بالتزامن مع حالة التذمر، التي يبديها العديد من المغاربة في منتدياتهم وعالمهم الافتراضي، الأكثر صدقية وحرية، (فايسبوك، تويتر) من مستوى الإنتاجات الرمضانية واتهامها بتشويه أذواقهم وتبذير أموالهم والإساءة إلى فنهم، كشفت مصادر مطلعة أن نقاشات مستفيضة شهدها مقر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، الأربعاء الماضي، ضمت كلا من المدير العام، محمد عياد، والمدير المالي والإداري المركزي، محمد الحضوري، والمدير المالي، طارق باعلي، وهمت مناقشة مشروع العقد البرنامج المنتظر تقديمه إلى وزارة المالية في غضون الأيام المقبلة. حدثان متزامنان يجعلان مسؤولية الحكومة في ما يقدم على قنواتنا في صلب النقاش، لعدة اعتبارات، أولها أن وظيفة الرقي بمستوى المنتوج الفني والثقافي منوطة بالسلطة التنيفذية، على الأقل في مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي يعيشه المغرب في انتظار تكريس المجتمع الإعلامي المستقل القادر على الدفاع عن قيمه وقيم مجتمعه، ومعنى ذلك أن أي تهاون في المسألة الثقافية لا يمكن تفسيره إلا بكونه «تواطؤا» غير مقبول على المشاهد (المواطن)، في الوقت الذي تبني فيه مجتمعات عربية، تتنفس ريح الديمقراطية الفتية، لقيم فنية راقية لا مجال فيها للعبث المستعصي للمنتجين وللفقر المعرفي الحاد لبعض «الممثلين» الذين يخاطرون بما لهم من رصيد فني، من خلال المشاركة في أعمال لا تتوفر فيها أبسط شروط الإبداع. وثاني الاعتبارات هو أن الحراك السياسي والإعلامي الذي يعيشه المغرب لا يمكن أن يشكل الإعلام الاستثناء الوحيد، ذلك أن القنوات العمومية (في انتظار حلم خوصصة الفعل البصري) كانت مدعوة، بإلحاح، إلى الدفاع عن قيم التغيير المجتمعي والفني والسياسي، إلا أنها أخطأت اللحظة التاريخية عبر الاستمرار في استبلاد المشاهد وإعادة إنتاج قيم الماضي، التي لا تضع المتلقي في صلب المعادلة كفاعل جوهري بدل جعله متلقيا سلبيا ومهمشا أو محقرا، كما يحدث في برامج وأعمال درامية الآن. ثالث الاعتبارات هو أن الحكومة، من خلال قرار تجديد التوقيع مع الشركة الوطنية للإذاعة والتفلزة على عقد برنامج جديد، ملزمة بمناقشة حصيلة العقد الماضي، لاسيما ما يتعلق بالإنتاج ومدى انسجامه مع خصوصية الخدمة المفترضة لقنوات عمومية. إذ يفترض أن يتأسس التقييم- بشكل دقيق- على مبدأ التثقيف وتكريس قيم المواطنة واحترام المشاهد ودعم المنتوج الفني والمساهمة في النهضة الثقافية والحضارية المغربية وفق ما ينص على ذلك دفتر التحملات. والحال أن المناقشة - حسب ما تكشف عنه الكواليس داخل قبة البرلمان- لا تتجاوز المسائل التقنية (المادية بشكل أدق)، مما يفرز ملاحظات مقلقة، أولها أن الجانب المتعلق بالجودة الفنية أو الإبداعية غير مطروح، ولا يتم تداوله إلا من خلال تصريحات موسمية لوزير الاتصال، بعد انقضاء رمضان، تستند إلى أرقام «ماروك ميتري»، أو بناء على مقاربة كمية «سطحية»، أحيانا، تقوم بجرد جاف لعدد الساعات التي بثت، ونتيجة لذلك يغيب صوت المشاهد في إسماع صوته للسلطة التشريعية. ثاني الملاحظات، تتجلى في أن ممثلي الوزارات في المجلس الإداري غير قادرين على تقييم ما يقدم على القنوات ويقتصر دورهم على مناقشة الجوانب المادية دون أن يتطور الأمر إلى نقاش عميق يحدد الجوانب الإستراتيجة في التعاطي مع المستجدات والتحولات السياسية والمجتمعية والإعلامية التي يشهدها المغرب. إن الإساءة إلى المشاهد (المواطن) المغربي مسؤولية مشتركة، تتوزع بين الفنان، الذي يبخس قيمته وتاريخه ويساهم في استغفال المشاهد، وبين المسؤول، الذي يجب أن ينخرط في دينامية التحول، وبين الحكومة، التي يفترض أن تعكس حقيقة استيعابها أن المغرب يتغير، ولو ببطء، نحو غد أفضل نتحدث فيه عن تلفزيون يريده المغاربة لا تلفزيون أريد له أن يكون للمغاربة.