوطنية لسائقي ومهنيي النقل بالمغرب أن «ملف آخر يتعلق بمجال السلامة المهنية ويتعلق بنظام الولوج الأوتوماتيكي للميناء، والذي صرفت عليها الوزارة ملايين الدراهم، وكان مقررا أن يتم إطلاقه السنة الماضية، دون أن يرى النور. البرنامج قطع أشواطا كبيرة وتم تثبيت عدد من التجهيزات وآليات المراقبة، لكن ضغط لوبيات يمنع من بدء الاشتغال به، وهذه فرصة للتساؤل عن مصير النظام الجديد، ومصير البطائق الإلكترونية التي كان مفترضا تسليمها للمهنيين، رغم أننا وقعنا محضرا مع الوكالة منذ أزيد من سنة. وما يزيد الطين بلة، هو أن الوكالة الوطنية ومعها وزارة التجهيز وقعتا في خطأ فادح عندما تم الاستغناء عن دور الشرطة في ضبط من يحصلون على بطائق الولوج، وتم تفويت العملية إلى شركة مناولة يفتقر مستخدموها للتكوين اللازم وأبانت عن ضعفها في مراقبة البوابات مع ما يشكله الأمر من تهديد.