دخلت حالة الشلل التي أصابت وكالات التحفيظ العقاري في مختلف مدن المملكة أسبوعها الثاني، مع استمرار التقنيين في رفضهم العمل بالمذكرة الداخلية التي وجّهها المحافظون لرؤساء المصالح الخارجية، والتي تحثهم على توقيع تفويض كتابيّ للتقنيين للقيام بعمليات التحديد. وأعلن التقنيون «عصيانا» شاملا بسبب صدور قانون التحفيظ العقاري في الجريدة الرسمية، بتاريخ 24 نونبر الأخير، والذي ينُصّ، في فصله التاسع عشر، على تحديد صفة من له الحق في إجراء عمليات التحديد، وهو المهندس المساح الطبوغرافي، شريطة أن يكون محلّفا من جهاز المسح العقاري ومقيَّداً في جدول الهيأة الوطنية للمهندسين المسّاحين الطبوغرافين، وهو الشرط الذي ينتفي بالنسبة إلى المئات من التقنيين الذين ظلوا لسنوات يزاولون هذه المهمة. وقد خلق القانون 14 /07، الذي يُغيّر ويتمم القانون المعمول به منذ سنة 1913، ارتباكا واضحا عبّر عنه بلاغ صادر عن اللجنة الوطنية للتقنيين الطبوغرافيين، التابعة للنقابة الوطنية للمحافظة العقارية (إ. م. ش.) التي أكدت أنها «فوجئت بأن القانون الجديد استثنى فئة التقنيين الطبوغرافيين من القيام بعمليات التحديد، ما يعتبر إجحافا غير مُبرَّر في حق هذه الفئة وتكريسا للظلم الذي لحقهم في الماضي من جراء القانون 30 /93». وتحدثت اللجنة، أيضا، عما وصفته ب»تواطؤ» إدارة الوكالة، من خلال غضّها الطرف عما يتضمنه هذا القانون من حيف وإقصاء، ودعت جميع التقنيين الطبوغرافيين إلى عدم القيام بمهام التحديد طالما أن القانون لا يسمح لهم بذلك. كما حذرت المحافظين على الملكية العقارية ورؤساء مصالح المسح العقاري من مغبّة خرق القانون ومن عواقب الضغط على التقنيين الطبوغرافيين. وبينما تعذر على «المساء» أخذ رأي مسؤولي الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية حول «الضجة» التي أثارها القانون الجديد، كما لم تتمكن الجريدة من استشراف رأي هيأة المهندسين المسّاحين من الاتهامات الموجهة ضدها ومن حقيقة ضغطها لتسريع إخراج القانون، قال مصدر من التقنيين إن من شأن المذكرة التي أصدرتها الإدارة، وتخول رئيس مصلحة المسح العقاري إمكانية تسليم تفويض مكتوب للتقني لإجراء عملية التحديد، أنْ تطرح إشكالية الصفة القانونية التي يملكها رئيس المصلحة، الذي يشتغل بدوره بتفويض من المحافظ، ولهذا، يضيف المصدر: «امتنعنا عن الخروج، لأننا لا نقبل العمل بمبدأ التفويض، لأن مذكرة الإدارة لا يمكن أن تلغي القانون ولأن التقنيين سيكونون معرّضين لتهمة انتحال الصفة، والحال أن القانون الجديد واضح في تحديد من يخول له القيام بالمهمة». من جهة أخرى، يقول مصدر «المساء» إن هناك تساؤلات كبيرة وعلامات استفهام تطرح بخصوص صدور القانون في الجريدة الرسمية عشية الانتخابات، دون استشارة الفاعلين في القطاع، ليضيف: «لا نستبعدأن تكون ضغوطات قد مورست لتمرير القانون من طرف الهيأة الوطنية للمهندسين المسّاحين الطبوغرافيين». وأضاف المصدر ذاته: «صار من اللازم اليوم، وبشكل مستعجل، بحث صيغة جديدة لتسهيل مهمة إجراء عمليات التحديد، لتفادي تعطيل مصالح المواطنين، خاصة أن أي تعديل في القانون الصادر يستلزم أولا الانتهاء من تشكيل الحكومة وبدء اشتغال البرلمان، وما لم تنتبه إليه الدولة هو أن المهندسين المتخرجين في تخصص المسح العقاري لا يلتحقون بالإدارة ويفضّلون العمل لحسابهم، وهناك بعض الحالات في عدد من المحافظات لا تجد سوى متدربين تخرجوا حديثا من المعهد، والتقنيون من كانوا يسدون الخصاص الكبير وهذا على مدى 98 سنة».