شرعت مندوبية وزارة الثقافة الإسبانية في مدينة غرناطة، منذ يوم الأربعاء الماضي، في ترميم واحد من المعالم الهامة في هذه المدينة، التي تعود إلى الحقبة التي حكم خلالها المسلمون، وهي المعروفة ب»دار الحرة»، التي توجد في حي «البيازين»، القريب من قصر الحمراء، حيث أقام آخر ملك هو أبو عبد الله محمد الثاني عشر، الملقب بالملك الصغير أو «التشيكو»، بالإسبانية، والذي كان آخرَ شخص من سلالة الملوك النصريين الذي عاش سقوط غرناطة وسلمّ بيديه مفاتيح المدينة إلى الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإلزابيث، عام 1492، لينتهي بذلك تاريخ حكم المسلمين في الأندلس الذي بدأ عام 711. و»دار الحرة» هي القصر الذي سُجِنت فيه والدة الملك الصغير مع هذا الأخير وشقيقه يوسف، من قِبَل زوجها الملك أبي الحسن، الذي سقط في غرام امرأة إسبانية تزوجها بعدما كانت واحدة من سبايا الحروب التي قادتْها مملكة غرناطة ضد المسيحيين الإسبان، تدعى إيزابيل دي سوليس. كانت ابنة قائد قلعة «مارتوس»، القريبة من غرناطة، والتي استعادها الإسبان قبل حوالي قرنين من سقوط غرناطة ولكي تبعد الملك الصغير عن الحكم، لأنه كان المرشح لخلافة والده، دبّرت لأسرته مكيدة لدى الملك، الذي أمر بسجن ابنيه وزوجته في ذلك القصر البعيد عن قصر الحمراء. لكن الأشخاص الثلاثة سيتمكّنون من الفرار من السجن ومن تجنيد بعض المتعاونين من أعيان المدينة، الذين كانوا ساخطين على سياسة أبي الحسن، فدُبّر انقلاب ضد هذا الأخير، أوصل الملك الصغير إلى الحكم. وقد سجلت كتب النوازل هذا الحادث من خلال الفتوى التي أصدرها بعض علماء العدوتين، المغرب والأندلس، ترفض الانقلاب والاستيلاء على الحكم، وثّقها الونشريسي في كتاب «المعيار». تعيد قضية ترميم «دار الحرة» تذكيرنا بمرحلة مهمة من التاريخ، على بعد خطوات منا، ارتبط بها تاريخ المغرب ارتباطا وثيقا طيلة قرون، وكان فيها مد وجزر في الحياة السياسية بين البلدين، حيث كان المغرب يؤثر في السياسة الأندلسية، كما كانت الأندلس تؤثر في السياسة المغربية. وكما كان سلاطين المغرب يدبرون الانقلابات في الإمارات الأندلسية، كان سلاطين هذه الأخيرة يُشعلون نيران الصراع في المغرب، لأن السياسة الخارجية للممالك الأندلسية لم تكن مستقرة، فتارة، كانت هذه الممالك تُراهن على المغرب، وتارة، على السلطنة العثمانية، وفي أحيان كثيرة، كانت تراهن على مملكة قشتالة وليون للحصول على دعمها في مواجهة سلاطين المغرب، وكان هؤلاء يرفضون أن يكون ولاء الأندلسيين للخلافة الإسلامية في المشرق، ولذلك كانت التدخلات في السياسة الأندلسية موجودة دائما، وقصة عبور يوسف بن تاشفين إلى إشبيلية واعتقال المعتمد بن عباد والمجيء به إلى مراكش، حيث مات ودُفن في اغمات، قصة شهيرة... وما زالت هذه المرحلة الأخيرة من تاريخ الأندلس، أي غرناطة في أيامها الأخيرة، مجهولة تماما ولم يُكتَب عنها الشيء الكثير في «لسان العرب»، كل ما هو معروف منها هو حادث السقوط وتسليم المفاتيح وخروج أبي عبد الله إلى جبال «البشرات» ثم إلى المغرب، وبكاؤه فوق الصخرة التي تحمل اليوم اسم «تنهيدة المورو»، على بعد كيلومترات قليلة من غرناطة، حيث ألقى آخر سلطان للمدينة آخر نظرة عليها، قبل أن يركب السفينة في اتجاه المغرب. هناك مثلا تضارب في اسم والدة الملك الصغير، فالبعض يطلق عليها اسم عائشة والبعض اسم فاطمة، وهناك تضارب في المكان الذي اعتُقِلت فيه، هل هو «دار الحرة»، فعلا، أم «قلعة قمارش»، التي كانت إحدى قلاع قصر الحمراء؟ ولماذا يُطلَق على آخر ملك اسم الملك الصغير، هل بسبب سنه، لأنه تولى الحكم وهو في سن أقل من الثلاثين، أم لتحقيره؟ وما هي الأدوار التي تدخلت في سقوط غرناطة؟ وما الدور الذي لعبته زوجة أبي الحسن الكاثوليكية، التي يقول المؤرخون إنها عادت هي وأبناها الاثنان، سعد ونصر، إلى الدين المسيحي بعد السقوط؟ ولماذا هناك تضارب في تسميتها بين زريدة أو ثريا؟ وهناك من ينسب إلى الملك الصغير دورا بطوليا في آخر أيامه قبل السقوط، وهناك من يجعله ضحية الخيانات في قصره، بسبب تسلل الجواسيس التابعين للملكين الكاثوليكيين ووجود وزراء فاسدين. كما أن هناك غموضا حول المرحلة التي قضاها أبو عبد الله، آخر سلاطين بني الأحمر، في المغرب، وتحديدا في فاس، ولماذا شارك في إحدى المعارك إلى جانب محمد الشيخ الوطاسي، حيث قتل، لأن الناصري، الذي يورد إشارة مقتضبة في «الاستقصا»، لا يقدم أي تفاصيل في الموضوع...