} أنا من مواليد شهر ديسمبر سنة 1924، وأبحِر الآن في السنة الرابعة والثمانين من عمري وشمسُ حياتي على أطراف النخيل. وأقول لأعضاء أسرتي إن سنوات الثمانينات سنوات الوداع. فالقليلون هم الذين يجتازون بقية سنوات الثمانينات أو يختمونها وهم أحياء. وهذه سنة الله وقضاؤه ولا مرد لسنته وقضائه. «وهو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا». وقدم الله الموت على الحياة لطولها أكثر من الحياة. وما جاء الأحياء إلى هذه الدنيا الفانية إلا ليستعدوا للممات. كان هذا شأن الرسل والأنبياء وهم يقتعدون قمة الأحياء. وعلينا أن نعمل لدنيانا كما لو كنا نعيش أبدا، ونعمل لآخرتنا وكأننا نموت غدا. } الحياة مسلسل كفاح وعلينا أن نجتازه ونحن واعون بحاضرنا وما يجري من حولنا، ومستعدون لمواصلة مسيرة الحياة إلى حلول الأجل المحتوم. وعلى المؤمن أن يستعد للحياة القادمة براحة بال وعظيم اطمئنان. «وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون» (قرآن كريم). } منذ أن اكتملت لي ثلاث سنوات من عمري وأنا أتعلم. لم أنقطع عن التعلم إلا عندما ألمَّ بي مرض. وقد أكرمني الله طول حياتي فمتعني بالعافية. وابتليت ببعض الأمراض لكنها لم تطل والحمد لله. ولم أنقطع عن التعلم وأنا مريض إلا فترات قليلة توجت بالشفاء والعافية. شفتني ملازمة القراءة والكتابة من بعض أمراضي، وداومت القراءة والكتابة طول عمري ووجدت فيهما البلسم الشافي والوصفة العلاجية التي لا يمارسها طبيب. أعاود القراءة والكتابة دون أن أملّ. ولا أستطيع أن أتركهما وقتا طويلا. تنتعش روحي بالقراءة والكتابة وأنسى بهما أمراضي، أسْتمتع بهما وأتسلى بهما عما يقلقني أو يزعجني. والكتابة والقراءة عندي جزء من عملي وراحتي، ولو طلب مني أن أعرِّف نفسي تعريف المناطقة للإنسان لقلت إني حيوان قارئ وكاتب. ويقول المناطقة عن الإنسان في جملة ما اشتهروا به من تعريفات للإنسان إنه حيوان ضاحك وعاقل وحساس. أحس بأنني ميتٌ جماد عندما أتوقف عن القراءة. ولو شئت أن أضبط هُويتي بقاعدة منطقية لقلت إن القراءة هي روحي التي أعيش بها، والكتابة هي الظل الوارف الذي أرتاح إليه. وبهما أعيش الحياة الهنيئة التي تعطيني من دفقاتها ما ينعشني. ثمانون سنة من حياتي كانت فيها القراءة والكتابة زادي وغذائي وطعامي وشرابي. أعيش بهما وأكرع من ينابيعهما ما يساعدني على العمل الدؤوب وهو الآخر جزء من حياتي. طيلة السنوات المنصرمة من حياتي طبقت على نفسي ما جاء في الأثر: «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد». } يبلغ عدد مؤلفاتي 71 مؤلفا في التاريخ والأدب والقصص التاريخي والقانون الدستوري الذي تخصصت فيه وحصلت على دكتوراه ودرّسته في كليتي الحقوق بالرباط والدارالبيضاء ما يزيد على عشر سنوات. وبقية كتبي عالجت مجالات معرفية أخرى. آخر ما صدر من كتبي كتاب تفسير القرآن بعنوان: «قبساتٌ من نور الذكر الحكيم» وصدرت منه خمسة أجزاء من سورتي الفاتحة والبقرة إلى الجزء الخامس من سورة الأنعام، وتصدره جريدة التجديد كل جمعة. وأتابع نشره إلى اليوم. } لي في البيت خزانة كتب حبّستها (أو أوقفتها) على مؤسسة عبد الهادي بوطالب التي تفضل جلالة الملك محمد السادس باستضافتها في المركز الثقافي الديني الذي سيعلن عنه جلالة الملك ويدشنه في آخر السنة الجارية أو أول السنة القادمة. ويضم هذا المركب بالإضافة إلى المؤسسة المذكورة مرافق ثقافية متنوعة سيسد بها جلالته الفراغ الثقافي الذي تشكو منه الدارالبيضاء، جزاه الله وخلد في الصالحات أعماله. } سيضم المركز المذكور خزانتي التي تحتوي على مئات الكتب باللغات الثلاث: العربية والفرنسية والإنجليزية. وقد أحصِيتْ هذه الكتب من لدن الساهرين على إعداد هذا المركز الثقافي الديني. وقريبا ستنقل المؤسسة والمكتبة إلى المركز المذكور لتأخذا مكانهما في هذا المركب الثقافي الكبير الذي يوجد قريبا من مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء والذي سيكون معلمة كبرى بين منجزات الملك محمد السادس حفظه الله.