نشرت الصحافة المصرية خطاب الزعيم علال الفاسي بمناسبة الذكرى الثامنة لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال الذي ألقاه بالقاهرة يوم 11 يناير 1952 إخواني أخواتي تحل في هذا اليوم الذكرى الثامنة لتقديم عريضة الاستقلال وهي الوثيقة التي أعلن فيها حزبنا ومن حوله الأمة بأسرها أن وقت الحماية قد انتهى وأنه لا هناءة ولا تقدم للشعب المراكشي إلا بعد أفول النظام الحاضر وإعلان الاستقلال وأنتم تعلمون أيها الإخوان الظروف التي قدمت فيها هذه العريضة والنتائج التي ترتبت عنها كما تعلمون التضحيات التي قامت بها الأمة المراكشية بجميع عناصرها ومختلف طبقاتها لتسند هذا الطلب وتخلده بدمائها الزكية وأرواحها الطاهرة وتتحمل في سبيله كل سجن وتعذيب وتشريد وتنكيل. ولقد خرج الحزب وخرجت الأمة منتصرة معه خصوصا بعد أن عقد مولانا الملك مؤتمر رجال الدولة فقرروا بالإجماع تأييد طلب الأمة حقها في الحرية والوحدة والاستقلال ومنذ ذلك الوقت تجلى للملأ أن منهج حركتنا واضحا بينا وتبين للكل موقف ملكنا العظيم وحكومته من هذه الحركة وغاياتها ولم يبق للإقامة الفرنسية العامة ولمن حولها من رجال الاستعمار الجامد إلا أن يعضوا بنان الندم على ما ضيعوه من ظروف. يرجع الى هذه الأيام أصل الأزمة التي تقوم الآن في مراكش فبقدر ما كان لفوزنا فيها فضل وضوح عقيدتنا ومضاعفة نشاطنا والتفاف الأمة من حول مبادئنا كان لسياسة الحماية من تقهقر حتى الجمود، ومن تذبذب حتى اليأس، ومن لف ودوران حتى الطيش، ومن حرص على كسب ميادين جديدة حتى الهلع، ومن اضطراب وارتباك حتى الفزع، لقد أيقنت الإقامة الفرنسية أن الضربة القاسية التي ضربها حزب الاستقلال بتقديم وثيقة الاستقلال كانت آخر مسمار يدق في نعش الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، وإنها إذا لم تستطع أن ترد الخطر في الحين فإنها ستفقد كل شيء، ولن يبقى لعهدها البغيض عهد الاستغلال والاستبداد من وجود. لذلك واجهت الإقامة الفرنسية العامة الأمر بهجومات جديدة تقصد منها الاعتداء عمليا ونظريا على البقية الباقية من مظاهر السيادة المغربية، فأعدت للأمر عدته ، وقامت بعملية تطهير في الإدارة المغربية، خصوصا في إطار الباشوات والقواد حيث أبعدت تدريجيا. إذن لا غرابة أيها الإخوان إذا رأينا الإقامة الفرنسية تصب جام غضبها مرة أخرى على حزب الاستقلال ورجاله ولا غرابة إذا رأيناها تمنع ممثلي هذا الحزب من الدخول الى فرنسا للدفاع عن قضية بلادهم إزاء المجتمع الدولي وإن كان هذا المنع لم يؤثر في نشاط الحزب بداخل فرنسا نفسها كما أنه لم يزد تضامن أحزاب الجبهة إلا قوة وثباتا. أيها الإخوان: لقد كانت الغاية من عرض قضيتنا على هيئة الأممالمتحدة هي فضح الفظائع الفرنسية وكشف ما وراء الستار الحديدي الفرنسي والخروج بقضية مراكش من الصفة الثنائية التي تريدها فرنسا الى صفة عربية إسلامية ودولية، ولم نكن نؤمن أبدا بأن تحرير بلادنا سيقع بغير يد أبنائنا، ولقد أعلنا ذلك في مختلف الخطب والتصريحات التي أدلينا بها باسم الحزب طيلة العام الماضي. فماذا كانت النتيجة من عملنا وعمل الجامعة العربية من إجلنا في باريز؟ حقيقة أن الأممالمتحدة في الظروف الحاضرة لم تسجل قضية مراكش في جدول أعمالها وهو قرار يتنافى كامل المنافاة مع ميثاق الأممالمتحدة ومع معاني العدل والإنصاف ومع حق الشعوب في أن تشكو ممن ظلموها، ولكن هل ذلك كل ما كانت تطمع به فرنسا؟ وهل وصلت فرنسا بنفسها لهذا القرار أو ماهو الثمن الذي بذلته من أجله؟ الواقع أن فرنسا كانت تطعن بعدم اختصاص الأممالمتحدة بدراسة القضية المراكشية لأنها على زعمها قضية داخلية ولاشك أن قرار الجمعية العامة بتأجيل القضية مؤقتا يعرف ضمنيا بأن للهيئة كامل الحق في دراسة قضيتنا وإنما يرجئها في الظروف الحاضرة. الأمر الذي لا يحول دون تقديمها مرة أخرى أمام الهيئة، ولو في هذه الدورة نفسها، وذلك ما لم تكن تريده فرنسا أو توافق عليه، وما أدى الى الحملة الشديدة التي حملها حزب (دوكول) في البرلمان الفرنسي ضد (المسيو شومان) وسياسته حيث اعتبر هذا القرار نتيجة عجز في الدبلوماسية الفرنسية وما حمل المقيم فرنسا العام في مراكش على أن يعلن للجالية الفرنسية أن الخطر الدولي ما يزال محدقا بفرنسا وإذا كنا نسجل هذا كفشل للسياسة الفرنسية في الميدان الدولي فليس معنى ذلك اننا راضون بهذا القرار أو أننا نأمل أكثر ما كنا نأمله من هيئة تسيطر عليها دول استعمارية كبرى، أما الذي جعل الهيئة تتخذ هذا القرار الذي لم يرم في صميمه إلا الى استبعاد قضية مراكش من الجدول، فهو زيادة على ما لها من الأهمية الخطيرة في إذكاء لهيب الحرب الدولية الباردة القائمة فهو أمر كان بيعا وشراء بين أمريكا وانجلترا. كل المخلصين من رجال الحكم المغربي، واحلت محلهم أناسا من أحط طبقات الأمة، ليس لهم أي مؤهل ثقافي ولا اجتماعي، إلا أنهم تربوا على خدمة بعض المراقبين الفرنسيين، أو اشتغلوا لحساب قلم الجاسوسية الفرنسية، وهكذا أصبح قسم مهم من هؤلاء من الأميين الذين لم يكونوا يحلمون أبدا بالحكم أو يفكرون قط في الوصول الى مركز من المراكز العليا، يحتلون أعظم المناصب التي بقيت في أيدي المغاربة، ثم أخذت الإقامة الفرنسية تعرض على الحكومة الشريفة وجلالة الملك مختلف المشروعات التي تسميها بالإصلاحات والتي ليست إلا وسيلة للسيطرة والاستيلاء على كل ما بقي من حق للأمة أو للملك، فتقدمت بمشروع البلديات المختلطة، ومشروع مجلس الوزراء المختلط، ومشروع المعادن، وغير ذلك من كل ما كان يرمي لإحلال الفرنسيين ومصالحهم الخاصة محل الشعب المغربي ومصالحه، بعد أن احتلت الإدارة الفرنسية مكان الحكومة المغربية، وقد سمت ذلك كله بالإصلاحات الديمقراطية وسمت المناقشة فيه بالمفاوضة بين القصر وبين الإقامة، في الوقت الذي استمرت فيه أعمال الحماية التقليدية في الميز العنصري والاستغلال ومقاومة كل مظاهر التطور والنهوض الشعبيين. كان لزاما على الحزب إزاء هذا الهجوم أن يوجه كفاح الأمة في جهة واحدة هي مقاومة كل العروض الفرنسية والعمل على تحرير السيادة المغربية قبل كل شيء ولذلك وقف موقفه الرائع منذ أعلن أن مفاوضه قبل إعلان الاستقلال وشرح للأمة وللحكومة أن ما تسميه الإقامة العامة إصلاحا ليس ذرا للرماد في العيون ومحاولة لسلب ما تبقى من حق للشعب ومن مقام للملك، وقد فهمت الأمة المغربية هذا التوجيه وعرفت كيف تواجه تغيير كل حركة سرية أو علنية تقوم بها السلطات الفرنسية لتحقيق اغراضها واستجاب جلالة مولانا الملك لإرادة الأمة بصفته حريصا على أمانيها وحارسا لسيادتها فأعلن رفضه لكل المشروعات التي عرضت عليه وأكد بأقواله وأعماله أن السيادة كلها للشعب وانه لا حق لأجنبي حكومة أو فردا، في أن يشاطر الأمة المغربية هذا الحق أو يتدخل في أي أمر يتعلق به، ولقد أدى موقف جلالته الى عدة أزمات متعاقبة بين القصر وبين الإقامة الفرنسية انكشف للملأ معها أن معاهدة الحماية لا تقبل التطبيق وان مشاكل المغرب لا حل لها إلا بإلغاء الحماية وإعلان الاستقلال. لقد أوضح جلالة الملك أثناء زيارته لفرنسا في عام 1950 للحكومة الفرنسية كل الأسباب التي تدعو الى تغيير النظام القائم في المغرب وطالب بوضوح لا لبس فيه بأن تلغى هذه المعاهدة التي لم يؤد استمرارها إلا إلى أسوإ العواقب فأبى جمود القائمين على الحكم في فرنسا وضعفهم إزاء الدسائس التي يقوم بها انتفاعيون من مواطنيهم إلا أن يرفضوا النصيحة النبيلة التي قدمها جلالته إليهم، وما كاد جلالته يرجع الى مملكته بين مظاهر الحفاوة والتضامن التي قابله بها شعبه الكريم حتى اتضح أن الإقامة الفرنسية تريد أن تلعب بكل أوراقها لصد جلالة الملك وشعبه الكريم عن الطريق التي وضعوا أنفسهم فيها فصممت العزم على أن تستعمل أقصى قواها لخلع جلالته وتعيين من تختاره هي من اللائقين بأن يملكوا في ظل الحماية ونظامها فكانت أيام فبراير التي أدت الى بروتوكول 26 منه وهكذا أثبتت الحماية عجزها عن الاستمرار بغير القوة وخيانة كل ما ذيلته فرنسا بإمضاءاتها من عقود ومواثيق. ولقد كان حزب الاستقلال هو الذي تحمل مسؤولية كل هذه الأزمات فصبت عليه الإقامة الفرنسية جام غضبها فاعتقلت زعماءه وشردت أنصاره وطالبت الملك باستنكار أعماله فكانت حوادث (الرباط) و(فاس) و(الدار البيضاء) و (تادلة) و (قبائل سوس) و (خنيفرة) ودسائس طنجة ولكننا خرجنا من هذه المعركة أيضا منتصرين فاتحدت كلمة الأمة حول برنامجنا ودخل العراك الشعبي بالقضية المغربية في طور جديد. كان لهذه الأزمة أن دخلت قضيتنا القومية في الإطار العربي والإسلامي والدولي فما كادت الأزمة تشتد في مراكش حتى قامت الحكومات والدول العربية والإسلامية تسندنا وتؤيدنا في قضيتنا وقامت مظاهرات الشعوب الشقيقة تشاركنا في كفاحنا وتضحياتنا، ولست في حلجة إلى أن أذكركم بالأيام الخالدة التي مرت (بالقاهرة) و(دمشق) و(عمان) و(بغداد) و(طهران) و(كابل) و كراتشي) و (دلهي الجديدة) وفي كل نواحي (الجزائر) و(تونس) و(ليبيا)، لقد اجتمعت الشعوب العربية والاسلامية والشرقية، كلها في صعيد واحد تبارك كفاح المغرب. لقد تحدث وزير خارجية فرنسا عن التضامن الاستعماري وعن التعاون الدائم بين دول الحلف الأطلسي موهما بذلك الرأي العام الفرنسي أن انجلترا وأمريكا مع فرنسا في سياستها الاستعمارية مقابل تأييد فرنسا لهما في سياستهما في الشرق الأوسط وفي (مصر) و(إيران) على الخصوص، والحقيقة أن انجلترا وأمريكا غير محتاجتين لتأييد فرنسا الاستعمارية، فانجلترا التي ساهمت في طرد الفرنسيين من الشرق تعلم أنه ليس لفرنسا صوت يعتمد عليه في الميدان الدولي، لأنها لا تتقدم في المحافل الدولي بغير صوتها نفسها، ولو كانت القضية مسألة اهتمام بالأصوات لنشدت انجلترا ارضاء مصر وإيران ومعهما كل العرب والمسلمين أي زهاء 15 صوتا وأما أمريكا فهي تعلم أن حاجة فرنسا إليها أقوى من حاجة الولاية المتحدة الى فرنسا، انها تعلم أن جيش فرنسا ومطاراتها ومعابرها ومعاملها ومعادنها وميزانيتها وحكومتها، كل ذلك تحت نفوذ الدولار الأمريكي ولا يستطيع أن يعيش عاما واحدا بغير العون المادي والمعنوي الأمريكيين كل هذا شيء معروف لا تنكره فرنسا نفسها ولا واحد من رجالها فالسر الحقيقي لتأييد الانجليز والأمريكيين لفرنسا في الأممالمتحدة هو الرشوة المادية التي دفعتها فرنسا لدولتين ، فلتغلط الخارجية الفرنسية الشعب الفرنسي ما شاءت، فإن الحقائق واضحة لكل ذي عقل فهم، ذلك أنه ما كادت تمر أيام المناقشات حول القضية المراكشية في الأممالمتحدة حتى أعلنت الحكومة الفرنسية أنها اتفقت مع انجلترا على إشراكها بالنصف في استغلال معادن الحديد في موريطانيا، ثم أعلنت بعد ذلك بقليل أنها تنازلت لبنك باريز وهولندا عن أغلبية الأسهم التي كانت للحكومتين الفرنسية والمراكشية في شركة الاستغلال لمنجم فحم (جرادة) بمراكش، ومن المعلوم أن بنك باريز وهولندا مرتبط فيما يخص إفريقيا (لاشين بنك) الموجود في نيويورك، فالرأسمالية الأنجلو أمريكية هي التي صوتت مع فرنسا مقابل رشوة مكشوفة للجميع، هذا زيادة على المطارات الممنوحة للأمريكيين في مراكش مما تعتذر فرنسا عنه بالتعاون في الدفاع ضد الخطر الأجنبي. وعلى الرغم من كل هذا صوتت مع مراكش 23 دولة تمثل نصف سكان العالم، وصوتت مجاملة لأنجلترا وأمريكا بقيت الدول التي لا تتمتع بحرية الاعراب عن آرائها، ولذلك فلا يمكن لفرنسا أن تتبجح اليوم بمركزها الدولي الذي كانت تتبجح به من قبل وأنا وإياها كما قال الشاعر العربي: فإنك لم يفخر عليك كفاخر ضعيف ولم يغلبك مثل مُغلب وإننا لنسجل بمداد الشكر المواقف التي وقفها ممثلو العرب والمسلمون والشرقيون، خاصة معالي (الدكتور محمد صلاح الدين باشا) و (عدلي أندراوس بيك) و (فاضل الجمالي بيك) و (ظفر الله خان) وسعادة (أحمد الشقيري بيك) وجميع زملائهم الكرام. كما نسجل العمل الذي قاوم به وفد الجامعة العربية وعلى رأسه معالي أمينها العام ومعاونوه الأفاضل. أما الدول التي صوتت إلى جانب فرنسا فيحق لنا أن نسجل عليها هذا الموقف مؤكدين لها أننا لن ننساه أبدا، وإلى جانب هذا وذاك فيمكن لنا أن نستخلص حقائق أصبحت منذ الآن مجمعا عليها، فقد اعترف ممثلو الدول جميعا بحق العرب في أن يهتموا بقضية مراكش بل ذهب المندوب الأمريكي الى حد شكر الدول العربية والشرقية على ذلك وهذا ما يختلف تماما مع موقف فرنسا، كما اعترف الكل أيضا بخطورة القضية المراكشية من الناحية الدولية وذلك ما بررت به كندا مشروعها، وأعرب المندوب الأمريكي ومن أيده من الدول عن عطف دولته على أماني الشعب المغربي. أما ممثل فرنسا فقد أكد للجمعية العامة أن حكومته ستواصل المفاوضة مع جلالة الملك لحل المشكلة المغربية حلا وديا. ذلك هو الوضع الحالي الذي خرجت به قضية مراكش من هيئة الأممالمتحدة، فما هو موقف فرنسا الآن؟ وماهو موقف الوطنية المغربية وبرنامجها؟ لا يوجد فيما يخص الجانب الفرنسي شيء يدل على أن فرنسا ستغير من سياستها الاستغلالية والتعسفية، فقد عوض المقيم الفرنسي العام مراكش وتعاضدها في رد العدوان الفرنسي، واستجابت الجامعة العربية لإرادة شعوبها ووقف (رفعت النحاس باشا) في اللجنة السياسية يعبر عن رغبة العرب قاطبة في تحرير مراكش ومناصرة ملكها وأعلن سعادة الأمين العام للجامعة العربية أن قضية مراكش قضية العرب أجمعين وأنهم سيسيرون فيها جنبا الى جنب مع الشعب المراكشي حتى يحصل على حقه كاملا غير منقوص. لقد تقدمت الحكومات العربية والشرقية الى فرنسا بمذكرات ودية تسعى فيها لحل القضية المراكشية عن طريق التفاهم والإنصات، ولكن فرنسا رفضت هذه الروح الكريمة وكبر عليها أن تعترف حتى بحق العرب في أن يتدخلوا لمناصرة إخوانهم ولو بالكلمة الطيبة والنصح الكريم، وسعى العرب لدى أمريكا وغيرها من الدول الكبرى لتتوسط وحل المشكل القائم بين العرب وفرنسا ولكن هذه الدول جبنت عن أن تواجه ما تعلمه من سوء الفهم الفرنسي فاعترفت سلفا بأن هذه الوساطة لا تجدي: وإزاء ذلك طالبت الأمة المغربية على لسان جبهة أحزابها المتحدة بعرض قضية البلاد على هيئة الأممالمتحدة فاتخذت اللجنة السياسية للجامعة قرارها التاريخي بالعرض رغم كل المحاولات الديبلوماسية التي قامت بها فرنسا، وهكذا كسبت قضيتنا فوزا ديبلوماسيا في عالم العروبة ايأس فرنسا من أن تدخل بين مراكش وبين العرب مرة أخرى. أيها الإخوان: إننا في موقف الذكرى لعمل جليل من أعمال حزب الاستقلال من حقنا أن ننوه بما قام به هذا الحزب من اعداد لعرض قضية مراكش على الأممالمتحدة فلقد تحمل أعباء الدراسة والطبع والتوزيع والانفاق على كل الوثائق التي أظهرت للعرب والمسلمين ولغيرهم فظائع فرنسا في مراكش، وانه لعمل متقن جليل قدره للحزب كل الذين اطلعوا عليه وسيقدره له التاريخ لا محالة بإذن الله، هذا إلى جانب ما قامت به بعثات الحزب السياسية التي وجهها للشرق وأوروبا وأمريكا من أجل الدعاية لقضية مراكش، وإلى جانب التضحيات التي بذلها رجاله في داخل البلاد والأعمال الجليلة التي قام بها في تناسق على مجلس الشورى في ميزانية سنة 1952 صورة مخلصة للسياسة الاستعمارية المعتادة، فالروح الاستغلالية التي تعمل بكل قواها على تأخير الشعب المراكشي ومنعه من كل تقدم هي التي ما تزال تسيطر على وسائل نهوضنا وما تزال تجعل من ميزانيتها أداة لتحقيق أغراض المستعمرين الذين تعطيهم المركز الأول في كل النواحي، فالميزانية التي تأخذ أغلبية مداخلها من عرق الفلاح والصانع والعمال المغاربة تصرف أغلبيتها لإرضاء حاجات الجالية الفرنسية في البلاد، اذ تضمن لها المدارس والمعاهد والمستشفيات ومراكز اللهو والتسلية ووسائل تحسين معيشتها كما تضمن تشجيع الهجرة الفرنسية الى مراكش لتكثير عدد هذه الجالية وتدريبها على المطالبة بحقوق لا يمكن لنا أن نعترف بها أبدا. وإذا رجعنا إلى ميزانية هذه السنة وجدناها تبلغ 79 مليار من الفرنكات أي (79 مليون جنيه) ومقارنتها بميزانية سنة 1938 التي كانت تبلغ مليارا واحدا ومائة واثنين وسبعين مليونا من الفرنكات نجد أن الميزانية تضاعفت بنسبة 7000٪ تستغرق مصاريف الموظفين منها 3،80٪ وقد زادت 35٪ عن السنة الماضية وذلك ما يدل على أن عدد الموظفين الفرنسيين في تصاعد مستمر، الأمر الذي يرمي إلى تكثير عدد الجالية الفرنسية في البلاد. ولقد تبجح المقيم الفرنسي العام بأنه سيبني في هذه السنة فصولا جديدة تسع 20 ألف تلميذ بمراكش. وذلك أقصى ما يمكن من الاستهزاء بالرأي العام المراكشي والدولي، إذ يعلم الكل من عدد الأطفال الذين يبلغون السن المدرسي، في مراكش يتجاوز المليونين لم تبن لهم إدارة المعارف من المدارس الا ما يسع مائة وأربع وثلاثون ألفا، فإذا سارت الإقامة الفرنسية العامة على هذا المنوال فستمر 98 سنة قبل أن تكون قد استكملت بناء الفصول اللازمة لإيواء جميع الأطفال الذين هم في سن التعليم، هذا إذا توقف الشعب المراكشي عن التناسل والتكاثر. وإلى جانب هذا فإن أعمال الاضطهاد والإرهاب ما تزال مستمرة في جميع النواحي، وحيث ما التفت المرء في مدن مراكش وقراها يجد المراقبة الفرنسية تعتقل وتشرد وتسجن وتجلد وترتكب أشد ظروف التعسف على المواطنين لا لشيء إلا لأنهم أيدوا الدول العربية في شكواها ضد فرنسا أو قاطعوا الانتخابات المزيفة التي دبرها الجنرال (جيوم) أو شاركوا في حفلات عيد العرش أو اجتماعات حزب الاستقلال أو المنظمات النقابية القومية. ولقد نشرت الصحف ووكالات الأنباء، القسوة التي استعملتها المراقبة الفرنسية في الشهر الماضي مع المراكشيين في (مسفيوة) حيث اعتقلت كثيرا من الرجال وامتد اضطهادها إلى السيدات الاستقلاليات فسجنت منهم كثيرا وجلدتهن وفصلتهن عن أزواجهن المعتقلين أيضا، وقد وقع نفس الشيء في (هوارة) و(تفراوت) و(اجدير) و(أبولو) وفي كل قرية أو مدينة في الشمال أو في الجنوب، وقد بلغ الحنق بالسلطة الفرنسية أن صبت جام غضبها على رجال الدين فاعتقلت 80 إماما من أئمة المساجد في (امغاغة) من قبائل البربر إنهم شاركوا في اجتماع وطني عقده حزب الاستقلال، كما اعتقلت عددا كبيرا من علماء الدين في سائر أنحاء مراكش لأنهم باركوا استقلال ليبيا في خطب الجمعة. أما عن الروح العامة للسياسة الفرنسية فقد نشرت جريدة (نيويورك طايمز) الأمريكية مذكرة استطعت الحصول عليها كشفت نوايا فرنسا الحقيقية في مراكش، إذ توصي فيها وزارة الخارجية الفرنسية الإقامة العامة في مراكش بانتهاز سياسة جديدة ترمي إلى تقوية سلطة حكام النواحي الفرنسيين ومن تحت مراقبتهم من القواد والباشوات المراكشيين حتى تصبح كل جهة منفصلة عن الأخرى، ولا يبقى لها أي ارتباط عملي بالحكومة المراكشية المركزية ولا بجلالة الملك الذي هو عدو لفرنسا. وإذا كان ناطق بلسان وزارة الخارجية الفرنسية قد حاول بعبارات غامضة تكذيب ما ورد في هذه المذكرة فإن الواقع يدل على أنه صدق، وهو ليس جديدا بالنسبة للتوجيهات التي ترسل للإقامة الفرنسية العامة في مراكش، فإن الخطاب الذي كان قد ألقاه مسيو (لابون) المقيم العام الأسبق في مراكش مبينا فيه برنامجه الاقتصادي والسياسي دعا إلى إقطاعية جديدة سماها ب(لامركزية الدولة) ومن شأن هذه اللامركزية أن تخول لحكام النواحي الفرنسيين كل النفوذ النظري والعملي في النواحي التابعة لهم حتى يصبح في استطاعتهم أن يسنوا أمورا لا تطبق إلا في دائرة نفوذهم ويمنع من الصحف مثلا ما يباع أو يصدر في إحدى النواحي المراكشية الأخرى، ولقد قاوم حزب الاستقلال هذه النظرية في وقتها وامتنع جلالة الملك عن المصادقة على أي مشروع من شأنه أن ينجز هذه السياسة الاستعمارية الأثيمة، ولقد كشف لنا ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز القناع اليوم عن عزم الفرنسيين على محاولة تطبيق هذه السياسة من جديد، وأن في الحوادث التي تجري الآن في مراكش تصديقا لما أوردته هذه الصحيفة، ولا أدل على ذلك من أن تمنع الإقامة العامة عددا من القواد المراكشيين من الوفادة على جلالة الملك في عيد المولد النبوي لتقديم ولائهم طبقا للتقاليد المتبعة في البلاد ولا شك أنها ترمي بذلك إلى تركيز هؤلاء القواد في يد الحكام الفرنسيين مباشرة ومنعهم من أي اتصال بولي الأمر إلا بواسطة الموظفين الفرنسيين المسؤولين، هذا زيادة على ضروب البعث الظاهرة للسياسة البربرية التي لم يستطع (مسيو شومان) نفسه أن يكثمها في خطابه أمام منظمة الأممالمتحدة نفسها حين أكد أن تعاون فرنسا لم ينقطع في مراكش لا مع جلالة الملك فقط بل حتى مع الرؤساء الآخرين من عرب وبربر، فأي رؤساء آخرين يا ترى في البلاد؟ إن سياسة فرنسا كانت ولاتزال هي سياسة التفرقة وتخريب الضمائر واضطهاد الشعب واستغلال خيرات البلاد لصالح فئة من الفرنسيين والأجانب وغضب كل حريات والمساس بمقدسات الأمة ودينها وكرامة ملكها وليس في الأفق شيء يدل على أن فرنسا ستقلع عن هذه الأساليب وكل قول أو خطاب يلقى في الموضوع إنما هو ذر للرماد في العيون ونفاق يقصد به التمويه على الرأي العام الدولي فقط. وقد بدأت الإقامة العامة تنظم جهودها الدبلوماسية لتحقيق أغراضها الأثيمة ضد العرش وضد الأمة وحركتها الاستقلالية زيادة على ضروب التملق ضد العرش وضد الأمة وحركتها الاستقلالية زيادة على ضروب التملق الذي ما فتئ (الجنرال جيوم) يستعمله لترضية أمريكا وإضرابها فقد اقترح المندوب العام الإسباني أن يعقد اجتماعا لتوحيد خططهما إزاء الوطنية المغربية وقد تم هذا الاجتماع وكل ما نشر عنه يدل على أن فرنسا تريد أن تبقى إسبانيا في الوضعية التي وضعتها فيها وهي أن تنفذ دائما في منطقة حمايتها كل ما يضعه مصطلح الشؤون السياسية في منطقة الحماية الفرنسية. ومهما تكون نتائج هذا الاجتماع فالذي يجب أن يعلمه الجميع هو أن المغرب وطن واحد وأن استقلاله واحد وأن المسؤول الأول عن توزيع المغرب إلى مناطق مختلفة التبعية هو فرنسا وأن الوطنيين في الشمال أو في الجنوب لا يعترفون بأي وضع يقوم في بلادهم على غير أساس الاستقلال والوحدة في ظل حكومة واحدة وعرش واحد هو العرش العلوي الشريف. أيها الإخوان الكرام - إن الوطنية المغربية قد وصلت إلى مرحلة تفرض عليها أن تحاسب نفسها وتنتقد ذاتها وتوجه الشعب نحو وسائل أجدى، إنني لا أدعو إلى نبذ ما بنيناه من عمل في الداخل والخارج ولا إلى التخلي عن شيء من مظاهر حركتنا، ولكنني أعتقد أنه حان اليوم الذي نواجه الشعب فيه بحقيقة الواقع، لقد قام الملك وقامت النخبة العاملة بواجبها، فيجب أن نرد الكلمة للشعب، يجب أن تتقدم الأمة بنفسها لتفتك حقها بيدها، إننا لا أدعو للثورة ولا أدعو للشدة ولا أفر من المسؤولية، ولكنني أقول إن من الوفاء للأمة والإخلاص لقضيتها أن نقول لها إن الاستعمار متحد ضدنا وأن الاستقلال يؤخذ ولا يعطى، وأن التضحية أساس كل فرج ونجاح. لقد هبت (مصر) و(إيران) تدافعان عن نفسهما كما هب (السودان) الذي يعيش في حالة أشبه ما تكون بحالتنا فيجب أن تقف (مراكش) و(الجزائر) و(تونس) نفس الموقف، أن تكتل الضعفاء خير سبيل لقهر الأقوياء، لقد أبت علينا فرنسا أن نثق بوسائل المفاهمة وأبت علينا الدول الاستعمارية الأخرى أن نثق في تحكيمها، إن موقف فرنسا وأنصارها في الأممالمتحدة ومنعنا من حرية التشكي لا يمكن لنا أن نستنتج منه إلا أحد الأمرين: إما أن واجبنا هو الاعتماد قبل كل شيء على أنفسنا واستعمال قوتنا المعنوية وذخائر إيماننا لافتكاك حقنا ولو أبى الظالمون. وإما الانخدال والاستسلام والإيمان بقوة فرنسا وعظمتها، وإني لا أرى أن تكون أمتنا من الذين يخنعون للقوى أو يستسلمون لخطط الأعداء، وإذن فليس إلا النتيجة الأولى وهي ضرورة تجمع الأمة كلها شيوخها وشبابها رجالها ونساؤها على كلمة سواء هي الاستقلال التام أو الموت الزؤام. إننا نؤمن بتكتل المستعمرين في كل الأرض لمحاربة المستعمرين في كل الأرض، أومن بأن تعاون الحركات التحريرية التي تمثل مليارا من الأنفس في العالم قادر على أن يقضي على قوى الشر التي تلتئم لتطيل أمد استعباد المستضعفين وتزيل منهم حتى إيمانهم بأنفسهم. أيها المستعمرون اتحدوا، أيها الشعوب اعتقدوا أن عدوكم الأوحد هو الاستعمار وأن كل كفاح في الشرق أو الغرب هو كفاحك، فأيدوه وناصروه. يتحدثون عن الكتلتين الشرقية والغربية ويدعوننا إلى الاهتمام بأمر خطير مقبل في الشرق أو الغرب أما نحن فيجب أن ننظر قبل كل شيء لأنفسنا يجب أن نتحدث عن الكتلة الثالثة التي هي كتلة الشعوب المستعبدة والشعوب التي تؤيدها، إنها كتلة الدعوة للحرية والسلم لا للحرب والاستعباد. أومن بنداء القاهرة الذي يقول (لا مفاوضة ولا تعاون قبل الاستقلال والجلاء) وأزيد أن هذا حق يجب أن نؤمن به لشعوب الأرض كلها. أية مفاوضة بعد أيها الإخوان وأي تعاون ممكن مع الذين لا يتركون وسيلة من وسائل الطغيان إلا استعملوها ضدنا وللضغط علينا، يجب أن نعرف أصدقاءنا من أعدائنا، إن المقياس في يدنا أنه الاستقلال والحرية فمن لم يعترف بهما لنا فهو عدونا، ليكن في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب. إن مفتاح القيد في يدنا، يجب أن نقاطع خصوم الوطن حتى يعترفوا بحق الوطن، يجب أن نتعود لونا من ألوان التضحية التي لا نفكر فيها إلا قليلا، إنه لون الاستغناء عن كل ما يرد من طرف المستعمرين من وسائل الراحة وأسباب الزينة يجب أن نؤثر التقشف في سبيل الحرية على الرفاهية في ظل الاستعباد، يجب أن نقاطع البضائع التي يحملها إلينا المستعمرون فيحملون معنا الذل والعبودية، إن السلاح بأيدينا، وإن إرادتنا أن نعيش ونتحرر هي السبيل الوحيد لحريتنا. فإلى الشعب المغربي أوجه اليوم من القاهرة هذا النداء نداء التكتل والاتحاد لخوض المعركة الفاصلة مع الذين يعملون لإنقاذ بلادهم في المشرق والمغرب، إن الساعة لتدق، وإن الإيمان والاستبسال هما سبيل الخلاص. أيها الإخوان: لا يمكن لي أن أنهي القول دون أن أتوجه بالفكر في هذه الساعة لأرواح شهداء وادي النيل الذين سيقطعون في فداء الكفاح المقدس ضد الاستعمار، إن دماءهم الزكية أعظم دليل على أن أبناء الوادي خليقون بمصر الخالدة التي عرفت كيف تكافح في كل العصور لمقاومة الظلم وضد الطغيان ثم أشرك معهم في الذكر شهداء الاستقلال الذين سقطوا في (الدار البيضاء) وفي (خنيفرة) وفي كل بلد مستعبد يتحرك لكسر القيد وفك الأغلال، إن هذه الأرواح الطاهرة هي التي ترتفع إلى السماء لتكفر عن خطيئتنا نحن الذين أثرنا الحياة على الموت وبها وحدها ستتحقق لأممنا حياة العز والمجد والحرية.