في المدينة القديمة للدار البيضاء منح جيل من المقاومين والفنانين والرياضيين والمثقفين التوهج والتألق والتاريخ للمغرب، بين أحياء كوبا والطليان والإسبان والبرتغال... ظهر نجوم أوصلوا شهرته إلى كل البقاع، في هذه الأحياء الفقيرة، تقوت ملامح فن أصيل اسمه «العيطة»، وبين شوارعه انطلق التألق الرياضي والمسرحي والتراثي.. في هذه الأحياء الشعبية، ظهر نجوم كبار في تاريخ المغرب، فيها عاش الأب جيكو، عبد الله المصباحي، بوشعيب البيضاوي، ابراهيم العلمي، العربي بن مبارك، أمي الهرنونية، البشير لعلج، وباعزيزي، المعطي البيضاوي وآخرون.. من يسمع اسم أحمد البيضاوي، يتذكر أغاني «صاحب الصولة والصولجان» و«البردة» و«يا بسمة الأمل»، و«كم بعثنا مع النسيم سلاما»، و«أفديه إن حفظ الهوى»، هي روائع من الزمن الطربي المغربي الأصيل بلمسة أحمد البيضاوي، الفنان الكبير الذي خرج من رحم الأحياء الشعبية للمدينة القديمة. بين أحياء المدينة القديمة، ولد أحمد البيضاوي (اسمه الحقيقي أحمد شهبون)، عام 1918، تحدر من أسرة متوسطة الحال، إذ كان والده مسؤولا بالمدرسة البحرية، كان يقوم فيها بصنع الشباك ويعلم الطلبة هناك، يتحدر الأب من سوس، قبل أن يحل بالدار البيضاء قادما إليها من مدينة أكادير، حسب ما أشارت إلى ذلك مصادر صحفية. وعرف أحمد البيضاوي بهدوئه، وجمعته صداقات عديدة مع العديد من أبناء أحياء المدينة القديمة، حيث لم يكن مسكن البيضاوي يبعد عن جامع «الشلوح» الشهير بالمدينة، الذي كان وما يزال معروفا بمحلات بيع وكراء الآلات الموسيقية. ويحكي مقربوه «أنه كان يجد متعة خاصة في الاستماع إلى الأناشيد والأغاني الدينية والتراثية، التي كانت تلتقطها أذناه في حلقات الذكر والسماع، ومجامع الزوايا والمدائح النبوية التي كان يحضرها مع والده بالمدينة القديمة» حسب ما نشر في يومية مغربية.. تعلم الطفل المولع بالإيقاعات العزف على العود إلى أن أصبح من أمهر العازفين، وأدى أول أغانيه في الأربعينيات من القرن الماضي على العود فقط، سنة 1946، مما جعل الراحل محمد الخامس، يكلفه رفقة عباس الخياطي، والغالي الخياطي، والحاج عبد القادر صالح، رحمهم الله، بتأسيس جوق موسيقي وغنائي مغربي. من المدينة القديمة، انطلقت موهبة البيضاوي الفنية نحو الشهرة الكبيرة. خلال مسار حياته الفنية، لحن الموسيقار أحمد البيضاوي، وغنى عشرات الأغاني الشهيرة، مثل «حبيبي تعالى»، التي كتب كلماتها الشاعر محمد الفاسي، و«لما أنت عارف»، و«يا بائع اللؤلؤ»، و«البردة»، و«منك يا هاجر دائي»، التي أهداها البيضاوي للصوت المغربي سمية قيصر. طوال مساره الفني، ختم الفنان الراحل الكبير أحمد البيضاوي على حضور فني متميز، من خلال رسمه لخط خاص في التلحين والغناء، خلق جدلا كبيرا في الساحة الفنية الوطنية بين مؤيد ومعارض، إلا أنه «يبقى برأي المهتمين بالمجال الفني المغربي من الأسماء البارزة في التاريخ الفني للمغرب، ويعكس ذلك التراث الغني الذي تركه على رأس الجوق الوطني في الأربعينيات، ويزكيه تفاعل الجمهور المغربي، الذي يحفظ أغانيه الخالدة عن ظهر قلب، مثل أغنية «يا صاحب الصولة والصولجان»، وأغنية «هجران»، التي أدتها بهيجة إدريس سنة 1959، و«أضحى الثناء» للشاعر الأندلسي الكبير ابن زيدون، و«هذا حبيبي»، وقصيدتي، «شفتاك»، و«يا شادي الباب»، اللتين يجتهد ابنه فوزي البيضاوي قصد تقديمهما للجمهور المغربي لأول مرة، إذ سجلهما الراحل لإذاعة لندن فقط، حسب ما أوردت يومية مغربية». وحسب العديد من النقاد والتقارير الصحفية، «فقيمة الرجل تقوم على اشتغاله مع العديد من رموز الأغنية العربية والمغربية، من بينهم عزيزة جلال والمطربتان الراحلتان هدى سلطان، وعليا التونسية، إلى جانب تقديمه مجموعة من الأغاني لكل من الفنان المصري ماهر العطار، وعبد الهادي بلخياط، وعبد الوهاب الدكالي، وغيرهم من الفنانين الكبار، كما كان وراء تشجيع الكثير من المطربين في إطار مسؤولياته داخل الإذاعة، وكان وراء ظهور العديد من العازفين والملحنين والمطربين، واتجه أسلوبه بشكل واضح نحو القصيدة العربية الفصحى، وإلى جانب أنه من كبار الملحنين المغاربة والعرب، فإنه أيضا، صوت غنائي متميز، فقد تجلى ذلك في غنائه قصيدة «نهج البردة»، و«حبيبي تعالى»، و«كل من صد وخان». واشتغل الفنان الراحل أحمد البيضاوي في المجال السينمائي، من خلال مشاركته في فيلم «الصب العليل» عام 1948، بأدائه ثلاث قصائد لأمير الشعراء أحمد شوقي، من بينها «قلبي بوادي الحمى»، التي سبق للموسيقار محمد عبد الوهاب أن غناها عام 1928، كما شارك في فيلم «دموع اليتيم» مع الراحل البشير لعلج، وفيه غنى قصيدة «يا حبيبي أفق» عام 1960، بالإضافة إلى أعمال أخرى ضاعت عند انتقال الإذاعة المغربية من «تواركة» إلى «دار البريهي». وكان فريد الأطرش يبعث بأغانيه الجديدة إلى البيضاوي باسمه الخاص، كما كان معجبا بعزف البيضاوي على العود، معتبرا إياه من عمالقة العزف في العالم العربي.حسب ما أكدت تقارير صحفية.