يتطرق البروفسور خالد فتحي، أستاذ أمراض النساء والولادة في مستشفى ابن سينا في الرباط، لمواضيع تهُمّ تطور الطب عبر العصور وآفاقه المثيرة، مبرزا تأثيرها وتداعياتها على نظم الأخلاق والمثل والقيم التي تؤطر إلى الآن حياة الناس والمجتمعات، ويضع تحت المجهر قضايا تظل دائما مثار جدل لا ينتهي بين الأطباء والعلماء، من جهة، وبين رجال الدين والقانون وعلم الاجتماع، من جهة أخرى، كالإجهاض والإنجاب المدعوم طبيا والقتل الرحيم والاستنساخ وغيرها من المواضيع، محاولا أن يجيب عن أكثر الأسئلة الطبية إرباكا وأن يوفق بين الآراء المتناقضة والمتصارعة. لننظر معه، جميعا، إلى الطب، هذه المرة، من زوايا أخرى غير معهودة. -1 الإخصاب خارج الرحم (Fecondation In vitro) منذ ولادة الطفلة لويس براون بطريقة الإخصاب الخارجي سنة 1978 على يد الطبيبين إدوارد وستيبتو في بريطانيا، تم تداول هذه الطريقة بشكل مكثف من طرف وسائل الإعلام. وكان هذا التداول ملتبسا يتضمن بعض المغالطات، حتى لقد خال البعض إن هؤلاء الأجنة والأطفال يَنمُون بالفعل داخل الأنابيب كل مدة الحمل، وهذا غير صحيح بالمرة. إن الإخصاب الخارجي، الذي شكل ثورة في علاج العقم النهائي، لا يعني سوى أن اللقاء بين الحيوان المنوي والبويضة، الذي يتم لدى الأزواج العاديين في الثلث الخارجي لقناة فالوب. يتم في هذه المرة في المختبر. تم ذلك لأول مرة بالضبط في يوم الأربعاء، 26 يوليوز 1978 في مستشفى «أولدهام» في إحدى ضواحي مانشستر في شمال إنجلترا. لقد تمت ولادة لويس براون من خلال عملية قيصرية أنجزها طبيب أمراض النساء، باتريك ستيبتو. لكن الفضل في إنجاب طفلة الأنابيب تلك يعود إلى لأعمال القيّمة لعالم الفيزيولوجيا، روبير إيدوارد. فقبل تسعة أشهر من ميلاد لويس، أي في 10 نونبر 1977، تم شفط بويضة من المبيض الأيسر للسيدة براون. يومين بعد ذلك، تم زرع جنين مكون من 8 خلايا في رحم الأم. كان لهذه الولادة وقع الصدمة على العالم كله. فقد برهن العلم، لأول مرة، عن قدرته على إنجاب طفل انطلاقا من المختبر. لقد شكل ذلك خبرا سعيدا وأملا لا يضاهيه أمل آنذاك لكل النساء العاقرات بسبب انسداد في قنوات فالوب. لكنه خلق قلقا كبيرا في أوساط العلماء بسبب هذه السلط الجديدة، والتي باغتتهم، وقد استحوذوا عليها بغتة وكذا هجوما لاذعا من جزء من الكنيسة، رغم رسالة التهنئة، التي وجهها البابا آنذاك للعائلة براون. ومع ذلك، سرعان ما التحق بلويس براون مواليد جدد توالوا بنفس الطريقة في شتى أنحاء العالم، ففي سنة 1979، تمكَّنَ الطبيبان آلان ترنسون وألكسندر لوباتا في مدينة ملبرون من ولادة الطفلة الثانية ريد كانديس. أما فرنسا فقد انتظرت إلى 1982 للحاق بهذه الكوكبة على يد الطبيب لوغ روني فاريدمان والطبيب البيولوجي جاك تستار. تبدأ العملية من خلال إثارة المبيضين لدى المرأة لتمكين عدة بويضات من النمو، نقوم بمراقبتها عبر الفحص بالصدى وتحليل الهرمونات الأنثوية في الدم. وعندما تكتمل هذه البويضات، نقوم بشطفها، مما يسمح بحصولنا على عدة بويضات عوض واحدة، كما هو الحال في الحالة الطبيعية. بعد ذلك، نقوم بجمعها مع حيوانات منوية محضرة، حيث نلاحظ بالمجهر، بعد 48 ساعة، حدوث إخصاب وتكوُّن أجنة يبلغ عدد خلاياها 2 إلى 4. بعد ذلك، ننقل الأجِنّة المحصلة إلى الرحم، حيث تستقر في قعر الرحم، لتتطور، كأي حمل عادي. تسمح هذه التقنية بتجاوز المرور الإجباري للحيوانات المنوية عبر قناة فالوب، في حالة انسدادها، وتُمكّن من تقريب الحيوانات المنوية من البويضات (عقم ذكوري). وبالنسبة إلى نقل الأجنة داخل الرحم فيحرص كل الأطباء على إجرائها بحضور الزوج، حيث توضع الأجنة على مسبار ثم تضخ بتركيز شديد داخل تجويف الرحم في اليوم ال16 من الدورة الشهرية. يتميز هذا النقل للأجنة بكونه غير مؤلم ويتم بسرعة بالغة، حيث يمكن للمرأة أن تغادر المستشفى ساعتين بعد هذه العملية، التي لا تتطلب أي تخدير. ويعمد أغلب أطباء النساء والتوليد إلى زرع جنين إلى 4 أجنة داخل الرحم، مما يقوي فرص الحمل. لكن هذه الفرص قد تؤدي إلى حمل بتوأم أو ب3 توائم، مما يجعل الفرحة أحيانا فرحتين، لذلك فإن عدد الأجنة المنقولة يدرس حالة بحالة وفق معطيات الملف الطبي (نوع العقم، عمر المرأة سلامة وجودة الأجنة)... لضمان نسبة مريحة للنجاح في التوصل إلى حمل، مع تفادي الحمل بالتوأم قدر الإمكان. وبعد النقل، يمكن المرأةَ أن تزاول أنشطتها المنزلية والرياضية وحتى الجنسية بصورة عادية، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، فإذا لم يتخلف دم الحيض عن موعده المرتقَب، كان ذلك دليلا على الإخفاق. لكنه إذا تعطل، كان ذلك إشارة قوية لحدوث حمل، ينبغي التأكد منه، بعد ذلك، من خلال فحص بالصدى (Echographie) أو حساب هرمون الحمل (BHCG) في الدم. إن النتائج التي تتمخض عنها هذه التقنية مرضية جدا، حيث تراوح نسبة الحمل 30%، كما أن الحمل يكون حملا طبيعيا يتطلب مراقبة شبيهة بالحالات العادية ويمكن للولادة أن تجري بصورة طبيعية، لكنْ أحيانا كثيرة، يفضل الأطباء عدم المغامرة بطفل عانى الآباء الأمرَّيْن لإنجابه فيعمدون إلى إجراء عملية قيصرية. كما يفضلون هذا الحل في حالة الحمل بتوأم. بالنسبة إلى النساء اللائي يتوفرن على قناتي فالوب سليمتين أو على الأقل على قناة واحدة سليمة، يرى الأطباء ضرورة نقل الخلايا الجنسية أو الأمشاج أو الأجنة داخل قناة فالوب، لأن ذلك يرفع من نسبة النجاح من خلال إعادة رسم نفس المسار الذي تقطعه عادة البويضة المخصبة في الحمل التلقائي، وهناك الآن ثلاث تقنيات مستعملة، فكأننا نعيد تمثيل حكاية الحمل. «الغيفت» نقوم بتحضير السائل المنوي وتحضير 2 إلى 4 بويضات بعد شفطها من خلال إثارة المبيضين بالأدوية المنبهة، وهكذا نضع في المسبار هذه البويضات ومليون حيوان منوي، وهو نفس العدد الذي يوجد عادة في قناة فالوب بعد العلمية الجنسية عند الإخصاب، ثم «نقذف» بالجميع في القناة. ونلجأ إلى هذا الحل عند فشل التخصيب الخارجي العادي الذي نقذف فيه بالأجنة داخل تجويف الرحم وفي حالة وجود تشوهات في الحيوانات المنوية وفي حالات العقم الغامض الذي لم تعرف له أسباب جلية وواضحة. ب -«الزيفت» في هذه الطريقة، نقوم بنقل البويضة المخصبة في المختبر (خلية واحدة = 24 ساعة بعد لقاء الحيوان المنوي بالبويضة) إلى داخل قناة فالوب بواسطة منظار مُعَدّ لهذا الغرض، وتفيد التقنية بالخصوص في بعض حالات العقم الغامضة. ج- التيت في هذه الحالة، ننقل الأجنّة بعد 48 ساعة من الإخصاب في المختبر، أي عندما ينشطر الجنين إلى 4 خلايا داخل قناة فالوب. الحقن المجهري للحيوان المنوي في البويضة (ICSI) يعد العالم البلجيكي جيانيرو باليرمو رائد هذه التقنية بامتياز، بعدما توصل إليها عن طريق الخطأ. فكان أن أحدثت ثورة لا نظير لها في تقنيات الإنجاب المدعوم طبيا. تم في ذلك سنة 1972، حيث أصبح بإمكان حيوان منوي واحد أن يكفي لإنجاز كل المهمة. كان الإنجاز مذهلا بالفعل. ففي 1994، أحصى فريق هذا العالِم 130 طفلا أنجبوه بهذه التقنية. وتستعمل هذه التقنية لأجل التغلب على بعض الاختلالات لدى الحيوان المنوي التي تعوقه عن تخصيب البويضة. فلكي يتمكن هذا الحيوان المنوي من النجاح في مهمته تلك، عليه أن يلتصق بغشاء سميك محيط بالبويضة ثم يخترقه بفضل أنزيمات مخزونة في رأسه. ولكي يصبح التخصيب ممكنا، يتعين أن تكون الحيوانات المنوية بأعداد كافية وقادرة على الحركة في خط مستقيم وذات شكل طبيعي. لكنْ في بعض حالات العقم الذكوري، لا تتوفر هذه الشروط، فلا تستطيع هذه الحيوانات المنوية آنذاك إذا تركت دون مساعدة من تخصيب البويضة وفي هذه الحالة، يمكن أن نقفز على الغشاء المحيط بالبويضة ونقوم بحقن الحيوان المنوي مباشرة داخل «سيتوبلازم» البويضة من خلال مسبار دقيق. من أجل هذا، يتم تحضير عدة بويضات ثم نقوم بالعملية مستعينين بمجهر تكبير (400 مرة) فنقوم بقطع ذيل الحيوان المنوي لتنشيطه ونضُخُّه داخل البويضة.