سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يوم بحث يوسف وهبي عن الممثل المغربي لعلج بالمدينة القديمة ولقبه بأمير المسرح العربي انتمى البشير إلى خلية الهلال الأسود ووصفه محمد الخامس ب«الأسد الصامت»
في المدينة القديمة للدار البيضاء منح جيل من المقاومين والفنانين والرياضيين والمثقفين التوهج والتألق والتاريخ للمغرب، بين أحياء كوبا والطليان والإسبان والبرتغال... ظهر نجوم أوصلوا شهرته إلى كل البقاع، في هذه الأحياء الفقيرة، تقوت ملامح فن أصيل اسمه «العيطة»، وبين شوارعه انطلق التألق الرياضي والمسرحي والتراثي.. في هذه الأحياء الشعبية، ظهر نجوم كبار في تاريخ المغرب، فيها عاش الأب جيكو، عبد الله المصباحي، بوشعيب البيضاوي، ابراهيم العلمي، العربي بن مبارك، أمي الهرنونية، البشير لعلج، وباعزيزي، المعطي البيضاوي وآخرون.. هو من طينة الكبار الذين سيذكرهم التاريخ طويلا، يختار البعض أن يصف الفنان البشير لعلج بمؤسس المسرح المغربي، ولقبه يوسف وهبي، قبل ذلك، بأمير المسرح العربي، وأطلق عليه الملك الراحل محمد الخامس اسم الأسد الصامت، ونعته المناضل الكبير محمد الزرقطوني بأستاذ الفن الثامن. عايش بوشعيب البيضاوي وألهم الطيب لعلج وهو أستاذ الطيب الصديقي، ووجه الحمداوية نحو القصر الملكي. بين كل هذه المعطيات، تتشكل صورة البشير لعلج، المعلمة القائمة الذات. البشير خلق بين الفن والسياسة خيطا رفيعا اسمه الوطنية وعشق هذه الأرض المغربية التي احتضنت انكساراته ومغامراته وأحلامه التي رافقت التحولات التي ميزت تاريخ المغرب في فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. ينحدر الممثل الكبير البشير العلج، الذي رأى النور في سنة 1921 من عائلة بيضاوية ميسورة الحال، انطلقت مسيرته النضالية وهو لم يبلغ بعد الخامسة عشرة من عمره، وشارك في مظاهرة 1937 التي سميت بانتفاضة «جامع السوق» وأفضى به الأمر إلى السجن، هناك رفقة الحاج محمد بنجلون التويمي، وذاق كل صنوف التعذيب والقمع الجسدي والنفسي. وسيظهر عمق اختياره للنضال خطا للحياة في العمل الإبداعي من خلال اتخاذه خطوة جريئة رفقة العديد من المناضلين والفنانين بتأسيس أول فرقة «قومية» أطلق عليها اسم «تيلما» حسب ما نقل على لسان ابن الراحل، وكانت تضم بين أعضائها رموز النضال والوطنية، من بينهم عبد الله ابراهيم وعبد الرحيم بوعبيد. اشتغال البشير لعلج بالمسرح واقتران ذلك مع رؤية وطنية تحررية، منحه إمكانية رسم صورته كفاعل في المجال السياسي الوطني، وقدم مؤشرا على بداية ميلاد مسرح مغربي فتي، مما جعل الممثل المسرحي المصري الكبير يوسف وهبي في أثناء زيارته التاريخية سنة 1947 يطلب مقابلته اعترافا بقيمة الراحل الإبداعية وبقيمة ما يقدمه من إنتاجات مسرحية. ليطلق عليه بعدما بحث عنه ووجده في أحد أحياء المدينة القديمة للدار البيضاء لقب «أمير المسرح العربي». توالت السنوات وتقوى معها طموح البشير لعلج، وزاد التحدي بانخراطه في حزب الاستقلال سنة 1948، والانتماء إلى الخلية السرية (الهلال الأسود) التي جمعت في عضويتها كلا من محمد الزرقطوني والإخوان الحداوي ومحمد صدقي والمعروفي وبوشعيب بازو، حسب ما يحكي مقربوه. اعتقال البشير لعلج ثم انتماؤه إلى خلية سرية، توج بإطلاق الملك الراحل محمد الخامس عليه لقب «الأسد الصامت» تعبيرا عن شجاعته واشتغاله في الخفاء، من خلال تمويله العمليات الفدائية وتبعاتها من أمواله الخاصة، بدءا باقتناء الأسلحة ووصولا إلى توفير كل أشكال الإسعاف. ويذكر ابن الراحل محمد نبيل أن الملك الراحل كان قد شاهد مسرحية «الصب العليل» واهتز لها. حسب ما أوردت تقارير صحفية. في سنة 1956 وبعد جلاء الاحتلال الفرنسي وطي ملف النضال السياسي والوطني، سيؤسس الممثل الكبير البشير لعلج فرقة مسرحية جديدة تحت اسم «الكواكب» وتكفل بكل مصاريفها، وتلا هذه الخطوة الإشراف على فرقة هزلية بعد تلقي تعليمات من الملك الراحل الحسن الثاني، الذي انتقل شخصيا، حسبما يحكي ابن الراحل في تصريحات سابقة، إلى المدينة القديمة للوقوف على هذا الأمر، فكان ميلاد الفرقة التي ضمت آنذاك القدميري ومحمد مارتيس وعمر عزيز وبوشعيب البيضاوي وبوجمعة والصويري والمفضل الحريزي (مي الهرنونية). ويضيف ابن الراحل أنه من فرط حب الحسن الثاني للبشير، عمل الملك على تسمية ابنه الوحيد. هو مسار فني نضالي كبير ترك للخزانة الفنية المغربية أكثر من 360 مسرحية، من بينها «بين الأمس واليوم» و«الباب السابع» والعديد من الأفلام «علي بابا والأربعون لصا»، و«طيب رغم أنفه» رفقة هدى سلطان وكمال الشناوي، و(النسخة الأولى لفيلم طارزان..) كما كتب كلمات أكثر من خمسين أغنية من بينها «ياكاوي قلب» التي لحنها أحمد جبران و«يا طيف حبيبي» التي لحنها المعطي البيضاوي، بالإضافة إلى العديد من الإنتاجات الإذاعية والتلفزيونية كان أبرزها البرنامج الشهير آنذاك «رفه عن نفسك». يحكي مقربوه أنه عاش مهووسا بالفن ومات في الثالث والعشرين من شهر يونيو من سنة 1962 وهو واقف على خشبة مسرح فيردان بالدار البيضاء إثر سكتة قلبية كانت ناتجة عن تأثره برصاصة من الرصاصات الأربع التي تلقاها من المستعمر، تاركا للذكرى رجلا بملامح مقومات خاصة استحقت التكريم والاعتراف الذي لم يتم إلى حد الساعة.