كم عدد الحمير اليوم في المغرب؟ وحده، «وشوف وشوف»، وزير الفلاحة قادر على الجواب عن هذا السؤال. آخر الإحصائيات التي بحوزتي، والتي كانت قد عددت مليون رأس من الحمير، تعود إلى عام 2007. اليوم، بالكاد يتزايد قليلا هذا العدد، خصوصا وأن المجموعة الأوربية فرضت منذ تلك السنة، لأسباب صحية ووقائية، حظرا على تصدير الحمير نحو شمال المتوسط، وبخاصة في اتجاه فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا، بعدما لاحظ الأوربيون أن الحمير تتسبب، من كثرة الترحال، في نقل الجربة والحكة والضيقة والطفيليات وغيرها من الأمراض المعدية. مما حدا بالسلطات إلى إخضاع الحمير لمراقبة صارمة ولإجراءات طبية وقانونية تعجيزية، أصعب بكثير من تلك التي يتطلبها الحصول على فيزا. ضمن الترسانة التي فرضت على تصدير الحمير، هناك التحليلات الطبية التي تتطلب إثبات غياب أمراض معدية، إخضاع الحمار للقاحات الضرورية، التعريف بنسبه، سنه، فصيلته، اسمه، وأسماء «والديه»... إلخ. من حسن الحظ أن السلطات الأوربية لم تفرض تذكرة سفر من درجة بيزنس! وبما أن المغرب لم يعد مصدرا للحمير، فإنها تكاثرت «على الجهد» في الداخل! في أوربا، لرؤية حمار عليك أن تزور، مقابل ثمن محترم، حديقة الحيوانات أو عليك أن تتردد على أندية ومراكز للترفيه أو تزور الأحراش أو الجبال لمعاينة حمير تحظى بعناية إنسانية.. حمير بأسماء محببة. عندنا، الحمير مثل الكلاب، «صوبة»، إنها -بمعنى ما- امتداد لعباد الله.. قد تصادفها في شارع آنفا بالدار البيضاء، في السمارين بمراكش أو في المدينة القديمة بفاس، كما قد تعثر على مشاهد هزلية يجر فيها الرجل «كروسة» بعد أن وضع على سطحها حمارا مكسر الأرجل. و«اللي تهرس ها لكرارس» كما ينشد ناس الغيوان! وللأسف، اختفى من جامع الفناء الحمار «حي وميت» الذي كان يأمره صاحبه بقطع أنفاسه ف«يموت في الخط»، أو كان يضع في فمه سيجارة من فصيلة فافوريت فيدخنها الحمار بانتشاء. مؤخرا، ومن دون أن يأخذ أحد رأيها، وجدت الحمير نفسها «فاعلة» في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده البلاد، إذ تم تجنيدها كرموز لتقديح الخصوم، ترديد مطالب سياسية أو اجتماعية، أو للفرجة الساخرة. الحاصول أنه مع الاستفتاء الأخير وخلال الانتخابات القادمة، الحمير غير معطلة! هكذا جر مواطن في إحدى التظاهرات حمارا نكاية في حركة 20 فبراير. أما في دوار «أجرير» بنواحي سيدي حرازم، الغنية بمياهها المعدنية، فقد استعان السكان بحمير محملة بقنينات مياه فارغة وربطوها أمام مقر الجماعة يوم انعقاد الدورة العادية للمجلس البلدي، احتجاجا على العطش الذي تعاني منه البلدة. يقول المثل: «كزار ومعشي باللفت». في حالة أجرير، قد يصدق المثل: «كراب وعطشان». وقد أورد مراسل «المساء» تفاصيل عن التذمر العام لبلدة غنية بثرواتها المعدنية، لكنها عرضة للعطش والبغاء. أما الحمير فبقيت محملة بقوارير بلاستيكية باسم الماركة المعدنية المشهورة، بقيت تتفرج على «الطبالة والغياطة» الذين جندهم رئيس المجلس البلدي للتطبيل ل«منجزاته». دائما في نفس الجهة، اختتمت يوم 18 يوليوز الماضي فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان بني عمار بكرنفال للحمير، شمل مسابقات لاختيار أجمل حمار. وقد أشار موقع «كود» إلى أن الحمار «بيوض من أسيوط» حصل على الجائزة الأولى بمبلغ مالي قدره 2500 درهم وكيس من الشعير ودرع المهرجان. أما المرتبة الثانية فكانت من نصيب «الدحيش» «ميسي»! برافو للفائزين ول«جمعية مهرجانات بني عمار للسينما والثقافة»، منظمة هذا المهرجان، على هذه البادرة التي ردت الاعتبار إلى أصدقائنا الحمير! لو كنت وزيرا للثقافة لرعيت هذه التظاهرة بسخاء ولأغدقت على منظميها من مالي الخاص حتى يتسنى لهم ضمان نجاح المهرجان، وتحقيقا لمبدأ التكافؤ، إضافة فقرة مسابقة الحمارات إلى سباق الحمير! المهم أن أصدقاءنا الحمير مرشحون خلال الأسابيع والأشهر القادمة لأن يلعبوا، رغما عنهم، دورا فاعلا في المشهد السياسي.