في المدينة القديمة للدار البيضاء منح جيل من المقاومين والفنانين والرياضيين والمثقفين التوهج والتألق والتاريخ للمغرب، بين أحياء كوبا والطليان والإسبان والبرتغال... ظهر نجوم أوصلوا شهرته إلى كل البقاع، في هذه الأحياء الفقيرة، تقوت ملامح فن أصيل اسمه «العيطة»، وبين شوارعه انطلق التألق الرياضي والمسرحي والتراثي.. في هذه الأحياء الشعبية، ظهر نجوم كبار في تاريخ المغرب، فيها عاش الأب جيكو، عبد الله المصباحي، بوشعيب البيضاوي، ابراهيم العلمي، العربي بن مبارك، أمي الهرنونية، البشير لعلج، وباعزيزي، المعطي البيضاوي وآخرون.. هو الممثل أوجود بوجمعة الملقب ب«باعزيزي»، هو من الأسماء السمراء القليلة التي تألقت على شاشة التلفزيون والسينما المغربيين. في أحد أحياء المدينة القديمة، ولد باعزيزي، هناك تعرف على العديد من الأسماء الفنية التي شكلت بعضا من التاريخ الفني المغربي. ويحكي باعزيزي عن البداية قائلا: «في «درب بنحمان» ولدت وترعرعت، في هذا الحي ولد الوالد على الرغم من أنني أنحدر من منطقة «حاحا»، عشت عاشقا للفن، إذ في سن 14 دخلت المجال الفني مع بوشعيب رصاد رئيس الفرقة التمثيلية في سنة 1952، وأتذكر أنني مثلت في درب عرصة السطيحات، قرب «فران بنانا» إلى جانب المقبرة الإسرائيلية، وأتذكر أن رصاد شاهدني في يوم من الأيام، ولمس في مواصفات ممثل لدور العبد، بحكم سواد لوني والقرط الذي كنت أضعه في أذني، اختارني للمشاركة معه في عمل مسرحي في دور «الخادم». رفقة هذا الممثل بدأت أتعرف على أسرار الفن، كما تعرف علي الممثل البشير لعلج». ويضيف الممثل باعزيزي قائلا في بوحه ل«المساء»: «أتذكر أن مشاركتي مع فرقة البشير لعلج جاءت بمحض الصدفة، إذ تغيب المفضل الحريزي (مي الهرنونية) عن عرض مع الفرقة، وسألني البشير عن ضبطي لحوار شخصية «مي الخير» فأكدت له الأمر، فمنحني الدور، ولحسن الحظ أنني وفقت فيه، وأتذكر أن البشير سألني عن قيمة الأجر الذي أتوصل به من بوشعيب رصاد، فقلت إنني كنت أتسلم مرة ومرة أخرى لا، فاقترح علي أجر 600 ريال مقابل المشاركة في عمل مسرحي وأجر 300 ريال مقابل المشاركة في عمل للإذاعة، من هنا بدأ المسار مع فرقة البشير لعلج التي كانت تضم كلا من البشير وبوشعيب البيضاوي، الحبيب القدميري، المفضل الحريزي، عبد السلام المكناسي، أحمد الجمالي، ادريس عباس، أحمد بريك، عمر عزيز... ونبش الفنان باعزيزي في رحيل البشير لعلج قائلا: «في اليوم الذي سيموت فيه العلج، وقع خلاف مع ممثل (التاجر محمد) بعدما كان يضحك في دور غير مخول له أن يضحك فيه، فغضب البشير وقال له اليوم هاد الضحك غادي يتقادا، وفي الليل أعلمني سائقه أنه توفي، وحينما انتقلنا إلى منزله، وجدناه جالسا على كرسيه أمام التلفزة....» وخصص الممثل باعزيزي حيزا لرحيل الفنان بوشعيب البيضاوي: «يجب التأكيد على أنه بعد وفاة الممثل البشير لعلج، تسلم بوشعيب البيضاوي مهمة تسيير الفرقة التي أصبحت تحمل اسمه، وأتذكر أنه اكتشف إصابته بالسرطان بعد انتهائه من جولة فنية شملت الجزائروتونس، وفي يوم من الأيام أحس بألم في ظهره، فظن البعض أنه أصيب ببرد في الظهر، وبعد مدة اكتشف أنه مصاب بالسرطان، ولما جئنا من تونس أعطى الملك الراحل الحسن الثاني أوامره لعلاج البيضاوي تحت إشراف الدكتور بوقبير، ووضعوه في فضاء زجاجي، إلا أن المرض الخبيث لم يمهله كثيرا، إذ توفي بوشعيب بعد تدهور حالته بشكل كبير....» وحول وفاة المارشال قيبو، قال باعزيزي: «قبل ذلك، وجب التذكير أنه بعد وفاة البيضاوي، تبعه عبد الرحمن الصويري الذي كان مشهورا بدور المغربي اليهودي، ورغم أن قليلين يذكرون أسمه، فإنه كان مشهورا للغاية، وكان يثير استغراب اليهود حينما يتابعون العرض، وأتذكر أنه حينما توفي المارشال قيبو كنت أؤدي مناسك الحج، وقد أعلمني مومو (الكراب) الذي كان ينافس المارشال قيبو، ولم أصدقه في البداية، قبل أن أتأكد من الأمر». وحول مسار الفرقة التي شارك فيها، أكد باعزيزي أن مسؤولية الفرقة تتحول إلى العضو الذي يليه مباشرة بعد وفاة الذي كان يرأسها، إذ حملت المجموعة اسم البشير لعلج، وبوشعيب البيضاوي، الحبيب القدميري، وبعد وفاة الأخير في سنة 1982 تفرقت المجموعة وشق كل واحد مساره الفني، على الرغم من أننا كنا نقوم بين الفينة والأخرى بعروض فنية، لاسيما مع المفضل الحريزي». وحول مساره الفني، أضاف باعزيزي: «إلى جانب مشاركتي في بعض الأعمال المسرحية، اتجهت إلى السينما، وشاركت في العديد من الأعمال الوطنية والدولية، من بينها فيلم «أطفال الشمس» مع الطيب الصديقي وحسن الصقلي، وفيلم «شمس الربيع»، وبعد ذلك شاركت مع محمد عصفور في فيلم «الكنز المرصود»، وشاركت في انتجلترا في فيلم «عودة الفهد الوردي»، وفيلم «معركة الملوك الثلاثة»...هذا فضلا عن المشاركة في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية الشهيرة. ولباعزيزي ذكريات مع الملك الراحل محمد الخامس قال عنها: «لقد كتب لي أن أتزوج على يد الملك الراحل محمد الخامس، ففي سنة 1958 أنعم على أربعين زوجا بنفقة العرس، وكنت منهم، ونتج عن زواجي 7 أبناء، وتزوجت مرة ثانية في بداية الثمانينيات أثمر ثلاثة أبناء آخرين...»