يتطرق البروفسور خالد فتحي، أستاذ أمراض النساء والولادة في مستشفى ابن سينا في الرباط، لمواضيع تهُمّ تطور الطب عبر العصور وآفاقه المثيرة، مبرزا تأثيرها وتداعياتها على نظم الأخلاق والمثل والقيم التي تؤطر إلى الآن حياة الناس والمجتمعات، ويضع تحت المجهر قضايا تظل دائما مثار جدل لا ينتهي بين الأطباء والعلماء، من جهة، وبين رجال الدين والقانون وعلم الاجتماع، من جهة أخرى، كالإجهاض والإنجاب المدعوم طبيا والقتل الرحيم والاستنساخ وغيرها من المواضيع، محاولا أن يجيب عن أكثر الأسئلة الطبية إرباكا وأن يوفق بين الآراء المتناقضة والمتصارعة. لننظر معه، جميعا، إلى الطب، هذه المرة، من زوايا أخرى غير معهودة. شكل استنساخ النعجة «دولي» من طرف الباحث الاسكتلندي ألان إلموت وفريقه العلمي في معهد روزلين في إدنبروغ سنة 1997، بعد بحوث مضنية دامت أزيد من 10 سنوات، حدثا مدويّا كان له وقع الصدمة والذهول على كل الأوساط. فقد كانت الواقعة أبعدَ من أن يتصورها عقل أو تصل إليها الأحلام. فما كان أحد يتوقع أن يُولَد حيوان لبون أو ثديي بطريقة تكاثر لا جنسية، أي بطريقة تكاثر «عذرية»... إنها «سابقة علمية» بامتياز، ليس لغرابتها فقط كتقنية، بل للأسئلة الساخنة والمناقشات الحادة والملتهبة التي ما فتئت تثور بسبب انعكاساتها الاجتماعية والأخلاقية في كل المحافل. وهكذا، تباينت المواقف منها بين المعارضة الشديدة، التي ترى فيها خروجا عن جادة الأخلاق وعبثا علميا ومعرفيا قد يقود العالم إلى ما لا تحمد عقباه، وبين التحفظ الذي يعتبرها ثورة كبرى في عالم الطب والوراثة الهندسية ينبغي فقط «عقلنتها» وتوجيهها لِما فيه مصلحة الإنسان وعلاج أمراضه وأسقامه المستعصية. لذلك لم يكن غريبا أن يدفع كلا الاتجاهين كل الدول التي تبنّتْ قوانين في هذا الإطار إلى التوحد والتوافق على رفض «استنساخ البشر»، على الأقل. وفي الحقيقة، فإن ما جعل العالم يضع يده على قلبه خوفا وفرقا من هذه التقنية هو إمكانية تطبيقها على الإنسان، بعد أن طُبِّقت على النبات والحيوان، فلا شيء يمنع ذلك نظريا. يبقى فقط أن تحل هذه التقنية بعض الإشكاليات العلمية التي تلجم طموحها وتحُدّ من فعاليتها. إن السير في هذا الاتجاه ينذر بسيناريوهات رهيبة لا يمكن التفكير فيها إلا عبر أفلام للرعب ينتجها كبار السينمائيين والمخرجين في المجال السينمائي.. سيناريوهات تهدد مستقبل البشرية بالدمار الشامل وتهدم كل ما تعارَف عليه الناس من مفاهيم راسخة تتعلق بالأسرة والقرابة والتمايز والتعايش بين الأفراد، بل وترسي جبالا من الشك في «إيمانهم» وتمثلاتهم للحياة ودورهم فوق هذه الأرض، حين يستبدّ بهم الانبهار الممزوج بالخوف من التقنية، فينأى بهم عن تقييمها تقييما صحيحا وعن رؤيتها من منظار الفضيلة والأخلاق السليمة التي فطر الله الناس عليها. وقبل أن نأخذكم في رحلة خاصة نحو عالم افتراضي ما يزال يتحسس، لحسن الحظ، طريقه نحو الواقع، عالم يفلت فيه زمام الأمور من أيدينا ف«يستنسخ» فيه البشر كما تستنسخ «الأوراق» والكتب، لا بد لنا، أولا، أن نشرح لكم هذه التقنية واستخداماتها وأهدافها. يعود مصطلح الاستنساخ إلى سنة 1903، حيث استُعمل أول مرة للدلالة على تكاثر النباتات بطريقة لا جنسية. وفي سنة 1932 سيظهر كتاب للخيال العلمي لصاحبه ألدوس هكسلي يصف فيه مجتمعا للبشر المستنسخين. وفي سنة 1935 سيحصل الألماني هانس سيبمان على جائزة نوبل للطب، حيث توقع تقنية الاستنساخ من خلال زرع نواة خلايا في بويضة أنثوية. في سنة 1952 سينجح إحيائيان أمريكيان هما روبير بريكس وتوماس كنج في زرع خلايا أجنة الضفادع في هيولي بويضة ضفدعة تم نزع نواتها، حيث تطورت إلى صغار الضفادع. في سنة 1962 سيحاول الباحث البريطاني جون جيردون أن يستنسخ صغار الضفادع انطلاقا من خلايا عادية للجسم، أي بمعنى أنها ليست خلايا جنسية أو جنينية. لم يكن نجاحه آنذاك باهرا، لكنه لم ييأس وسيعيد الكرة سنة 1970 لإنجاب صغار الضفادع بهذه الطريقة. 10 سنوات بعد ذلك، سيشرع العالم الأمريكي ل. ب شاتل في أول عملية استنساخ على البشر، حيث سيزرع نواة خلية بذرة الحيوان المنوي (الخلايا الأصل للحيامن تضم 46 صبغيا) في داخل بويضة تم نزع نواتها، حيث حصل على جنين بشري تطور إلى مرحلة مجموعة خلايا أو بالأحرى إلى طور المضغة. لم يزد هذا الجنين عن 8 خلايا فقط، لكنها كانت كافية، منذ ذلك التاريخ، للقول بأنه من الممكن جدا تطبيق هذه التقنية على الإنسان. في سنة 1986 سيعلن فريق من الباحثين البريطانيين عن ولادة خروف بهذه التقنية، ولكن من خلال استعمال خلايا جنينية وليس استعمال خلايا عادية بالغة كما هو الحال في تقنية الاستنساخ المتعارف عليها الآن. ثم تطلب الأمر 11 سنة تخللتها بعض التجارب هنا وهناك عبر أرجاء العالم، ليعلن العالم الاسكتلندي ألان إلموت في 1997، أخيرا، عن ولادة النعجة الشهيرة «النجمة» دولي، أول كائن حيواني في العالم يتم إنجابه بطريقة تكاثر لا جنسية باستعمال الموروث الجيني لخلية عادية من الجسم. ثم بعدها بستة أشهر سيبهر هذا الاسكتلندي الأوساط العلمية من جديد بولادة النعجة بولي، المعدلة وراثيا، بهدف إدرار حليب له خاصيات دوائية، ومنذ ذلك الحين تسارعت الأبحاث والإنجازات في مجال الاستنساخ: ففي 20 من يناير سنة 1998 سيتم الإعلان عن ولادة شارلي وجورج كعجلين مستنسخين ومعدلين وراثيا من جامعة ماساشوست. أما في سنة 1990، فسيتمكن باحثون يابانيون من استنساخ 8 عجلات من بقرة واحدة، 4 منهن فقط ستكملن ربيعهن الأول. منذ ذلك التاريخ، ستتقاطر الأبحاث والاكتشافات في مجال الاستنساخ وسط عاصفة من الانتقادات والاحتجاجات المحذرة من انتقال عدوى تطبيق التقنية إلى البشر، ووسط تجند واسع للسلطات الحكومية للدول المعنية لاستباق هذا الكابوس المرعب بتشريعات وقوانين تحرمه بتاتا. وهكذا سجلنا في سنة 2001 إنجاب خنازير مستنسخة معدلة وراثيا، مما غذى آمالا واسعة بإمكانية استغلال هذه الخنازير لتطوير تقنية زرع الأعضاء لدى الإنسان. فالخنزير هو الحيوان الأوفر حظا من بين كل الحيوانات المرشحة لإسداء هذه الخدمة للإنسان، نظرا إلى التقارب الكبير في الثورة الجينية أو الوراثية بينهما. لكن هذا المأرب لازالت تعترضه، إلى الآن، الكثير من العوائق التقنية والعلمية. وستعرف هذه السنة، أيضا، تصنيع أولى النسخ انطلاقا من أجنة بشرية باستعمال تقنية الاستنساخ من طرف شركة دوائية أمريكية. صحيح أن الهدف لم يكن هو ترك هذه الأجنة تتطور إلى أن تصبح مواليد رضع، بل فقط استخلاص خلايا جذعية بإمكانها، كما يعول على ذلك العلماء، علاج أمراض غير قابلة للشفاء. ولم تنصرم سنة 2001 حتى عرفت كذلك إنجاب أول قط من فصيلة نادرة تم بيعه ب 45 ألف دولار، فكان هذا القط أول استعمال تجاري لتقنية الاستنساخ في التاريخ. أما في سنة 2002، فستعلن طائفة الرافاليين الملحدة التي يوجد مقرها بجنيف، والتي تنشط في أكثر من 86 دولة، عن نجاحها في استنساخ أول فتاة في التاريخ أطلقت عليها اسم «حواء»، لكن ذلك ظل محض ادعاء يعوزه الإثبات.