في زحمة الأحداث المتلاطمة في العالم العربي والتي أدت إلى ثورات شعبية استعملت فيها أسلحة متطورة (شعوب ضد الحكام وحكام ضد الشعوب)، كل هذا جعلني أتساءل عن هذه الجامعة وشرعيتها التي مر أزيد من ستٍّ وستين سنة (66) على تأسيسها (22 مارس 1945)، وهي الذكرى التي كانت مناسبة قومية تعطل فيها المدارس وتعقد المؤتمرات وتلقى الخطب، لكن بعد أن أصبحت لكل قطر مشارك في الجامعة أعياد قومية ووطنية يعتبرها أهم من ذكرى تأسيس الجامعة، فقد تم الاستغناء عن هذه المناسبة بطمسها، ذلك بأن يكون عيد الطفل ثم عيد الأم في 21 و22 مارس، فيذكر الناس تكريم أطفالهم وأمهاتهم وينسون أن لهم جامعة شبّت عن الطوق وبلغت 66 سنة. في مثل هذه الأيام من عام 1945 أمَّ القاهرة سبعة من ملوك ورؤساء الدول العربية المستقلة حتى ذلك التاريخ، واستقبلهم الملك فاروق بما يليق بالمقام، فنعموا أياما على شاطئ الإسكندرية وفي منتزهات أنشاص الملكية، وغنت الراحلة أم كلثوم «السادة النجب» فأطربتهم وأطربت العالم العربي... لقد ولدت جامعة الدول العربية. وتمر الأيام والسنون، وتحل بالعرب نكبات متتاليات أمام دولة «شذاذ الآفاق» المزعومة.. إسرائيل، بدأت بنكبة 1948 ثم 1956 ف1967 ف1973 ف1979 ف، ف، ف، والجامعة بأجهزتها راقدة مسترخية، يقلبها «السادة النجب» مرة أو مرتين في العام، في دوراتها العادية أو الاستثنائية... ويتقلب في تولي منصب أمانتها العامة عبد الرحمن عزام (باشا) فعبد الخالق حسونة (باشا) فمحمود رياض (بك)... إلخ، بعد أن ملت الجامعة المقام بالقاهرة فانتقلت إلى تونس. كانت جامعة الدول العربية تشهد محورا أو محورين حين كانت دولها سبعا، فقد كان هناك المحور الهاشمي والسعودي، ثم المحور المصري والعراقي، ثم محورا التقليديين والثوريين... أما اليوم فقد باضت الدول السبع وفرخت فبلغت اثنتين وعشرين فيما أظن، إن لم يكن أكثر، ولا أجد ضرورة للتوثق، فماذا لو كانت اثنتان وعشرون أو اثنتان وثلاثون.. وباتت تعج وتضج بالمحاور، تقليدية وثورية، يسارية ويمينية، وعلى يسار اليمين ويمين اليسار، دول عظمى يسارية، وأخرى يمينية... حتى إن رؤساء الدول لو رغبوا في الاستمتاع بصوت إحدى المطربات (كما استمتع أسلافهم بصوت أم كلثوم) لما استوعبتهم مقصورة ملكية، فهم بحاجة إلى ساحة من ساحات الحرية... عفوا، لقد هاجروا إلى تونس بعد أن سقط السادات وأسقط معه العرب والجامعة، ثم رجعت إلى القاهرة. هذه تجربة العرب مع جامعة الدول... فهل يجربون جامعة الشعوب، لكن هذه المرة يجب إقناع وإدخال كافة شعوب الدول الإسلامية للمشاركة لتصبح بذلك «جامعة الشعوب العربية والإسلامية»، ولعلها تكون أطول عمرا وأكثر فاعلية وأبعد أثرا، ولعلها لا تكون بحاجة إلى صياغة ميثاق جديد، يكفيها «واعتصموا بحبلِ الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلُوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا...»، صدق الله العظيم.