تسرب مفهوم «التعددية» إلى المعجم السياسي وافدا من علوم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا. وينطبق المفهوم على مجموعة بشرية سليلة أصول أجنبية، تبنت هوية وقيم بلد المولد أو الإقامة لتصبح إحدى فعالياته النشطة. في حالة فرنسا، غالبا ما يستعمل المفهوم في حق الفعاليات المنحدرة من المستعمرات الفرنسية القديمة (مغاربيون، أفارقة، فرنسيو وراء البحار، آسيويون) والتي كسبت بعض الشفافية في المشهد السياسي. وقد راج المفهوم في مجال السياسة أكثر منه في مجال الأدب أو الفكر؛ هكذا يقال عن وجوه، مثل رشيدة داتي أو فاضلة عمارة أو علي سوماري، إنها وجوه التعددية، فيما لا يجرؤ أحد على نعت روائيين أو مفكرين ينحدرون من أصول مغاربية بكونهم من وجوه التعددية. على أيّ، يدخل مفهوم التعددية مسحة من اللطف والتطبيع الشكلي على الصورة السياسية للأجنبي أو للآخر. ولم تعترف الجمهورية الفرنسية ب«أبنائها البررة» إلا حديثا، وبالأخص بمجيء جاك شيراك إلى الرئاسة. ولدواعٍ ودوافع سياسية محضة، تتعلق برغبته في تمرير صورة رئيس يهتم برعاية الضواحي ورعاية أبنائها، استقطب خلفه، نيكولا ساركوزي، بعض فعاليات التعددية، من أمثال رشيدة داتي وفاضلة عمارة وعبد الرحمان دحمان ونورا بيرا وآخرين. ولما فشلت سياسة الضواحي التي سخرت فيها هذه الفعاليات للقيام بدور رجال المطافئ، «احترقت» صورة ساركوزي ومعها صورة «أبناء التعددية». لما انفتح ساركوزي على هذه الفعاليات وهو في طور الحملة الانتخابية لرئاسية 2007، انتفضت أصوات من داخل الحزب الاشتراكي للتنديد بسياسة التهميش واللامبالاة التي انتهجها الحزب حيال وجوه التنوع والتعددية المناضلة في صفوفه. صحيح أن الحزب الاشتراكي في عهد فرانسوا ميتران تقرب من المهاجرين، لكنه بقي دائما بمنأى عن أبنائهم من أصحاب الكفاءات والخبرات. يبدو وسترينا الأيام صحة هذا التكهن - أن الحزب الاشتراكي غيّر اليوم من سياسته تجاه «وجوه التعددية»، استدراكا لهفوات الماضي. يوم الأربعاء الماضي، قدم بيار موسكوفيتسي، مدير الحملة الانتخابية للمرشح فرانسوا هولاند، في «بيت أمريكا اللاتينية» الموجود بالقرب من مقر الحزب الاشتراكي، «الكاستينغ» المفصل لحملة المرشح الاشتراكي. وإذا كانت التشكيلة قد راعت عامل التمثيلية والتوازن بين جميع التيارات والحساسيات الاشتراكية، فإنها أدرجت عناصر وازنة سليلة التعددية من أمثال: فوزي لمداوي (من أصل جزائري) الذي عين مديرا لديوان فرانسوا هولاند، وسوفيا أوتوكوري (من أصل دجيبوتي) التي تم تكليفها بالعلاقات مع الصحافة، وناصر مداح (من أصول جزائرية) الذي أوكلت إليه السكرتارية العامة لإدارة الحملة، وقادر عارف (من أصول جزائرية) الذي أسند إليه التعاون، ونجاة فالو بلقاسم (من أصول مغربية) التي عينت ناطقة رسمية باسم هولاند. وبكلمة، فقد جند الحزب الاشتراكي ما مجموعه 11 فاعلا سياسيا من أصول إفريقية، مغاربية ومن بلدان ما وراء البحار، ناضلوا منذ سنوات في صفوف الحزب الذي أصبح ضالتهم السياسية والفكرية؛ فهل سيقطع فرانسوا هولاند، فعلا، مع التصرفات الفلكلورية الأبوية لساركوزي في حالة فوزه بالرئاسة أم سيجفف بدوره الطاقة الخلاقة لهذه الكفاءات التي تشمل المهندس والمحامي والخبير في الشأن السياسي أو في الإعلاميات... إلخ، قبل أن يرميها إلى هوامشها الأصلية؟ يتردد هذا السؤال على ألسنة فئة واسعة من شباب الضواحي؛ وما زاد في ريبتهم هو الحيز الذي خصصه الحزب الاشتراكي لفعاليات التعددية في الانتخابات التشريعية القادمة لشهر يونيو 2012 والذي لا يتجاوز 1 في المائة من التمثيلية الوطنية في البرلمان. هكذا وبدل تعيينهم في مقاطعات تقع تحت نفوذ الاشتراكيين ويسهل الفوز بها، اقترح عليهم الحزب طرح ترشيحاتهم في مقاطعات من المحتمل أن يتركوا فيها ريشهم أمام مرشحي اليمين أو اليمين المتطرف. مثل هذه الهدايا المسمومة كفيلة بنسف الثقة في الحزب وفي السياسة والسياسيين. على أيّ، ليست لهؤلاء الفاعلين أية رغبة في أن يصبحوا أبقارا لهولاند.