سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وناس: الفشل في العلاقات العاطفية يؤدي إلى الانتقام بعد الإصابة بالاكتئاب قال إن الجرائم العاطفية تتولد من رغبة العاشق في رد الاعتبار لنفسه بعد نفور عشيقته منه
أوضح الدكتور عبد الرزاق وناس، الطبيب النفساني في مستشفى الأمراض العقلية والنفسية الرازي، أن الجرائم الناتجة عن خلل في العلاقة بين شخصين، شرعية كانت أم غير شرعية، تُعَدّ الأكثر تسجيلا في مجتمعنا وأن ذلك يكون بدافع الرغبة في الانتقام ورد الاعتبار إلى الذات، خاصة إذا كان الجاني قد قدّم للطرف الآخر تضحيات وتنازلات من أجل نيل رضاه. وأكد وناس أن المجتمع المغربي ساهم، بشكل كبير، في تنامي ظاهرة الإجرام العاطفي، بسبب غياب الحوار وتفخيم الأمور البسيطة الحل. - أولا، كيف تفسرون انتشار قضايا الإجرام، خاصة المرتبطة منها بالعلاقات العاطفية، سواء الشرعية أو غير الشرعية، بين شخصين داخل أوساطنا؟ هناك نقطتان أساسيتان في هذا الباب والتي لم تغفلهما أيضا وسائل الإعلام الوطنية. وحسب رأيي، فإن هذا النوع من القضايا جد منتشر في أوساطنا الاجتماعية، وهو لا يرتبط فقط بشريحة اجتماعية معيّنة، ويعود ذلك، بالأساس، إلى نوع ما يسمى في علم النفس «الفطام»، حيث إن بعض الأشخاص يصلون إلى نوع من «الإدمان» في علاقتهم بالطرف الآخر ويستحيل عليهم الاستمرار في الحياة إذا ما تَبيَّن لهم نفور الشخص الآخر منهم، خاصة، إذا تعلّق شاب بشابة معينة ونوى الزواج منها مثلا، وتزداد حدة الجريمة إذا أعربت الفتاة عن استعدادها الاستمرار في العلاقة، وتبيَّن له، في الأخير، أن التي بنى كل آماله عليها صارت تنفر منه أو تراجعت عن استمرارها معه وفضّلت شخصا آخر عليه.. هنا يتهيأ للشاب أنْ لا شيء ينسيه في معشوقته أو محبوبته وأنْ لا وجود لبديل آخر، ما يدفعه إلى البحث عن الأسباب الحقيقية التي جعلتها تنفر منه، فتتولد لديه مجموعة من الأفكار لرد الاعتبار إلى النفس، وبالتالي، التفكير في سبل أخرى تجعله ينتقم لنفسه، سواء عن طريق الانتحار، بوضع حد لحياته، دون معاناة، أو ارتكاب جريمة معيّنة في حق من تخلّت عنه، لسبب أو لآخر. - ما هي الدوافع الحقيقية التي تعطي الشخص هذه القدرة على ارتكاب جريمة قتل؟ لا يمكن أن نُحصيّ الأسباب، نظرا إلى تداخل الكثير من المكونات وتعقيدها، والتي تنتج عنها، في نهاية المطاف، ردة فعل تكون جد عنيفة، حسب درجة وقعها على الشخص، فهناك أشخاص يُقْدمون على ارتكاب جرائم قد تنتج عنها أحيانا عاهات مستديمة أو جرائم قتل، إذا ما أحسوا أن نصفهم الآخر قد تراجع في طريقة تعامله، ولو كان الداعي أمرا عاديا، فيتهيأ لهم أن هناك شخصا آخر يدخل على الخط، وبدافع الغيرة المفرطة أو الخوف من فقدان شيء عزيز، مما يجعله يضع حد لذلك وهو ما يصطلح عليه في علم النفس ب»البارانويا». ويمر الشخص الذي يُقْدم على ارتكاب جريمة معيّنة من ثلاث مراحل أساسية: الأولى مرحلة «الأمل»، وهي التي يبني فيها الشخص جميع آماله ويُقدّم تضحيات ينتظر أن تعطيّ ثمارا في المستقبل.. غير أن حدوث خلل في العلاقة يُدخل الطرف الآخر في مرحلة ما يسمى «التأويل السلبي» لكل تصرفات وسلوكات المحيطين به، خاصة المقرَّبين، كالزوجة على سبيل المثال، وفيها يتساءل الشخص عن أسباب الخلل إلى درجة تصل إلى حد الشك والوسواس المرضي والتأويلات السلبية وتجعله يعيش في حلقة خلالها تتقدم حالته، شيئا فشيئا، إلى أن تصل إلى مرحلة متقدمة. والمرحلة الثالثة هي «الانتقام»، ويختلف الانتقام من شخص إلى آخر، وعادة لا يكون الانتقام من أجل الانتقام فقط، إذ كثيرا ما يُقدّم لك الفاعل مبررات من قبيل أنه قدّم الكثير من التضحيات من أجل نصفه الآخر وأنه تلقى وعودا بالوفاء للعلاقة، وعلى سبيل المثال، شاب وعد فتاة بالزواج منها، خاصة إذا ربطتها به علاقة طويلة وتنتظر تحقيق «الحلم» والعيش تحت سقف واحد، وتخلى عنها في نهاية المطاف.. آنذاك، تنظر هذه الفتاة إلى الحياة من منظور سلبي وترى أن كل الآمال التي بنتْها والسنين التي ضيّعتها والفرصَ التي أتيحت لها لم تجْنِ منها سوى الألم والقسوة والضياع... كل هذه العوامل تُولّد لدى الشخص أفكارا شريرة تُحرّضه على الانتقام، لأن الفاعل شوّه صورتها أمام زميلاتها، مثلا، أو أمام عائلتها، فيصعب مع ذلك توجيه بوصلة العواطف والمشاعر، خصوصا عندما تعتقد أنها تحتل حيّزا كبيرا من اهتمامات عقله وقلبه. وفي بعض الأحيان، تحس الفتاة باللوم، خاصة إذا كان والداها يُحذّرانها من أن تكون ضحية الكلام المعسول والنزوة العابرة، لأن ثقتها وحبها بعشيقها يعلوان على كل شيء، وكثيرات منهن غادرن منزلهن للعيش بعيدا مع «فارس الأحلام»، الذين وعدوهنّ بالزواج.. ولخلل ما في التوازن العاطفي، سرعان ما تجد نفسها في درب الضياع، بعد أن فقدت أسرتها وحبيبها معا أو فقدت «شرفها».. آنذاك، تحس بأنها كانت مغفلَة وساذجة، فتعيش حالة من الاكتئاب المزمن، الذي يتحول، في نهاية الأمر، إلى لغم قابل للانفجار في أي لحظة.. ويدفع بها وقع الصدمة إلى الانتقام، انتصارا ل«الشرف»، إما بوضع حد لحياتها أو بحرمان الطرف الآخر من حقه في الحياة.. وفي أحسن الحالات، ارتكاب جريمة تنتج عنها عاهة مستديمة مقصودة، حتى يعيش الطرف الآخر نصيبه من العذاب وتحس بأنها قد «انتقمت» لنفسها. - كيف تحلل إقدام الشخص على ارتكاب جريمة معيّنة بسبب خلل ما في العلاقة بدل طرح القضية للحوار من أجل الخروج بنتائج أقل وقعا؟ المشكل هو أنه، في المرحلة الثانية من المراحل التي سبق ذكرها، يكون هناك نقاش مستفيض بين الطرفين حول مجموعة من النقط تعتبر محطَّ خلاف الطرفين، إلا أن الأمر ليس بالسهل، لأننا نتحدث عن علاقة ليست بالقصيرة بين طرفين تقاسما مجموعة من الأمور: تواعدا بالبقاء معا إلى آخر العمر.. وعندما يختلّ التوازن، لأسباب لا يمكن حصرها لأنها مرتطبة بقناعات الأشخاص وبطريقة تفكيرهم وميولاتهم ورغباتهم، فإن أحد الطرفين لا يتقبل، بالتالي، قرار الانفصال، مهْما كانت الأسباب.. على سبيل المثال، انفصال فتاة عن خطيبها أو عشيقها لسبب ما وربطها علاقة جديدة مع شخص آخر، يكون بالنسبة إلى الشخص الأول «خيانة»، لأن تخلّيَّها عنه وربطها علاقة مع شخص آخر وتقديم مبررات «واهية» حتى تبقى في موقف قوة، يمس بمشاعر الطرف الآخر إلى درجة تجعله يفكر في «تعذيب» الشخص الآخر، كما «عذّبه»، وقد يضع الشخص أمام هذا الوضع المحيّر نهاية لحياته.. وفي مثل هذه المواقف، نادرا ما يلجأ الشخص إلى استحضار عقله والتفكير في حلول منطقية وسلمية. وهنا نقول إن الدافع الأساسي إلى استعمال العنف هو الموقف الذي يعتبره الشخص موقفَ ضعف وإن عدم إصدار أي ردة فعل سيكون، في نظر الآخرين، دليلا على «ضعف الشخصية» وأن الكل، في نظره، ينظرون إليه نظرة احتقار وضعف. وفي مثل هذه الحالات، يعتبر الشخص أن العقاب أمر محتوم، حتى «يريح» نفسه ويدافع عن شرفه.. هنا، يغيب العقل كليّا، فتسيطر العاطفة الهائجة والرغبة في الانتقام على التفكير وإعمال العقل. -هل يساهم المجتمع المغربي في انتشار جرائم الحب، إن صح التعبير؟ -هذه نقطة جد مهمة لا بد من إثارتها، لأن طبيعة المجتمع المغربي، بمختلف مكوناته، تساهم، بشكل أو بآخر، في انتشار هذا النوع من الجرائم، بطرق أو بأخرى، إذ إن بعض المشاكل الصغيرة والبسيطة تتحول إلى «دراما» مأساوية، والخوف من عقاب المجتمع يجعل الشخص يعاني من فراغ عاطفي نفسي، وتتطور حالته من «معقدة» إلى حالة «أكثر تعقيدا»، فينتقل من مرحلة نفسية بسيطة إلى مرحلة الاكتئاب المُزْمن، فيكون المريض قنبلة موقوتة سريعة الانفجار في أي لحظة، خاصة عندما لا تكون الأسرة على علم بالمشكل، لأن الطرف المعنيّ تُصيبه الخيبة منذ البداية في فتح الحوار مع الأسرة وطرح المشكل على طاولة النقاش للخروج بحلّ قبل فوات الأوان.. لكن الدافع الأساسي الذي يجعل الشخص يلتزم الصمت هو عدم اعتراف العائلة بالأخطاء، خاصة العاطفية منها، أو الفشل، وتحديدا، عندما يتعلق الأمر بالفتاة. أضف إلى ذلك غياب الحوار في المواضيع الحساسة (الجنس، علاقات حب، التجارب عاطفية) وبالتالي ينتج عن هذا الفراغ عدة تراكمات تلازم المصاب، إلى أن تتطور الحالة وتصل، في بعض الأحيان، إلى حالة مَرضيّة مزمنة.. وأعطي مثالا أستقيه من حياتنا اليومية، فالمجتمع «يعالج» الفشل بالقمع والعنف.. الفتاة التي لم تنجح في حياتها الزوجية لا تسلم من التّهم والإشاعات: «لماذا لم تصبري وتكافحي مع زوجك من أجل أبنائك؟».. فأي شخص قد يتعرض للفشل في أي مجال، والعيب هو «أن تسقط ولا تستطيع الوقوف».. وهنا أقول إن المجتمع المغربي «يُضخّم» الأمور ويضع الضحية دائما في موقف المتّهم الرئيسي، وهذا ما يساهم في ارتكاب جرائم بشعة أو في الانتحار.