يعاني المشهد الحزبي، في مغرب اللحظة التاريخية الراهنة، من عدة اختلالات وتتجاذبه الكثير من المعيقات والمعوقات، يمكن حصرها في بعض من النقط التالية: - على المستوى المرجعي، نسجل أن العديد من الأحزاب، التي تفرخت في السنين الأخيرة، قد تأسست على رغبة مزاجية لدى البعض وتعكس رغبته في التمظهر وشغفه بالزعامة، فكانت النتيجة أن العديد من أحزابنا إنما هي استنساخ لبعضها البعض، فلا مرجعيات واضحة تحكمها ولا إيديولوجيات محركة تعبئها ولا برنامجا متميزا يشرعن الحق في وجودها بغض النظر عن الشكليات القانونية، فالحزب الذي لا يتوفر على مرجعية فكرية موجهة ومتوافق عليها بين كل المنخرطين حزب مجتث الجذور، هجين المنابع، مشتت الرؤية، محكوم عليه بالفناء. - الانعكاس الفعلي لغياب هذه المرجعية يتجسد، بشكل واضح، على المستوى التنظيمي؛ فمن الملامح الواضحة التي باتت تميز مشهدنا العليل ظاهرة الترحال السياسي التي لا يمكن تفسيرها إلا بعدم تمركز الحزب على فكرة أو رؤية فوقية يلتزم بها المنخرطون ومبدأ حياتي يؤمنون به حد الانصهار بغض النظر عن المكسب المادي الذي يأملونه من هذا الانخراط. إن الانتهازية السياسية، التي أصابت مبدأ الوفاء الفكري في مقتل، شوهت العمل الحزبي وحولته إلى تجمع من الدكاكين المفتوحة على من يدفع أكثر. - نفس الترهل يمكن استنتاجه على مستوى البرامج المقترحة من طرف غالبية الأحزاب، هكذا تجد برامج بعض الأحزاب تكرارا لما تتبناه الدولة في مختلف القطاعات واجترارا لنفس الأرقام والأولويات.. إنها مجرد أبواق للدعاية وكتاتيب لتدبيج بيانات التبريك والمؤازرة ومدافع للنيل من الخصوم، أما أحزاب أخرى فقد اختلطت عليها الحسابات وأسهبت في تنازلاتها حتى تاه ملاحها ومجدافها في دهاليز السلطة المتشعبة، فأضحت لا تعرف لنفسها وجهة ولا لأفكارها جدوى، كلاما أضحى متناقضا في مهده، معارضا لذاته غير مقنع لكافة مريدي هذا الأحزاب ذاتها فكيف به أن يقنع الآخرين.. أحزاب شاخت ومضى زمانها. في مشهدنا أيضا، توجد أحزاب أخرى أرادت تغيير الوضع اعتمادا على براغماتية انتخابية ولكنْ بمنهجية إقصائية وأنانية متسرعة، فتساوى عندها، من بين كائناتنا السياسية، الغث والسمين... إننا إذ نؤمن بإمكانية التغيير في مغرب الحاضر والمستقبل، فإننا نتطلع إلى عمل حزبي جديد بأسلوب مغاير ولغة حديثة: - مشروع يستقي مفرداته من القاموس الشبابي المتحرك ويستلهم أفكاره من الحراك الشعبي، الواعي والمسؤول والمتحرر من أي خلفيات. - مشروع يؤمن بالله والوطن والملك والبشر والتراب. - مشروع يريد لهذا الحراك القائم أن يتجسد فعلا ديمقراطيا متحررا، بناء وإيجابيا، ينطلق من الوطن وإليه يعود، به يحيي ومن أجله يموت. - مشروع يهمه الفعل ولا يأبه للفاعل، تشغله المؤسسة ويمقت الكراسي. - مشروع يعبر عن فكر حر ورؤية متحررة من كل التحفظات. - مشروع يبتغي العمل مع الجميع، لأن الوطن يحتوي الجميع، بلا إقصاء ولا جحود ولا تعصب ولا تصنيفات. - مشروع فعل غاضب ضد الرجعية والانتهازية والمديح. - مشروع رؤية فاحصة ومواكَبة مراقبة وانتفاضة ضد الظلم والريع. - مشروع مع المصلح، ولكن ليس بكيل المديح إليه، بل بمدح الوطن متى اصطلح على يديه. - مشروع يؤمن بالحاضر وبإمكانية التغيير فيه ويرنو إلى المستقبل بتفاؤل وإرادة وليس بالعدمية والاتكال. - مشروع ثورة ضد الشكليات ودعوة إلى الجميع من أجل المشاركة والتصور والبناء. - مشروع شباب ناهض مسؤول، وسيل جارف لاجتثاث جذور الفساد. إنه بكل بساطة: مشروع مغرب الممكن الذي نحلم به... رشيد لبكر - أستاذ زائر /باحث في القانون العام