تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 43 سنة لم أتزوج إلا منذ سنة خلت نظرا لعدة ظروف شخصية، أنا حامل في الشهر الثاني لكني جد متخوفة خاصة أن لدي ارتفاعا طفيفا في نسبة السكر في الدم. سؤالي: ما هي المشاكل التي قد أتعرض لها خلال مثل هذا الحمل وأثناء الولادة؟ وما هي المضاعفات المحتملة لحمل كهذا يأتي في سن متأخرة على صحتي وصحة جنيني أو طفلي؟ نتحدث اليوم عن الأخطار المحتملة لتقدم سن المرأة الحامل على مسار الحمل ومآله، فنتطرق للمضاعفات المرتقبة خلال المخاض والولادة وبعد ذلك على صحة الجنين والطفل، ولعل الكل يمكنه أن يتصور معي أن جسد الحامل يعد البيئة التي يحيى ويعيش فيها هذا الجنين، كما أن الكل يرى معي أيضا أنه كلما كبر جسد المرأة قليلا أو كثيرا كلما تراجعت جودة حملها وانخفضت كفاءتها في الاضطلاع بهذا العبء، لكني مع ذلك لا أريد أن أسير بكم في تأثيرات الحمل المتأخر على ظروف الولادة وسلامة الجنين دون أن أوضح لكم أن ما سنتحدث عنه يبقى فقط مضاعفات محتملة الوقوع، نظرا لتواترها بكثرة في صفوف الحوامل المتقدمات في السن بحكم ما تنطق به الدراسات والأبحاث والأرقام المجمعة بعد مراقبة عينات مهمة من هؤلاء النساء، وبالتالي فإنها ليست حتمية التحقق حتى لا يفهم من كلامنا أننا ندعو لحظر الحمل بعد الأربعين بل لا نروم سوى التوعية بالمخاطر التي تحيق بهذا الحمل الأربعيني لنحث المعنيات على توخي الحذر والانتظام في مراقبة حملهن بصرامة أكثر دون خوف أو رد فعل مبالغ فيهما. لكننا نلاحظ أيضا أن النساء والعائلات تختلفن اختلافا كبيرا في تمثل هذا الحمل واستقباله في هذه السن، فمنهن من تقبل عليه مكرهة متأففة حانقة بعد أن ورطها فيه سوء تقدير ألم بخطة منع الحمل لديها. فتسير فيه مكرهة لا بطلة، مرغمة لا راغبة، ومنهن من تستقبله بحفاوة وفرحة لا يوصفان بعد أن أعياها الانتظار وتسرب إلى قلبها اليأس والإحباط، ومنهن من تراهن عليه متأخرة لأجل مولود أنثى أو مولود ذكر لا زال يعوزها لكن لا يلبثن كلهن في النهاية أيا كان موقفهن تفاؤلا أو احتراسا رجاء أو هلعا أن يستوعبن حقيقة أنهن حوامل ويتعين عليهن تدبير هذا الحمل الذي حل في نهاية عهد الخصوبة فترتقبن ما ستسفر عنه رحلة الحمل هاته، هل ستكون بردا وسلاما أم سيكون حملا صاخبا حافلا بالأحداث. فلقد رأيتم كيف أن الحمل المتأخر يتسبب في ارتفاع نسبة الإجهاض التلقائي ونسبة العيوب الصبغية لدى الجنين وها أنتم سترون أنه سبب أيضا ظهور سكري الحمل وارتفاع الضغط الدموي وفي عيوب في تموقع المشيمة داخل الرحم ومعاناة المرأة جراء ذلك من مخاطر النزيف وفقر الدم، كل هذه المشاكل التي يحسن أطباء التوليد التصرف إزاءها تجعلهم يترقبون بالخصوص المصاعب التي تنتظر المرأة إبان المخاض والولادة. أمراض التقدم في السن: لا ريب أن هناك إجماعا جليا حول شيوع عدد من الأمراض المزمنة السابقة على الحمل لدى النساء اللواتي عقدن العزم على الإنجاب بعد الأربعين نذكر منها: السكري، ارتفاع الضغط الدموي، الأورام الليفية، أمراض القلب وتصلب الشرايين، واختلالات الغدة الدرقية... الخ. السكري: تسجل أغلب الدراسات ارتفاع نسبة سكري الحمل في الحمل المتأخر وبشكل أكثر تدقيقا يمكن أن ندفع بأن الأمور تشرع في التعقيد ابتداء من 35 سنة فما فوق حيث إن معدل السكر في الدم يمكن أن يرتفع انطلاقا من هذه السن لدى النساء كثيرات الإنجاب وخصوصا بعد 38 سنة. لكن بعض الأبحاث تؤكد أن احتمال سكري الحمل يرتفع بمجرد ما تنتظر المرأة حتى سن 35 سنة لتضع مولودها الأول. ومع ذلك فإننا قد لا نستقر على رأي واحد بخصوص هذا الحمل الذي تفرد له فصول خاصة ضمن كتب ومؤلفات طب النساء والتوليد، نظرا لخصوصياته الكثيرة التي تجعل منه حملا يجري في الوقت الضائع بلغة أهل الرياضة. فالعلماء جيلبر، نسيت ودانبلسن وبيانكو يبرزون من خلال عينات حديثة أن نسبة هذا السكري هي نفسها بعد 40 سنة سواء كانت المرأة تنجب لأول مرة أو كانت تنجب للمرة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ويستنتجون تبعا لذلك أن عامل السن وليس عامل كثرة الولادات هو السبب الرئيسي للإصابة بسكري الحمل. وبالتالي يمكن القول أن وطأة السن أشد كثيرا من وطأة عدم الاقتصاد في الإنجاب. ارتفاع ضغط الدم: تسجل أغلب الدراسات أن هناك ارتفاعا في أرقام الضغط بشكل منتظم في الحمل الذي يتم بعد 35 سنة مع استثناء بسيط يتعلق بنجاة من يحملن لأول مرة بعد هذه السن من هذه الظاهرة، بل هناك من يرى أن نسبة شيوع ارتفاع ضغط الدم يناهز 15% بعد 40 سنة سواء تعلق الأمر بنساء فقيرات معدمات أو حتى بنساء المجتمع الراقي المخملي. النزيف: أغلب الأرقام تفصح عن ارتفاع نسبة النزيف ونسبة المشيمة المنزاحة بعد 35 سنة وهي بالمناسبة مشيمة تستقر عند نهاية الحمل في أسفل الرحم فتسد عنق الرحم وتمنع الولادة الطبيعية بل هناك دراسات حديثة تعلن أن نسبة المشيمة المنزاحة بعد 40 سنة تضاعف ثماني مرات نسبتها لدى النساء اللواتي يحملن بين 20 و29 سنة. كذلك سيكون من المنطقي أن نقول إن نسبة الورم السكري الخلفي للمشيمة ترتفع بارتفاع سن المرأة الحامل وسيكون حريا بنا القول إن هذا الحادث قد يؤدي إلى موت الجنين والمرأة على حد سواء. عمليات قيصرية أكثر: ولعل أول المشاكل التي تصادفها عند بداية المخاض وانتظار الولادة هي عيوب الجيئة (Présentation) وتعني الوضع الذي يكون عليه الجنين حين تأهبه للخروج من رحم أمه، إذ نلاحظ انخفاضا في تقديم رأسه أولا عندما يجاوز سن الحامل 40 سنة، إذ لا تتعدى نسبة هذه الجيئة 82% مقابل 95% لدى الحوامل اللواتي يقل عمرهن عن تلك العتبة، مما يفسح المجال أمام الأوضاع المقلوبة كأن يظل رأس الجنين شاخصا إلى الأعلى في أعلى الرحم وتقديم رجليه أولا للخروج، أي ذلك الجنين الذي تصطلح عليه أمهاتنا في عاميتهن بالفارسي. ولعل هذه المعطيات التي لا يشكك فيها أحد هي التي تشرح إلى حد ما لماذا تنتشر العمليات القيصرية بكثرة بعد الأربعين؟ لكن الحقيقة ليست هكذا تحديدا فنسبة اللجوء للقيصرية ترتفع حسب أغلب الأبحاث المنشورة ابتداء من 35 سنة فقط وهذا الارتفاع يبدو أكثر وضوحا لدى من تنجبن لأول مرة، ربما بسبب صلابة الرحم عندهن مادام أنه لم يسبق له أن تدرب على الولادة في سن مناسبة، ومع ذلك لا يمكن تبرئة ساحة الأطباء من المبالغة في إجراء القيصرية لهؤلاء النساء فنسبة كبيرة منهن تقرر في حقهن القيصرية هكذا فقط دون سبب واضح وأحيانا حتى قبل الشروع في المخاض، ربما يكون السبب هو السن ولا شيء غير عامل السن، ولكن مع ذلك ودون تحيز فإننا نتفهم دواعي هذا التمييز «الإيجابي» الذي يجد تبريره في إشفاق الأطباء و«خوفهم» وعدم ثقتهم الكاملة في إمكانيات الولادة الطبيعية بعد 40 سنة. فوقوعهم في أسر هذا التوجس هو الذي يجعلهم يميلون أكثر للعملية القيصرية دون أن يعني كل هذا أن هذه الأخيرة تصبح واجبة بعد هذه السن. إن أقل علامة مرضية لدى الأم أو الجنين تجعل الأطباء يقررون حتى دون وعي منهم أحيانا إجراء قيصرية لاستخلاص الطفل قبل الأوان، كما أنهم يقررون ذلك أيضا كلما باشروا الولادة لدى امرأة يفوق سنها 35 سنة أو 40 سنة ترتب حملها عن علاج طويل وشاق للعقم عندها. إن مثل هذا الحمل يعتبر حملا «ثمينا» أو بتفسير أصح يعد فرصة ثمينة قد لا تتكرر مما يجعل القيصرية في أعين الكثيرين أمرا مشروعا. كل هذه العناصر تجعلنا نفهم لماذا تقوم كل المعطيات بعد الأربعين بالتوجه بنا رأسا نحو القيصرية. ومع ذلك فإن نساء بلغن الكبر ولدن بطريقة طبيعية وبشكل سلس تماما، لكن هذه الولادة تنجم عن مخاض أطول وتتطلب تدخلا طبيا أكثر بالأدوية المحرضة على الوضع، كما أنها تستدعي أكثر الاستعانة بأدوات استخلاص الجنين كالملقاط.. وغير ذلك من الأدوات. وتشير الأرقام إلى أن نسبة النزيف الذي يعقب الولادة يرتفع لدى نساء الأربعين خصوصا إذا كن يلدن للمرة الأولى في حياتهن بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المضاعفات المرتبطة بفترة النفاس. إننا نفهم من كل ما سبق لماذا تسجل أعلى نسبة من وفيات الأمهات في صفوف هذه الشريحة من النساء بسبب نزيف الخلاص وحوادث الأوعية الدموية، التعفنات وأمراض العضلة القلبية، إن هذه الأمور تدعونا إذن لتشديد المتابعة الطبية على الحوامل «المسنات»، خصوصا في الثلاثة أشهر الأخيرة للحمل وخلال الوضع لتفادي المشاكل.