يُلَحّ على رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، كي ينظف المائدة ويهيئ تنسيقا جديدا استعدادا لشيء آخر أكبر وأهم. إن قضية جلعاد شاليت واحدة من القضايا الثقيلة الجاثمة على مائدة رئيس الحكومة، وكان يجب عليه أن ينزلها عن جدول عمله ليهيئ تنسيقا جديدا وليحظى بالتسامح والتأييد للحكومة وقراراتها، في الساحة الداخلية وعند صديقات إسرائيل، وبخاصة دول غرب أوربا. لماذا يحتاج رئيس الحكومة اليوم خاصة إلى هذا الديكور الجديد، إلى درجة أن يتخلى عن مبادئه التي لا هوادة فيها بشأن محاربة «الإرهاب»؟ إن الجواب عن هذا اللغز كامن في كتاب اللغز الذي تلاه، قبل يومين، على الأمة، فقد تحدث عن نافذة فرص توشك أن تغلق، وربط هذا بالتطورات الجغرافية-الاستراتيجية. سيجد السامع أن هذا يعني الربيع العربي والزعزعات في العالم العربي، لكن ليس هذا هو السبب الحقيقي. حينما نبحث عن قلق لدى نتنياهو ولدى إيهود باراك فإنه متصل دائما، على نحو ما، بإيران. يبدو أن هذا هو سبب استقرار رأي رئيس الحكومة على المرونة بمواقفه وإقناع وزراء الثمانية بألا يشوشوا عليه وإتمام صفقة شاليت. ما الذي يحدث في القضية الإيرانية بالضبط؟ ليس واضحا. لكن من الواضح أنها الشأن الساخن القادم، ويحسن أن تبلغه إسرائيل مع صورة دولة مرنة وبراغماتية مستعدة للتنازلات. سيصفق لنا الأوربيون وليس أقل أهمية أن هذا سيعزز الإجماع القومي والصورة عن رئيس الحكومة استعدادا للتحدي القادم. منذ اللحظة التي أُقنع فيها رئيس الحكومة بأن يغير الاتجاه، مُهدت الطريق لإتمام صفقة شاليت. وهو يستطيع اليوم أن يأتي ويقول إنه لم يعارض مبدئيا في الماضي الصفقة التي تحدثت عن 450 «مخربا» و550 سجينا آخر تفضلا على مصر. لكنه هو الذي حدد حدود الثمن: لا سكان هضبة الجولان ولا «عرب إسرائيل» ولا سكان شرقي القدس ولا 60 «مخربا» ثقيلا أعلن في شأنهم أنه «لا أحد من رؤساء الحكومة حتى بعدي سيفرج عنهم». لم يقبل وزير الدفاع الخطوط الحمر التي حددها نتنياهو في حينه. لكن نتنياهو -الذي اعتمد على رئيس «الموساد» ورئيس «الشباك» آنذاك- كان يستطيع الاستمرار في التمسك بمبادئه. وفي اللحظة التي أُقنع فيها بأنه يمكن التخلي عن مبادئ لأنه توجد أمور أهم، أعطى الضوء الأخضر للمسؤول عن التفاوض، دافيد ميدان، لإعداد قائمة جديدة تشتمل على إيهام بالمرونة على نحو ما، لكنها في الحقيقة تجاوزت جميع الخطوط الحمر. أو كما قال خالد مشعل في خطبته: تشمل الصفقة أبناء الفلسطيني، من جميع المنظمات ومن جميع «المناطق»، من فلسطين 1947 ومن هضبة الجولان ومن القدس. ليس هذا هو العدد الذي أرادته «حماس» حقا، لكن «حماس» انتصرت في الوعي. تخلت إسرائيل أيضا عن ربع الأسماء التي التزم نتنياهو بألا يطلق سراحها البتة لا هو ولا رئيس حكومة آخر. ووافق نتنياهو أيضا على إبعاد عدد أقل من «المخربين» إلى قطاع غزة وعدد أكبر إلى الضفة، مما وافق «الشباك» على التمكين منه في الماضي. ووعد خالد مشعل باختطاف جندي آخر، ويعرف «الشباك» جيدا تحذيرات «حماس» باختطاف جنود، على حدود مصر أيضا. ودرس «حماس» في هذا الشأن واضح وهو أنه كلما مرّ الوقت تنازلت إسرائيل ودفعت أكثر مما كانت تستطيع أن تدفعه قبل سنتين أو ثلاث. وإلى ذلك، فإنه كلما مر الوقت أصبح خيار العمل العسكري أقل واقعية وبيّن أناس حول نتنياهو له ذلك. وفي المقابل، نجح باراك في تجنيد جهاز الأمن كله -وفيه «الشباك» و»الموساد» و»أمان» ورئيس هيئة الأركان- ليقفوا في جبهة واحدة وليبينوا لماذا يمكن القيام بمخاطرة محسوبة والإفراج عن 1000 سجين في ظروف صفقة أسوأ مما كان في الماضي. يقول رئيس «الشباك» الحالي، في ما رآه رئيس «الشباك» الماضي كارثة، إنه يمكن التعايش معه. وحينما لا يوجد خيار عسكري ويوجد دعم أمني وكل ذلك إلى جانب ضغط عام وضغط العائلة، ينضج في الوعي أنه حان وقت الدفاع عن الإفراج عن جلعاد شاليت، وإذا دفعنا ثمنا باهظا كهذا فيمكن الحديث عن أهمية تحرير الأسرى وعن العائلة التي تعاني وعن الخوف من أن يختفي كما اختفى رون أراد. وفي الفرصة نفسها يمكن توجيه ضربة إلى أبي مازن الذي لم يحب طوال السنين الصفقة التي تقوي «حماس»، لكن بعد سلوكه في الأممالمتحدة فليدفع هو أيضا شيئا ما. هذه الصفقة، من وجهة نظر نتنياهو، لا مناص منها. وحسب تصوره، كان عدم تنفيذها سيسبب ضررا أكبر في ضوء الاستعداد لمجابهة التهديد الكبير.