سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تهريب الحشيش بدأ ينطلق بحرا من القنيطرة والناظور بعد أن ضاقت كماشة الأمن على مناطق الانطلاق التقليدية وصلت محطة القطار في المحمدية وأنا مبلل تماما وكنت أتحاشى الناس لأن مظهري كان غريبا جدا
في هذه المذكرات، يحكي مهرب تائب مسيرته المثيرة في تهريب الحشيش عبر البحر، بين المغرب وإسبانيا. مسيرة فيها الكثير من الإثارة والتشويق، لكنها أيضا مذكرات من أجل العبرة واستلهام الدروس. - خلال السنوات الأخيرة صارت زوارق الحشيش تنطلق من مناطق بعيدة، مثل القنيطرةوالناظور. لماذا حدث ذلك؟ حدث ذلك بعد تضييق الخناق الأمني على المناطق التقليدية المعروفة بانطلاق زوارق الحشيش، وهي المناطق المحاذية لمضيق جبل طارق. كثير من زوارق الحشيش صارت تنطلق من شاطئ مولاي بوسلهام، وهناك مراكب كانت تنطلق من مدينة المحمدية. السبب الآخر لتغيير مناطق تهريب الحشيش هو أن الزوارق البلاستيكية الكبيرة متعددة المحركات لم يعد مسموحا بإيداعها في مستودعات، خصوصا في واد المرْسى، حيث تم شن حملة أمنية وصودر الكثير منها. المهربون اكتشفوا حلا آخر هو وضع هذه الزوارق الكبيرة في عرض البحر وتكليف شخص أو أكثر بحراستها في عرض المياه، بحيث ينام ويأكل فيها إلى أن يحين موعد عملية تهريب. هذه الزوارق تبقى لعدة أيام في عرض البحر وهي مزودة بكل التجهيزات الضرورية، البنزين والزيت والمحركات وأجهزة اتصالات لاسلكية جد متطورة، مع حارس أو أكثر. - ألا تراها دوريات الحراسة في عرض المياه؟ قد تراها، لكنها لا تراها، فالمهربون يعرفون كيف يجعلون الآخرين عميانا لا يرون شيئا. - وهل سبق أن قمت بتهريب الحشيش من هذه الأماكن؟ اشتغلت في عدد محدود من العمليات، ربما 3 أو 4 مرات. العملية الأولى قمنا بها في النهر الموجود قرب العرائش في حدود سنة 2003. قمنا بشحن حوالي 100 حزمة من الحشيش وانطلقنا بزورق صغير من النهر نحو البحر. بعد ذلك وضعنا السلعة في مركب صيد في ملكية شخص يشتغل بميناء المحمدية وانطلقنا نحو منطقة «سان لوكا» بالجنوب الإسباني، القريبة من الحدود مع البرتغال. بقينا 3 أيام قرب الشواطئ الإسبانية ننتظر وصول مجموعة من الأجانب على متن قارب صيد لتسليمها لهم، لكنهم لم يأتوا، ربما خافوا من وجود حراسة أو ربما هناك سببا آخر. هذه العملية تمت بطريقة غريبة لأنني كنت تعبا وخلدت للنوم، وعندما صحوت لم أجد السلعة، فسألت عنها فقال لي أصحاب المركب إنهم رموها في البحر لأن طائرة هيلوكبتر اقتربت من المركب. كما أنهم كانوا يريدون العودة لميناء المحمدية ولا يمكنهم أن يعودوا بشحنة الحشيش. أنا شخصيا لم أصدقهم تماما، ربما تصرفوا فيها بطريقة معينة. بعد ذلك عدنا لميناء المحمدية، واضطررت للوصول إلى الشاطئ عبر زورق صغير، ثم أكملت سباحة لأنه لم يكن مسموحا لي بالنزول في الميناء لأنني لست صيادا مثل باقي طاقم المركب، وربما قالوا لي ذلك لكي يتخلصوا مني نهائيا. لا أزال أتذكر كيف وصلت محطة القطار في المحمدية وأنا مبلل تماما، وكنت أتحاشى الاقتراب من الناس لأن مظهري كان غريبا جدا. بعد ذلك أخبرت الباطرون بضياع 100 حزمة من المخدرات، يعني ثلاثة أطنان، وثلاثة أطنان تعني أكثر من 7 ملايير سنتيم، لذلك ساورته شكوك حول ذلك، وأرسلني مع شخص إلى المحمدية لكي أواجه البحارة الذين قمت معهم بالعملية. اكتشفت بعد ذلك أنهم كانوا يكذبون، وقالوا لأصحاب السلعة إنني شاركت معهم في رمي الحشيش في الماء، بينما هم استغلوا نومي لكي يقوموا بما قاموا به. العملية بقيت غامضة. العملية الثانية كانت بإشراف صديق إسباني يدعى مانويل، تعرفت عليه من قبل في سجن قادس الإسباني. قال لي إن عنده كمية من الحشيش يريد تهريبها، فأخبرت شخصا أعرفه وقمنا بالتخطيط للعملية بالقرب من نهر مولاي بوسلهام. كمية الحشيش تم حملها بالشاحنة نحو القنيطرة ومن هناك أخرجناها عبر زورق انطلاقا من النهر. أتذكر أن البحر كان هائجا جدا وقتها ووجدنا صعوبة في الخروج من النهر نحو البحر. العملية تمت بنجاح، وأنا قبضت مليون سنتيم كمقدم أجر، ولكني لم أقبض أبدا الباقي. حاولت الحصول على حقي لكني تعرضت لتهديدات من طرف شبكة يقيم زعيمها في فيلا فاخرة بشاطئ «مارينا سْمير» بضواحي تطوان، وهو على سبيل الإشارة، يحج كل عام، وسبق أن اعتقل ثم أطلق سراحه. - تهريب الحشيش امتد أيضا شرقا، على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ووصل حتى الناظور؟ تهريب الحشيش يتكيف حسب المعطيات، وانطلاق الزوارق من الناظور بدأ لان شبكات إسبانية قوية لتهريب الحشيش كانت تستقبله في سواحل بلنسية (وسط شرق إسبانيا)، حيث كان عدد المهربين الإسبان يملكون ضيعات في المنطقة، وبعضها قريب من البحر. كما أن الطريق بين الناظور وبلنسية كانت جديدة وغير محروسة، كما أن المنطقة البحرية هناك شاسعة وغير قابلة للمراقبة، والزوارق السريعة تقطع المسافة في زمن قياسي وبكميات كبيرة من الحشيش. لقد كانت طريق الناظور – بلنسية مثالية للمهربين، والذي اكتشفها شخص أعرفه وهو من منطقة «كاستيوخو» القريبة من سبتة. - لكن منطقة «مارتشيكا» بالناظور صارت بعد ذلك ممتلئة بالمهربين وبالزوارق السريعة؟ نعم، لأن المنطقة كانت آمنة في البداية. كما أن الزوارق كانت تحمل كميات قياسية من المخدرات، وأحيانا تصل الكمية إلى 5 أطنان في الزورق الواحد. أحيانا كانت هذه الزوارق تصل حتى سواحل برشلونة (شمال شرق إسبانيا). - والبرتغال.. ألم تكن تصلها زوارق الحشيش؟ طبعا تصل، وكانت الزوارق السريعة تصل البرتغال وتعود في نفس الليلة. أغلب زوارق الحشيش كانت تصل منطقة نهرية بين إسبانيا والبرتغال، ومنذ سنة 2000 وحتى 2007 تم إنزال كميات كبيرة جدا من الحشيش في هذه المنطقة لأنها كانت آمنة وبدون أية حراسة. هناك منطقة أخرى كان يصلها الحشيش بأمان، وهي منطقة ويلفا، وبالضبط في المناطق الشاطئية الموجودة ضمن محمية طبيعية لا يصلها الحرس المدني الإسباني، وغالبا ما يتفاهم أصحاب الحشيش مع حراس المحمية الطبيعية، حيث تأتي شاحنات إلى قلب المحمية وتحمل الحشيش. - هل توجد شبكات برتغالية قوية لتهريب الحشيش؟ توجد شبكات، ولكنها ليست قوية مثل الشبكات الإسبانية. إنها في الغالب تلعب دور الوسيط بين الشبكات الأخرى. يمكن للشبكات البرتغالية أن تلعب دورا أهم في مجال تهريب الكوكايين، القادم من أمريكا اللاتينية، خصوصا وأنها قريبة من إقليم غاليسيا الإسباني، الذي سبق أن كان محورا أساسيا في نقل الكوكايين إلى أوروبا، وبه كانت توجد شبكات قوية جدا، أغلبها سقطت في يد العدالة الإسبانية وتم تفكيكها.