اللجنة المشتركة المغربية العمانية: شراكة متجددة تعكس عمق العلاقات الثنائية    إدريس لشكر بدون لغة خشب : «وطنيتنا هي التي تملي علينا مواقفنا»    قرعة كان أقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي في المجموعة الثانية    هدف حمزة إيكمان العالمي ضد أبردين في الدوري الأسكتلندي    المغرب يطلق مبادرة إنسانية جديدة لدعم الأطفال الفلسطينيين في غزة والقدس    آلاف المغاربة يهتفون بإسقاط التطبيع ويستنكرون إبادة غزة في مسيرة وطنية بالرباط    مصدر ينفي تعرض موقع وزارة للاختراق    واشنطن بوست الأميركية: مقاتلو البوليساريو تلقوا تدريبات إيرانية ويقعون اليوم في قبضة السلطات السورية    الأطر الصحية بالرباط تجدد العهد على دعم فلسطين وتنظم وقفة تضامنية بمستشفى مولاي يوسف    مؤشر الحرية الاقتصادية 2025.. غياب النزاهة الحكومية وتصلب سوق الشغل يُفرملان نمو الاقتصاد المغربي    القرعة تضع "الأشبال" بمجموعة قوية    مقابل 3 آلاف أورو للشخص.. تفكيك شبكة نقلت مئات المغاربة جوا لرومانيا ثم برا لإسبانيا    وفاة أستاذة أرفود متأثرة بإصابتها بعد الاعتداء الشنيع من طرف أحد طلابها    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    أخبار الساحة    الوداد والرجاء يقتسمان نقط الديربي، والمقاطعة تفقده الحماس والإثارة    رشيد المرابطي يحطم الرقم القياسي لماراطون الرمال وعزيزة العمراني تفقد لقبها    في ورقة لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي .. مرسوم دعم المقاولات الصغيرة خطوة تعيقها معضلات التوزيع والبيروقراطية وهذه توصياته    لمحاولتهم اختطاف معارض لنظام تبون وشنقريحة .. فضيحة: فرنسا توجه الاتهام إلى ثلاثة جزائريين من بينهم موظف في قنصلية جزائرية    قطاع مكافحة سوء التغذية يحذر من «كارثة»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين.. نزول أمطار بمنطقة طنجة    في قبضة القصيدة الأولى: ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    بينبين مستاء من تغييب وزارة الثقافة له خلال معرض الكتاب بباريس    الصين تدعو الولايات المتحدة الى "إلغاء كامل" للرسوم الجمركية المتبادلة    الدرك الملكي يشن حملة أمنية واسعة عبر التمشيط بالتنقيط الإلكتروني    عبد الوهاب الدكالى يعود بجمهور الرباط إلى الزمن الجميل    مكتب الصرف يحقق في تهريب العملة من طرف منعشين عقاريين    غارة اسرائيلية دمرت بشكل شبه كلي المستشفى الأهلى "المعمداني" في غزة    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    اندلاع النيران في سيارة على الطريق الساحلية رقم 16 نواحي سيدي فتوح    درهم واحد قد يغير السوق : المغرب يشدد القيود على واردات الألواح الخشبية    'واشنطن بوست': إيران دربت مسلحين من البوليساريو وسوريا تعتقل المئات منهم    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    الجزائر تستعين ب"ميليشيات رقمية" دولية لاستهداف مواقع حكومية مغربية    الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية–العمانية تُتوّج بتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة    المغرب وسلطنة عمان يؤكدان عزمهما على تطوير تعاونهما في شتى المجالات    الرباط تنتفض من جديد.. آلاف المغاربة في مسيرة حاشدة نصرة لغزة ورفضاً للتطبيع    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    تيفلت.. توقيف شخصين انتهكا حرمة مسجد في حالة تخدير    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة – سيدات (المغرب 2025)..الناخب الوطني يوجه الدعوة ل 14 لاعبة للمنتخب الوطني المغربي    تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي        المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    مسرحية ديموغرافية بإخراج جزائري: البوليساريو يخدع الأمم المتحدة    مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    اجتماع هام بالرباط لدعم وتطوير البنية التحتية الرياضية بوزان    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق
غرناطة... مدينة إسبانية تجري في عروقها دماء عربية
نشر في المساء يوم 13 - 08 - 2008

كل شيء في غرناطة يوحي بأن العرب المسلمين سكنوها ذات يوم بعيد، ومرت حوافر خيولهم من هناك قبل أن تطردهم إليزابيث الكاثوليكية التي دفنت بكاتدرائية المدينة، وبقرب قبرها تنتشر دكاكين تشبه تلك الموجودة في القاهرة ودمشق ومراكش لبيع كل ما هو عربي من مناديل وأثاث للسياح المتقاطرين من كل بقاع الأرض.
مازالت ساخنة تلك الدموع التي ذرفها أبو عبد الله الصغير، آخر ملوك غرناطة، وهو يغادر المدينة تاركا خلفه تاريخا بأكمله بعدما سلم المفاتيح إلى الملكة إليزابيث الكاثوليكية، إنها الدموع التي يحاول أن يجففها كل عربي وطئت قدماه ذات يوم غرناطة، آخر قلاع العرب في فردوسهم المفقود، فالعروبة تكتسي معاني خاصة في هذه المدينة الإسبانية، لأن العربي يقرأ تاريخه في وجوه المارة وتعابير الجدران.
كل شيء في غرناطة يوحي بأن العرب المسلمين سكنوها ذات يوم بعيد، ومرت حوافر خيولهم من هناك قبل أن تطردهم إليزابيث الكاثوليكية التي دفنت بكاتدرائية المدينة، وبقرب قبرها تنتشر دكاكين تشبه تلك الموجودة في القاهرة ودمشق ومراكش لبيع كل ما هو عربي من مناديل وأثاث للسياح المتقاطرين من كل بقاع الأرض.
ومازال هؤلاء السياح يأتون إليها للطواف بقبرها، ومحاولة فك طلاسم إحدى أكثر اللحظات حزنا في التاريخ العربي الإسلامي، وبالمقابل فإن قليلين هم الذين يعرفون النصب التذكاري الموجود في المدينة لأبي عبد الله الصغير، لكونه وضع في ركن غير ظاهر من المدينة التي تريد أن تنسى أن العرب المسلمين عاشوا بين أزقتها ثمانية قرون كاملة.
شوارع غرناطة مزيج من شباب يرتدون سراويل الجينز وحافلات وسيارات تلمع وتاريخ بعيد يترجل بدوره في جميع أزقة المدينة، ورغم الحضور القوي للملكة إليزابيث الكاثوليكية في كل ساحات المدينة وأسماء شوارعها، فإن النفس العربي حاضر بقوة في غرناطة، فالدم العربي يجري في عروق المدينة التي تحافظ على سمرتها أمام باقي المدن الإسبانية الشقراء، مثلما تحتفظ سماء غرناطة للذكرى ببعض من دخان نار التهمت مئات الآلاف من الكتب العربية في ساحة باب الرملة، تنفيذا لأوامر الكاردينال خمينيث الذي أمر بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية من أهالي غرناطة، وكومت أكداس هائلة في ميدان باب الرملة، أعظم ساحات المدينة، ومنها كثير من المصاحف البديعة، وآلاف من كتب الآداب والعلوم، وأضرمت فيها النيران.
لكن بعض سكان غرناطة سئموا من الحرب النفسية ضد العروبة والإسلام، ويحاولون قدر جهدهم إلغاء احتفالات الاسترداد التي تخلد صبيحة كل ثاني يناير من كل عام، وبعضهم مثقفون عرب بينهم مصطفى ناصر الذي يعيش في المدينة منذ حوالي عقدين.
ويقول مصطفى ناصر، وهو يتجول في زقاق قرب قصر الحمراء: «نحاول أن نصنع جوا من الثقة المفقودة بين المسلمين والإسبان في غرناطة، وتمكنا على الأقل من أن نفرض على بلدية المدينة محو عبارة «سان أغسطين ماتا موروس» (القديس أغسطين قاتل العرب) من إحدى يافطات الأزقة، والتي تعتبر أسطورة مسيئة للعرب في غرناطة»، مضيفا: «عدد من مثقفي المدينة يبذلون جهدا من أجل تأسيس أرضية لدفع البلدية إلى إلغاء احتفالات استرداد المدينة التي تجرى كل عام».
عدد من المثقفين الإسبان أيضا انضموا إلى هذه الحركة التي تحاول تأسيس تاريخ جديد مبني على التعايش بين المسلمين والنصارى في المدينة، فباكو صديق مصطفى ناصر لا يتوانى في طرح موضوع إلغاء هذه الاحتفالات في كل اللقاءات الثقافية التي تعرفها المدينة، ويعلق على هذا الموضوع بقوله بإسبانية تغلب عليها لكنة أهل الأندلس المميزة: «إنه أمر مزعج ثقافيا وغير مفهوم».
قصر الحمراء: أعجوبة الزمن العربي
زيارة غرناطة لا تكتمل دون التجول بين أروقة قصر الحمراء الذي تبدأ الرحلة إليه من شارع الملوك الكاثوليك، على مقربة من النصب التذكاري الذي يركع فيه المغامر كريستوف كولومبوس بين قدمي الملكة إليزابيث لاكاثوليك لمساعدته على تحقيق إحدى أكثر الأفكار التاريخية ثورية، وكل عشر دقائق تأتي حافلة حمراء صغيرة، ويشرع سائقها في الصعود إلى تلك الربوة التي شيد فوقها بنو الأحمر أعجوبة العمارة الإسلامية، أي قصر الحمراء الذي بقي صامدا في وجه موجة التدمير التي لحقته بعد سقوط غرناطة.
تتوقف الحافلة الحمراء الصغيرة في أعلى الربوة، ويظهر قصر الحمراء في الصباح الباكر فواحا بأريج التاريخ، وتطل جدرانه الحمراء مطلية بحزن دفين بشكل شاعري أوحى لنزار قباني ذات يوم بقصيدته اللذيذة التي كان مطلعها «في مدخل الحمراء كان لقاؤنا: ما أطيب اللقيا بلا ميعاد»، فعلا، فاللقاءات في قصر الحمراء، الذي تنام تحت عتبته جميع قلوب العرب، تتم بلا ميعاد، وهو ما حصل لمئات من السياح الذين التقوا صدفة على بوابته واصطفوا ينتظرون لساعات دورهم في زيارة التحفة التي سرت بذكرها الركبان، ويبدؤون غالبا زيارتهم من جناح الناصريين.
يعمل خوان في قصر الحمراء منذ سنوات طويلة، ويقول إنه «يجد سعادة كبيرة في الوجود كل يوم في القصر لتسهيل زيارة الملايين من السياح الذين يزورونه سنويا»، مضيفا: «بذلت مجهودا لتعلم الأبجديات العربية من أجل فهم النقوش المكتوبة على الجدران وقراءة بعض الكتب عن تاريخ الحمراء».
أما فرانسوا الذي جاء رفقة زوجته لزيارة الحمراء، فكان شغوفا بالمآثر العربية الموجودة، ويحاول أن يقرأ فصلا عن كل رواق يزوره من خلال كتاب اقتناه من دكان قريب، ويقول بفرنسيته الباريسية: «أشعر بأنني أتجول بين أروقة التاريخ، فكل جدار في القصر يحكي تفاصيل الحضارة الإسلامية في الأندلس، ورغم أن كل هذا يبقى تاريخا بعيدا».
في المسافة الفاصلة بين كل جناح من القصر تغني النوافير وجداول الماء أغنيتها الحزينة المعتادة التي تدغدغ المشاعر، وتبعث في النفس إحساسا بالاستغراب لقدرة العرب في تلك الأزمنة البعيدة على إنشاء مثل تلك النافورات الجميلة التي تبهج الناظرين، فلكل جناح فناء بنافورة مثل فناء الرياحين وفناء الأسود الشهير، إنها الأسود التي لم تعد تقوى على الزئير بعدما رحل أصحابها ونسجت حول رحيلهم الأساطير، ولم يتركوا غير عبارة واحدة منقوشة على جميع الجدران: «لا غالب إلا الله».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.